تحقيق الاكتفاء الذاتي القضائي ينتظره طريق شاق

لا يختلف اثنان أن إحداث قضاء القرب يخدم السلطة العامة ويحقق الأمن القضائي ويشجع التطور الاقتصادي، لكن شريطة أن تتضمن مقتضياته السرعة والفعالية ووحدة الاجراءات المسطرية وبساطتها.فرغم مصادقة البرلمان على قانون إحداث قضاء القرب، والمصادقة على مشاريع قوانين أخرى تتعلق بالتنظيم القضائي والمسطرتين المدنية والجنائية، فإن تحقيق الاكتفاء الذاتي القضائي مازال ينتظره طريق شاق لا يسهله إلا عمل متكامل لرجال الفقه والقانون والقضاء.بمعنى آخر أن استكمال بناء المدونة المسطرية يتطلب تعبئة شمولية لكافة المنتمين لأسرة القضاء والقانون، فلن يحل تعديل جزئي للتنظيم القضائي للمملكة أو للمسطرة العدلية، مشاكل المتقاضين، إذ دلت التجربة منذ 12 غشت 1913 إلى سنة 2011، أي ما يقرب قرنا من الزمن أن القضاء الفردي الذي عرفه الإسلام منذ ظهوره، هو الأصل، وأن القضاء الجماعي هو الاستثناء، والاستثناء لا يقاس عليه كما هو معلوم لدى الجميع.لقد دار التنظيم القضائي ومعه قانون المسطرة المدنية على نفسه منذ بداية القرن الماضي إلى بداية القرن الحالي، ليبرهن أن الأخذ بتجارب البلدان الأجنبية والاقتباس من قوانينها ليس كافيا على الإطلاق، بل إن أي إصلاح لنظام قانوني أو مؤسسة قضائية يجب أن ينطلق من الواقع المغربي الذي يشكل الفقه والقضاء جزءا لا يتجزأ منه، ثم من الضروري اعتبار خصوصية المجتمع المغربي ومستواه الثقافي والاقتصادي دون التأثر بسواه إلا ماله صلة وطيدة بالإداري، كالجهوية الموسعة أو مفهوم اللاتمركز. ولهذا أخذ الاختصاص القيمي (قيمة النزاع) والاختصاص النوعي (نوع النزاع إداري، مدني، تجاري، أسري...) اهتمام مشرعي قانون التنظيم القضائي والمساطر إلى حد إحداث محاكم متخصصة ومساطر خاصة جعلت المتقاضي يتخبط أحيانا لمسايرتها، بحكم التعديلات المتسرعة التي لا تلقى إعلاما ونشرا واسعا لتحقيق الغاية من سنها، إذ لا تكفي الجريدة الرسمية لبلوغ الهدف، بل لابد من حملة واسعة النطاق تتجند لها مختلف أطياف المجتمع المخاطبة بالقواعد القانونية.إذ لما اقترب خروج قوانين لها ارتباط بحياة المواطن الشخصية والمالية، كان ينبغي الشروع في حملة وطنية لنشر المعلومات القانونية التي جاءت بها، وعلى سبيل المثال إرشاد المتقاضين إلى ما ذكر بشأن الاختصاص القيمي والنوعي أي أن النزاع الذي قيمته لا تتعدى 1200 درهم سيكون من اختصاص قضاء القرب المحدث بالمحاكم الابتدائية، التي يمكن أن تعقد جلسات تنقلية بالجماعات التابعة لدائرة النفوذ الترابي لقسم قضاء القرب.وتعد المسطرة المتبعة أمام هذا النوع من القضاء مجانية، وهذا أمر في غاية الأهمية لتعلقه بإحدى ضمانات ممارسة حقوق الأفراد بل وتطبيقا من تطبيقات الدستور الجديد ولا سيما الفصل 121 منه، الذي ينص على أن التقاضي يكون مجانيا في الحالات المنصوص عليها قانونا لمن لا يتوفر على موارد كافية للتقاضي. كما أن مساطر قضاء القرب سريعة إذ لا يجب أن تتعدى ثلاثين يوما بعد إجراء محاولة للصلح بين طرفي الدعوى، وهذا أيضا يساير الفصل 120 من الدستور الذي ينص على أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي حكم يصدر داخل أجل معقول، لكن تطبيقه مرتبط بظروف أخرى، لعل أهمها ضمان استمرارية أداء المرفق العام خدماته باستمرار، عكس ما عرفته محاكم البلاد من شلل طيلة الفترة السابقة بسبب إضرابات كتاب الضبط من أجل تحسين وضعيتهم الاجتماعية والمادية. غير أن الملاحظ أن الجزاء المترتب عن الاخلال بالآجال غير وارد ولعل ذلك يمكن أن يفرغ القانون المرتقب من محتواه.ويمكن لمهتم بالمحاكمة العادلة أن ينتقد القضاء الفردي المتعلق بالقضاء الجنحي، إذ لم يفرق فعلا القانون بين الجنح الضبطية والتأديبية، لكن يمكن تعديل المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية بما يكفل حضور المحامي مؤازرة للمشتبه فيه عند أو فور اعتقاله. ويعد هذا المقترح أمرا منسجما مع الدستور الجديد سيما ماورد في الفصل 23 منه، الذي ينص على أنه يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله على الفور وبكيفية يفهمها بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها الاستفادة في أقرب وقت ممكن من مساعدة قانونية. ولتكتمل الترسانة القانونية لابد من إحداث لجان لمراجعة القوانين المهمه إسوة بلجنة الدستور، إذ أن هذه التقنية تمكن من تطوير القوانين الرائجة وتكون بمثابة آليات لتقييم مدى فعالية التنظيمات القضائية، إذ لا يعقل أن تبقى المقترحات العلمية موضوع الأطروحات الجامعية، وتبقى التوصيات الصادرة عن المجلس الأعلى وعن هيآت المحامين وباقي المنابر العلمية حبيسة الرفوف، إذ لا حياة لقانون متجمد ولا لتنظيم قضائي دون فقه واجتهاد. المصطفى صفر

تحقيق الاكتفاء الذاتي القضائي ينتظره طريق شاق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قضاء القرب ... جلسات تنقلية استكشافية

قضاة يناقشون قانون القرب والقضاء الفردي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات