السعيدي: تجربة قضاء القرب ليست إبداعا مبهرا

كاتب عام النقابة الديمقراطية للعدل يعتبر إخراج قانون القرب تلميعا للحصيلة الحكومية في القطاع يرى عبد الصادق السعيدي، الكاتب العام للنقابة الديمقراطية للعدل، أن تجربة قضاء القرب هي امتداد نوعي لقضاء الجماعات والمقاطعات وتطوير له مع فارق مهم في تشكيل المحكمة الذي صار يقتصر على القضاة بدلا من الحكام. ويؤكد السعيدي، في حوار مع الصباح الزخم الإعلامي الذي رافق قضاء القرب أكبر من حجمه الحقيقي، كما أن الهرولة إلى جوانب تقنية التي يراد تقديمها على أنها هي الإصلاح يثير خيبة أمل كبرى فيما يتطلع إليه المغاربة. دخلت المحاكم الابتدائية تجربة قضاء القرب والقضاء الفردي، كيف ترون هذه التجربة؟ لا يمكن الحكم على تجربة لم تنطلق بعد، لكن نظريا فتجربة قضاء القرب هي امتداد نوعي لقضاء الجماعات والمقاطعات وتطوير له مع فارق مهم في تشكيل المحكمة الذي صار يقتصر على القضاة بدلا من الحكام المنتخبين، إضافة إلى توسيع اختصاص قضاء القرب من الناحية القيمية والنوعية مع التنصيص على وجوب مسطرة الصلح في القضايا المدنية. وإذا كنا نعتقد أن هناك اعتبارات موضوعية كانت وراء إحداث قضاء القرب أولها محاولة تقريب القضاء من المواطن تسهيلا للحق في الولوج للعدالة، وثانيها الرغبة في تجاوز مساوئ تجربة قضاء الجماعات وثالثها محاولة تخفيف الضغط على المحاكم الابتدائية، بنقل الاختصاص في مجموعة من القضايا البسيطة الجنحية والمدنية من المحاكم الابتدائية إلى قاضي القرب، فإن كل هذه الاعتبارات لا يمكن أن تحجب عنا ملاحظات عدة تثار بمناسبة إقرار هذه الخطوة المرتبطة بسياق الإصلاح و مهامه المستعجلة وببلورة خارطة طريق واضحة تحدد سبل إرساء عدالة قوية و فعالة.فأولى هذه الملاحظات هي هذا التسرع غير المبرر في عقد جمعيات عمومية استثنائية وهذا الزخم الإعلامي الذي يراد منه التغطية على حجم الإشكالات المهنية التي سيطرحها قضاء القرب وتعديلات المسطرة المدنية والتنظيم القضائي إن على جهاز كتابة الضبط أو على القضاة، وثانيها عدم إشراك الفاعلين الأساسيين داخل جهاز العدالة في مناقشة هذه الخطوة وفق ما يؤهل الجميع للانخراط فيها وإنجاحها وكذا تجاوز أكبر قدر ممكن من العقبات سواء المسطرية أو الواقعية التي من الممكن بل ومن المؤكد الآن أنها ستثار إبان التطبيق، وثالث ملاحظة مرتبطة بجدوى التجربة ذاتها في سياق الإصلاح إذا ما استحضرنا عناوينه الكبرى التي أعلنها جلالة الملك في خطاب 20 غشت 2009 ، فعدالتنا لا تحتاج إلى هذا التضخم في الاختصاصات وإلى الإفراط حد التخمة في التفاصيل التقنية التي لا تغير من جوهر الجهاز في شيء. ويمكن إن نضيف أيضا على أنه من الناحية العملية يستطيع أي متتبع للشأن القضائي أن يلاحظ أن اللجوء لتجربة قضاء القرب ليس إبداعا مبهرا، فهو ليس سوى عودة لتجربة القضاء الفردي مع إثقالها بالقضايا التي كانت من اختصاص محاكم الجماعات. ففي واقع الحال قضاة القرب هم قضاة المحاكم الابتدائية وإن كانوا يشتكون من كثرة القضايا فلا بأس إن أضيفت لهم قضايا الجماعات والمقاطعات.أعتقد اليوم أن أهم الإشكالات ما زالت مطروحة بقلق شديد ثقة المواطن المغربي في القضاء وانتشار مظاهر الفساد فضلا عن تفشي الولاءات داخل جهاز العدالة، وهو ما يؤبد هذا الوضع المعلول.بالنظر إلى أهمية كاتب الضبط في تجربة قضاء القرب هل تم إشراككم في إعداد تلك القوانين؟أبدا لم تتم حتى استشارتنا في الجانب المرتبط بعمل كتابة الضبط و كما سبق أن أشرت الأمــر لا يرتبط فقط بقضاء القرب، وإنما أيضا بإحداث غرف للاستيناف بالمحاكم الابتدائية، مع ما يتبع ذلك من أعباء إضافية من سجلات وجلسات ومحاضر ومساطر لا سابق علم للموظفين بها، وفي غياب أي تكوين إعدادي لهذه الخطوة، ولا أخفيك سرا إن قلت إن المحاكم تعيش حالة من التخبط غير المسبوق في محاولة لتوزيع الموارد البشرية غير الكافية أصلا لتغطية ما ستطرحه هذه التعديلات من خصاص. واسمحوا لي أن أذكر أن مشروع قانون قضاء القرب كان ينص في المادتين الثالثة والرابعة منه على إمكانية ممارسة اطر كتابة الضبط لهذا القضاء إلى جانب القضاة، لكن الصيغة النهائية أسقطت هذه الإمكانية لتكتمل حلقة إقصاء كتابة الضبط من قانون مهنة التوثيق إلى كل القوانين المتعلقة بالمهن القضائية، ثم الإصرار على إقبار مشروع المدرسة الوطنية لكتابة الضبط. هذه العقيدة الإقصائية السائدة ضد كتابة الضبط تجعل النقابة الديمقراطية للعدل تشعر أنه إذا كنا قد حققنا في الحدود الدنيا نوعا من الارتقاء بالأوضاع المادية لكتاب الضبط من خلال النظام الأساسي الذي ننتظر نشره بالجريدة الرسمية، بعد أن صادق عليه المجلس الحكومي برئاسة رئيس الحكومة فإنه ينتظرنا الكثير من أجل الارتقاء بالوضع الاعتباري لكتابة الضبط، وهو عنوان المرحلة المقبلة من نضالاتنا.بماذا تفسرون السرعة التي تم الإعلان فيها عن التجربة وعقد جمعيات عمومية دون أن يصدر التنظيم القضائي في الجريدة الرسمية؟ لا يمكن إعطاء إجابة جازمة حول سؤالكم هذا، لكن ما يمكن قوله هو أن هناك عاملين أساسيين يتحكمان الآن في عمل وزارة العدل، أولهما الخطاب الملكي لـ 20 غشت 2009 والذي مر على إلقائه سنتين دون أن يتمكن المواطن المغربي من ملامسة تغيير ما أو حركية ما تخلخل جهاز العدالة وتجعله مطمئنا على حقوقه وهو يلج فضاء المحاكم، وثانيهما بداية العد العكسي للولاية الحكومية وهو ما يفرض على وزارة العدل وعلى الحكومة الإسراع بإخراج ما يمكن إخراجه، وإن بشكل متسرع لتلميع الحصيلة الحكومية في هذا القطاععلى إثر الاستحقاقات الانتخابية المقبلة والتي سيعهد للقضاة الإشراف عليها ستعرف العملية إشراك حوالي 1600 قاض ألا ترون أن ذلك سيعيق تنفيذ تجربة قضاء القرب؟لا بد من معرفة ماهية هذا الإشراف ليتسنى لنا تحديد مدى تأثيره على جهاز العدالة ككل و ليس فقط قضاء القرب. فإذا كان الإشراف كليا ودقيقا مثلما هو الأمر في بعض التجارب المقارنة فإن غياب 1600 قاض من أصل 3000 لهو أمر أقرب إلى تعطيل العدالة. أما بالنسبة لقضاء القرب فان الزخم الإعلامي الذي رافقه أكبر من حجمه الحقيقي، فهذا الإجراء هو طبعة مزيدة، لكن دون تنقيح من تجربة القاضي المقيم والتي بقيت جوفاء في غياب لجوء المتقاضين لهذه المراكز وغياب أغلب القضاة المقيمين الاضطراري عن مقار عملهم وتفضيل الاستعانة بهم داخل الابتدائيات.من خلال عملكم اليومي ما هو تقييمكم لتجربة القاضي الوسيط؟سبق للمكتب الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل أن عقد جلسة لتقييم هذه التجربة على ضوء تقارير فروعه وخلص لبعض الخلاصات الأولية، عبرنا عنها في جلسات رسمية مع وزارة العدل و بينا لها أنها تجربة لا معنى لها وفشلها سبق تطبيقها، ذلك أن ما سمي بالوسيط هو إجراء يجتر عمل كتابة الضبط، وبدل تطوير آليات استقبال المواطن واعتماد الشباك الوحيد في الولوج وإقرار تكوين علمي ومستمر لموظفي كتابة الضبط على هذا الصعيد تم اعتماد هذا الإجراء الذي لم نستطع ونحن أهل الدار استيعاب فلسفته في غياب أي مظهر ايجابي له. هل يعني هذا أن مجهودات وزارة العدل لا تستجيب لمتطلبات الإصلاح ؟ليس تماما، لكننا نرى أن هناك أولويات في هذا الأمر منها ما حدده جلالة الملك ومنها ما هو نابع من واقع الفساد الذي عانى منه جهاز العدالة، فما معنى التمديد لمسؤولين متقاعدين، وما معنى منع القضاة من تأسيس جمعية نص الدستور المصادق عليه على حقهم في تأسيسها، وما معنى إطلاق العنان للمحسوبية والقرابة في عملية الانتقاء للقضاء الإداري وإلى أي حد صار مقبولا توريث منصب القضاء لعائلات بعينها وكأن نساء المغرب عجزن عن إنجاب أبناء نجباء ونزهاء مؤهلين لتولي هذا المنصب؟ وما معنى الصمت الذي يجابه به مطلب القيام بافتحاص شامل لكل الصفقات والعقود والمشتريات والتوريدات التي قامت بها مديرية التجهيز في العشر سنوات الأخيرة لضبط كل الاختلالات التي شابتها ومحاسبة المسؤولين عنها وتجاوزها في المستقبل. إن تفشي هذه المظاهر والهرولة إلى جوانب تقنية يراد تقديمها على أنها هي الإصلاح كل الإصلاح يثير خيبة أمل كبرى فيما نتطلع إليه كمغاربة. أجرت الحوار: كريمة مصلي

السعيدي: تجربة قضاء القرب ليست إبداعا مبهرا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قضاء القرب... مسطرة شفوية ومجانية ومعفاة من الرسوم

القضاء الفردي يعود إلى المحاكم الابتدائية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات