قضاء القرب … جلسات تنقلية استكشافية

الآجال التي جاء بها قانون قضاء القرب "آجال فنطزية" ولا يمكن اتخاذ إجراءات تأديبية بشأنها إذا ما تم تجاوزها هل اختيار قضاء القرب في صيغته الحالية كان موفقا أم اعتباطيا أم أملته الاحتياجات القضائية؟ أم أنه خطوة متسرعة في طريق الإصلاح القضائي المنشود؟ وما هي ملامحه وظروف ولادته؟ وهل هو مسار مستمر إلى حين ظهور نتائجه أم خطوة لاستباق الانتخابات التشريعية ودخول الدستور الجديد حيز التطبيق؟ ولماذا استعملت وزارة العدل الفصل 56 من الدستور للتصويت بصورة استعجالية على قانون قضاء القرب؟ ولماذا يصوت مجلس النواب على هذا القانون بأغلبية 37 صوتا فقط؟ إن الوصول إلى قضاء قوي وفعال ومستقل لابد من فعالية القائمين على شؤونه مما يتطلب البحث عن أحسن السبل لاختيار التشكيلة البشرية أولا في عملية قضاء القرب واعتماد مبدأ التخصص بدل الخبرة ، وبصدور القانون رقم 10-42 المتعلق بإحداث أقسام لقضاء القرب بدوائر نفوذ المحاكم الابتدائية ومراكز القضاة المقيمين ، نعتبره تقليدا لبعض الدول مثل "قضاء المحاكم الجزئية" بليبيا و"قضاء الجوار" بالعراق، وهو تقليد سارت عليه اجتهادات وزارة العدل في الاستعانة بالقوانين العربية "البائدة" أو القوانين العثمانية "المتجاوزة"، بدل الاستفادة من القوانين الإسبانية والإنجليزية والأمريكية في هذا المجال التي تحاول إقامة المساواة المطلقة بين الفرد والدولة عن طريق إخضاعهما لقاض واحد قريب من سكنى المتقاضين.. ووزارة العدل تحاول أن تجعل من قضاء القرب من خلال أبوابه الأربعة ومواده 22 نوع من لا تمركز إذ يشمل الجماعات المحلية الواقعة بالدائرة الترابية بالمدينة التي يوجد بها مقر المحكمة الابتدائية والمراكز، سيما في المناطق القروية والجبلية والنائية وعدم تمركزها في منطقة واحدة إذ يسهل على المتقاضين اللجوء إلى القضاء في يسر ودون عائق راجع إلى بعد المسافة أو قلة الإمكانيات على اعتبار أن اللجوء إلى القضاء حق مكفول دستوريا للجميع دون استثناء، غير أن قضاء القرب في حقيقته "مولود معاق" وهو ما اصطلح عليه بقضايا "المدني المتنوع"، والذي لم يراع القرب الجغرافي على غرار تقريب الإدارة من المواطنين، إذ كيف يمكن لمدينة مثل الدارالبيضاء التي تضم 9 عمالات وأزيد من 6 ملايين نسمة، وتبلغ مساحتها 600 كيلومترا مربع في محور يبلغ 35 كيلومترا شرق – غرب عبر المسار السريع الحضري أن تجعل من قضاء القرب متنفسا للوصول إلى الحقوق، فوزارة العدل ستعمل بلا شك على إحداث مقرات جديدة للمحاكم أو تنظيم جلسات قضاء القرب بالجماعات المحلية سواء بطريقة قارة أو عن طريق الجلسات التنقلية للقضاة وكتاب الضبط، إذ يمكن للمتقاضي مثلا في مديونة أو تيط مليل التسوق والتقاضي في الوقت نفسه ما دام "قاضي القرب" في خيمته بالسوق السبوعي تحت أنظار "السواقة". فمن سيتحمل مخاطر الطريق والتنقل عبر الجبال والوديان كل أسبوع في جلسات تنقلية، ومن سيتحمل مصاريف التنقل والتدبير. وقد نسخ القانون المتعلق بقضاء القرب أحكام الظهير الشريف بمثابة قانون المتعلق بتنظيم أحكام الجماعات ومحاكم المقاطعات وتحديد اختصاصها الذي كان موضوع انتقادات وعلى رأسها أنه قضاء غير دستوري وكان يخضع للسلطات المحلية وحسابات شخصية، رغم أن هذا القانون الجديد نسخة من هذا "القضاء الشعبي" مع بعض الفوارق البسيطة في إسناد البت إلى قضاة من المحاكم الابتدائية تعينهم الجمعية العمومية للمحكمة، ورفع الاختصاص في الدعاوي الشخصية والمنقولة إلى 5 آلاف درهم مع البت في المخالفات التي لا تتجاوز الغرامة فيها 1200 درهم.وقد جاء في المذكرة التقديمية لهذا القانون أنه: "يندرج ضمن ما استلزمه الإصلاح القضائي.. من هاجس تقريب القضاء من المتقاضين.. الذي يروم إحداث إطار قضائي مؤهل لمعالجة المنازعات والمخالفات البسيطة .. مع تيسير سبل التبليغ والتنفيذ".فإذا كان إصلاح المنظومة القضائية يتجاوز قضاء القرب فإنه يشمل بلا شك المهن والفئات المرتبطة به، وكيفية التعاطي مع الإصلاح ومع المتقاضين، ليؤدي ذلك في النهاية إلى احترام الحقوق وإعطاء الثقة في القضاء.وقد استوجب قضاء القرب إعادة النظر في التنظيم القضائي وأصبح جزءا من مكوناته إذ أعيد ترتيب المحاكم وتصنيفها بموجب القانون رقم 10-34، كما استوجب تغيير وتتميم 29 فصلا من قانون المسطرة المدنية، وفرض الرجوع إلى القضاء الفردي بالمحاكم الابتدائية في خطوة انتكاسية باستثناء قضاء الأسرة والميراث والنفقة والقضايا الجنحية وفي المحاكم الإدارية والتجارية.فقاضي القرب يبت منفردا في القضايا المعروضة عليه بحضور كاتب الضبط وفي غيبة النيابة العامة، فكيف سيتم التغلب على حاجة المحاكم إلى أعداد إضافية من القضاة والعناصر البشرية ذات الكفاءة؟ وهل ستعتمد وزارة العدل على تعيين القضاة الذين تخرجوا خلال هذه السنة والبالغ عددهم حوالي 700 قاض في إنجاح التجربة أم هي مغامرة في غياب شروط النضج الفكري والشخصية الاجتماعية؟ خصوصا إذا علمنا أن من بين الأهداف البارزة تسريع البت في القضايا حيت حددها المشرع في 30 يوما، والتحكم في الجلسات، وتبسيط إجراءات التقاضي، إذ أصبحت المسطرة شفوية ومجانية ومعفاة من الرسوم القضائية، وإعطاء التبليغ والتنفيذ فيها إلى السلطات المحلية مع إمكانية القيام بذلك من لذن المفوضين القضائيين بناء على طلب الأطراف، وهو قانون خاص يقدم على قانون المسطرة المدنية فيما يخص التبليغ والتنفيذ، ونهج محاولة الصلح الذي هو فرصة لتلقي النصح والتوجيه القانوني بشأن نزاع الخصومة، وهو أمر من شأنه أن ييسر للمتقاضين التعرف على أنجع السبل القانونية ويخدم في الوقت نفسه مهمة الفصل في الدعوى، وعدم إجراء محاولة الصلح من موجبات الإلغاء أمام رئيس المحكمة داخل أجل 8 أيام من تاريخ التبليغ، والذي يبث فيها داخل أجل 15 يوما في غيبة الأطراف. وإذا كانت الأحكام يجب أن تكون محررة إبان النطق بها في الجلسة، فإن نسخها تسلم داخل أجل 10 أيام. من هنا يتبين أن الآجال التي جاء بها قانون قضاء القرب "آجال فنطزية" لا غير إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال اتخاذ أية إجراءات تأديبية بشأنها إذا ما تم تجاوزها وعدم احترامها، لذلك وجب إيجاد طريقة لدراسة الملفات قبل رفع الدعوى للتأكد من الضوابط الموضوعية والإجرائية والمستندات لأن هناك "خصوما أشرارا" يرهبون بعض البسطاء بسطوة القضاء للحصول منهم على مآرب غير مشروعة، وسيكون هذا القانون سببا في كثرة الدعاوى واللجوء إلى القضاء وسيخلف أثرا سلبيا على هيأة الدفاع والمفوضين القضائيين، وهو بذلك إيذان بإفلاس بعض المهن القانون الحرة وعودة زمن الإتاوات. رئيس المجلس الجهوي للمفوضين القضائيين بدائرة محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء بقلم: سعيد بورمان

قضاء القرب … جلسات تنقلية استكشافية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المغرب بين متطلبات التأهيل ومخاطر الفشل

تحقيق الاكتفاء الذاتي القضائي ينتظره طريق شاق

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات