اختلالات تشريعية وقضائية في جرائم الخيانة الزوجية

المحامي يوسف وهابي رصد تناقض المتابعات والأخطاء الشائعة ومدى سيطرة محاضر الضابطة على قناعة القاضي يرى المحامي يوسف وهابي، أن جريمة الخيانة الزوجية تطرح بوضعها التشريعي الحالي في المنظومة الجنائية العديد من الإشكالات والانتقادات التي تقتضي حسما تشريعيا وقضائيا لا يسمح باستمرار أي تخبط على مستوى التطبيق. إذ يلاحظ أن هناك تناقضا في الأحكام التي تصدرها محاكم المملكة في جرائم الخيانة الزوجية. هل مرد ذلك إلى اختلالات تشريعية أم أنه يعود إلى تضارب في الاجتهاد القضائي؟ من هذا المنظور سنحاول عرض الاختلالات التي تعتري المتابعات في جرائم الخيانة الزوجية... ينطلق وهابي، مدير مجلة الملف والمحامي بهأة الجديدة في سرد هذه الاختلالات، إذ يحدد أولها في الخطأ الشائع بالمتابعة من أجل المشاركة في الخيانة الزوجية. معتبرا أن جريمة الخيانة الزوجية ليست من جرائم الفاعل الواحد، بل هي من جرائم الفاعل المتعدد، إذ لا يمكن تصور ارتكابها إلا من طرف شخصين (رجل وامرأة)، لذلك فالخيانة الزوجية يرتكبها فاعلان أصليان، ولا تتصور فيها المشاركة، إلا إذا قام شخص ثالث بأحد أفعال المشاركة المحددة حصرا في الفصل 129 من ق.ج، كالأمر أو التحريض أو المساعدة في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المهمة لارتكابها مع العلم بذلك. ويقول المتحدث نفسه «إلا أننا نرى على مستوى الممارسة أن الطرف الثاني في العلاقة الجنسية يتابع بالمشاركة رغم أنه فاعل أصلي، وهو خطأ شائع ساهمت فيه الصياغة التشريعية، لذلك يجب أن يتدخل المشرع المغربي لتعديل مقتضيات الفصل 492 من القانون الجنائي التي تستعمل مصطلحا غير دقيقا وهو المشارك والمشاركة في الخيانة الزوجية». وأضاف وهابي مستطردا في توضيح الاختلال نفسه، أنه لا يعقل أن يتابع مجموعة من الأشخاص غير المتزوجين بجريمة الخيانة الزوجية رغم عدم علمهم بأن الطرف الآخر في العلاقة الجنسية يرتبط بعلاقة زواج من شخص آخر. موضحا أن قصد عبارة «غير المتزوج» لا يكون في الغالب هو طعن الزوج الآخر في شرفه وخيانته مع شريك حياته، وإنما يكون غرضه هو متعة جنسية عابرة، بل إن كثيرا من الأزواج أو الزوجات الذين يرتكبون الخيانة الزوجية يحرصون على إخفاء واقعة زواجهم، وهو ما يقتضي إنصاف غير المتزوجين وعدم افتراض علمهم بزواج الطرف الآخر في العلاقة الجنسية، لأن الكثير منهم يمتنع عن ربط علاقة جنسية مع طرف متزوج، إذا علم بزواجه، مع العلم أن الشريعة الإسلامية نفسها تفرق بين وضعية المحصن وغير المحصن ولا تجعلهما في كفة واحدة.أما على مستوى الإثبات فيضيف وهابي أن المشرع المغربي، رغم أنه حاد عن مبدأ الإثبات الحر المعمول به في المجال الجنائي وأخضع إثبات جريمة الخيانة الزوجية لوسائل محددة، وهي محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة تلبس أو اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي، فإن الواقع العملي يكشف الحاجة إلى تدخل تشريعي عاجل لإصلاح المآسي التي تسبب فيها التفسير القضائي لعبارات المكاتيب والأوراق الصادرة عن المتهم، والذي اعتبر محاضر الضابطة القضائية المتضمنة لاعتراف المتهم بمثابة مكاتيب وأوراق صادرة عنه، وهكذا أصبحت محاضر الضابطة القضائية تستعمل في العديد من الحالات كأداء لتصفية الحسابات بين الأزواج، رغم عدم ضبط الزوج أو الزوجة في حالة تلبس، فإن تضمين اعتراف عليه من طرف ضابط الشرطة القضائية كاف لإدانته من أجل الخيانة الزوجية. وكل ذلك بسبب التفسير القضائي الخاطئ الذي أعطى للضابطة القضائية ضوءا أخضر للتحكم في مسار قضايا الخيانة الزوجية سواء في اتجاه الإدانة أو البراءة.وزاد المتحدث نفسه قائلا إن الثقة العمياء لبعض القضاة في محاضر الشرطة القضائية وصلت إلى حد اعتبار اعترافات غير موقع عليها من طرف المتهمين بمثابة اعترافات تتضمنها مكاتيب وأوراق صادرة عن المتهم، وتكفي لإدانته من اجل الخيانة الزوجية، ولحسن الحظ أن المجلس الأعلى تدخل أخيرا واعتبر أن محاضر الضابطة القضائية غير الموقع عليها من طرف المتهم لا تصلح حجة لإثبات الخيانة الزوجية. ورغم أهمية هذا الموقف، يوضح يوسف وهابي، فهو غير كاف لأن المطلوب هو أن يراجع المجلس الأعلى موقفه بخصوص اعتبار الاعترافات التي تسجلها الضابطة القضائية في محاضرها على بعض الموقوفين والموقوفات بمثابة أوراق ومكاتيب صادرة عنهم، فهذا موقف قضائي يخالف قصد المشرع الرامي إلى التضييق من وسائل إثبات الخيانة الزوجية، بل إنه شجع العديد من الأزواج ذوي النية السيئة على تصفية حسابات شخصية مع شركاء حياتهم عن طريقة استعمال بعض العناصر الفاسدة داخل الضابطة القضائية لتضمين اعترافات على أزواجهم بالخيانة الزوجية.أما على مستوى التنازل والمتابعة، فيرى المحامي وهابي أن الوضع التشريعي الحالي يترتب عنه أن يتنازل أحد الزوجين عن شكايته بالخيانة الزوجية يضع حدا لمتابعة الزوج الآخر، و رغم أن المجلس الأعلى ومنذ السبعينات ظل يؤكد في العشرات من القرارات، أن تنازل أحد الزوجين يضع حدا للمتابعة بالخيانة الزوجية ويمنع من متابعة المشتكي به بأي وصف آخر (قرار المجلس الأعلى عدد 443 بتاريخ 29 مارس 2000 منشور بمجلة الملف العدد 11)، فإن النيابات العامة وكذا محاكم الموضوع ما زالت تتابع وتدين من أجل أوصاف أخرى، كالفساد أو التحريض على الدعارة، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول دور المجلس الأعلى وحول وجود سياسة قضائية موحدة على المستوى الوطني.وفي ما يخص المحاولة ذهب يوسف وهابي إلى أن ما يثير الانتباه، عدم تجريم المشرع للمحاولة في جريمة الخيانة الزوجية، وإذا كانت هناك ملاحظات حول السياسة العقابية التي انتهجها المشرع على مستوى تجريم الشروع في الجريمة ومعاقبة المحاولة بمثل عقوبة الجريمة التامة، والذي يظل منهجا مبالغا فيه ويحمل قسوة تشريعية لا مبرر لها. ويرى المتحدث نفسه أن سكوت المشرع عن تجريم المحاولة في الخيانة الزوجية يكشف تخبطا واضطرابا في معايير ومقاصد السياسة الجنائية، فإذا كان الغرض من تجريم الخيانة الزوجية هو حماية نظام الأسرة وتحصين واجب الإخلاص الزوجي، فإن التقاليد والعادات السائدة في المجتمع المغربي تجعل الكثير من الأزواج والزوجات يرون في اختلاء شريك حياتهم مع شخص آخر في مكان مشبوه شبهة خيانة، فكيف يغض المشرع الطرف عن ارتكاب أفعال أخطر وأبلغ تعبيرا عن الخيانة مثل تبادل العناق واللمسات والقبلات مع شخص أجنبي أو مباشرة أعمال جنسية لم تصل إلى حد العلاقة الجنسية الكاملة والتي تعتبر إخلالا واضحا بروابط الإخلاص التي من المفروض أن تسود بين الأزواج، وتقتضي تجريمها والعقاب عليها في إطار الشروع في الجريمة كلما توفرت الشروط القانونية للمحاولة. المصطفى صفر

اختلالات تشريعية وقضائية في جرائم الخيانة الزوجية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فبركة ملف لتوريط امرأة في قضية خيانة زوجية

الخيانة تسقط بتنازل الزوج المتضرر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات