شكري: اللجوء إلى حرق الجسد نتيجة اكتئاب حاد

أستاذ علم النفس قال إن من يلتجئ إلى هذه الطريقة يحس بالتحقير والإهانة اعتبر الدكتور عبد الجبار شكري، أستاذ باحث في علم الاجتماع وعلم النفس، أن لجوء بعض المواطنين إلى حرق أجسادهم ناتج عن عيشهم حالة اكتئاب، مضيفا أن المواطن حين تعرضه للظلم يشعر بحالة يأس مطلق فيرفع سقف الاحتجاج إلى أقصاه، فيقوم بإحراق ذاته، وقتلها لكي يحمل الدولة مسؤولية موته، لأنها هي التي أوصلته إلى هذا اليأس... كيف تفسرون إقدام شخص على الاحتجاج بطرق أشد عنفا مثل إحراق الذات والإضراب عن الطعام إلى غير ذلك من وسائل القتل ؟هناك مجموعة من الأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع الشخص أثناء الاحتجاج بحرق نفسه وهي كالتالي :فالبنسبة إلى الأسباب النفسية نجد ما يلي:أولا: إن بعض المواطنين المغاربة تساوى لديهم الموت والحياة أمام ما فقده من لذة في المعيش اليومي وأمام إكراهات الفقر والحاجة والحرمان، فالأمر بالنسبة إليه سيان أن يموت أو أن يعيش فالأمر كله يعني إذا لم يحتج فهو ميت، وإن احتج فهو ميت، لأنه يعرف مصيره المحتوم عند الدولة، لهذا تطغى عليه في حالة تعرضه للظلم حالة اليأس المطلق، فيرفع سقف الاحتجاج إلى أقصاه في الاحتجاج على الدولة فيقوم بإحراق ذاته وقتلها لكي يكشف عن الوجه الخفي للدولة، وأن يحملها مسؤولية موته لأنها هي التي أوصلته إلى هذا اليأس والموت .ثانيا: وصلت به سياسة الدولة في وعودها الكاذبة المتكررة إلى فقدان الأمل في المستقبل، فيقع في اليأس المطلق من كل شيء بما فيه الرغبة في الحياة.ثالثا: إن حرق الذات هو في حد ذاته انتحار، والمنتحر هو في الأصل يعيش حالة اكتئاب حادة، ومن هنا يمكن القول إن سياسة الدولة أوصلت هذا المنتحر إلى أن يعيش في اكتئاب تام نتيجة انسداد سبل العيش لديه وانغلاق جميع الأبواب أمامه.ماذا عن الأسباب الاجتماعية؟بالنسبة إلى الأسباب الاجتماعية المؤدية بالشخص إلى إحراق نفسه نجد أنه في عملية الاحتجاج الجماعية يجد الشخص نفسه يدخل في سيكولوجية الجموع وسيكولوجية الجموع تخرج الشخص من سيكولوجية الأنا، فيجد الشخص في ظل انفعال جماعي قوي يقدم على إحراق ذاته كشكل أقوى للتعبير عن الاحتجاج.وثانيا في ظل التهميش والتحقير والإهانة التي مورست عليه من طرف بعض المسؤولين أصبح يشعر بالتفاهة وعدم الوجود والحضور كقوة في المجتمع فيشعل من إحراق ذاته لحظة تأكيد لأناه الاجتماعي الذي يتميز بالشجاعة والتضحية. في أي إطار تدخل الاحتجاجات القائمة في المغرب؟يمكن أن نميز بين ثلاثة مفاهيم سوسيولوجية في حركات الاحتجاج وهي كالتالي:المفهوم السوسيولوجي الأول هو الانقلاب السياسي، هو انقلاب تقوده نخبة عسكرية أو سياسية في الغالب ما يكون وراء الانقلاب تغيير النظام السياسي من أجل تحقيق طموحات نحو السلطة وهو طموح ذاتي لهذه النخبة، يأخذ صبغة اجتماعية من المطالب تغلف بإيديولوجية معينة مضادة للنظام السياسي السابق. المفهوم السوسيولوجي الثاني وهو الثورة وهي حركة احتجاج عامة تعم كل فصائل الشعب تطالب بإطاحة النظام السياسي القائم وهي حركة يضهر فيها العنف بقوة وتكون المبادرة في العنف لدى النظام السياسي بهدف قمع حركات الاحتجاج ، والشيء الجديد في الثورات العربية المعاصرة في تونس ومصر وليبيا أنها ثورة شعبية لا تخضع لقيادة معينة، بل نجد أن سيكولوجية الجماهير الشعبية هي التي تحركها وتديم استمرارها. في حين أن الثورات الأخرى في شعوب أخرى كانت مؤطرة من طرف سياسيين وإيديولوجيين. المفهوم السوسيولوجي الثالث وهو يشمل حركات الاحتجاج المطالبة بالإصلاح الشامل و بتحسين الوضعية الاجتماعية والاقتصادية، وهذه تقودها النقابات وجمعيات المجتمع المدني أو حركات الاحتجاج الموجهة نحو إدانة فعل لا إنساني وهذه يقودها كل الفصائل السياسية من أحزاب ونقابات وجمعيات. وفي هذا الإطار تدخل الاحتجاجات القائمة الآن في المغرب لأنها تقوم على تحقيق الإصلاح الشامل مع الاحتفاظ بالنظام السياسي الملكي.كيف تفسرون رفع وتيرة احتجاجات الشباب ووصول الأمر إلى حد إحراق الجسد؟إن الخوف هو صناعة الذات في لحظة ضعفها عند مواجهة الإكراهات والإشراطات الاجتماعية والاقتصادية، وهو حماية الأنا وانغلاقه على نفسه من المصير الذي قد يحدث للأنا في لحظة مواجهة عالم الإكراهات والإشراطات يصبح الخوف هو بالنسبة إلى الذات هو بر الأمان الذي تتشبث به من أجل الاستمتاع بسيرورة لذة الوجود الذي يتقوى معها الخوف، لكن عندما تنهار سيرورة لذة الوجود للأنا في طاقة الخوف، لم يعد للخوف بالنسبة إلى الأنا أي منفعة برجماتية، بقدر ما يصبح هو نفسه مصدر الألم والمعاناة ، إن سيكولوجية الخوف لا تتقوى إلا عندما تضمن حماية الأنا من الألم والمعاناة، في هذه الحالة يصنع الأنا منافذ ووسائل لتبرير سيكولوجية الخوف من أجل تحقيق لذة والسعادة. تنهار هذه وسائل ومنافذ التبرير عندما تنهار منفعة الخوف التي هي ضمان وحماية منطق اللذة، وهذا ما حدث للأجيال العربية المعاصرة، عندما فقدت اللذة في المعيش اليومي بسبب البطالة والفقر والمرض والقمع وخنق الحريات لم يعد للخوف من مبرر للوجود، ولم يعد يضمن لذة المعيش التي من أجلها تأسس، ويضمن طمأنينة الأنا في الوجود، في هذه الحالة يتساوى عند الأنا الوجود والعدم ففي الحالتين معا فالأنا منهار وشقي منعدم لذة المعيش، وهذا ما يفسر إقبال بعض المتظاهرين على إحراق أنفسهم. وعندما يهدد المطالبين بالشغل وتحسين ظروف الحياة من قتل أنفسهم إما بالإحراق أو الإضراب عن الطعام.ماهي الأسباب النفسية والاجتماعية المؤدية إلى الاحتجاجات في المغرب؟هناك مجموعة من الأسباب النفسية والاجتماعية التي أدت إلى ظهور الاحتجاجات في المغرب، أولها شعور بعض المواطنين المغاربة بعدم الكرامة نتيجة سياسة الحكومات المتتالية على الحكم في المغرب، فلا برلمان ممثلا حقيقيا للشعب ولا حكومة تملك في يدها سلطة القرار والتنفيد، ولا استقلالا في القضاء، بالإضافة إلى تفشي الفساد السياسي والإداري والاقتصادي .ثانيها شعور أنا المواطن بأنه فقد كل رأسماله السيكولوجي في الشعور بوجود الذات في مقابل أنا المسؤول في كل قطاع من القطاعات الذي سلب من أنا المواطن رأسماله في الوجود كيان الذات وحرية الذات وكرامة الذات، وتحول أنا المواطن المغربي إلى عبودية مقنعة تعمل لخدمة الدولة مقابل عمل مأجور.وثالثها اكتساب أنا المواطن المغربي آليات التعبير الحر من خلال المواقع الاجتماعية ك فيسبوك و تويثر ويوتوب بدون التعرض للقمع أو المنع أو العقاب. وهذا جعل أنا المواطن يشعر بقيمة الحرية مما أدى إلى استرجاع الأنا لرأسماله السيكولوجي.ورابعها تحرر الأنا المواطن المغربي من الخوف، عندما لم يعد هذا الخوف يضمن أمان الأنا من الأضرار ويديم لديه لذة المعيش اليومي كما قلت سابقا. كما تحرر أنا المواطن من الخوف عندما تساوى عنده الموت والحياة وتحرر أيضا من الخوف مما رآه يحدث في دول عربية أخرى. أجرى الحوار: الصديق بوكزول

شكري: اللجوء إلى حرق الجسد نتيجة اكتئاب حاد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

محاولة مفبركة لإحراق الذات بالرباط

فتاة بسوق السبت تحرق جسدها احتجاجا على "الحكرة"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات