الكحل: السلفيون حولوا السجن إلى إمارة مستقلة

الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية اعتبر أن واقع حال سجناء السلفية الجهادية يثبت أنهم كانوا هم السجانون يرى سعيد الكحل، باحث في شؤون الجماعات الإسلامية أن الوضعية التفضيلية التي يوجد عليها سجناء السلفية الجهادية بالمغرب، دفعتهم إلى التنظيم والتكتل كما لو أنهم إمارة مستقلة داخل السجون. ويضيف في حوار أجرته معه الصباح، أنه بسبب هذه الوضعية التفضيلية، كان نزلاء الحق العام يسائلون الإدارة وكل من يزورهم من الجمعيات أو الهيآت الحقوقية «لماذا يحصلون على حقوق أكثر منا؟ ويذهب الكحل إلى أن سجناء السلفية يدركون أن ملفهم بات يشكل عبئا على الدولة، كما أصبح مطلبا أساسيا من مطالب حركة 20 فبراير. معتبرا أن كل هذا أشعر الجهاديين بأن لهم قوة متزايدة ينبغي استثمارها في اللحظة التي يرون أنها مناسبة... بلغت تمردات السجناء، سيما المنتمين إلى ما يسمى بتيار السلفية الجهادية حدا أوجب تدخل الفرق الأمنية الخاصة لإرجاع الأمور إلى حالتها الطبيعية، كما انتشرت رسائل عبارة أشرطة فيديو وصور، تبين حيازة هذا الصنف منن السجناء لأدوات لا يسمح بها أصلا داخل السجون مثل السكاكين والكاميرات...، كيف تقيمون هذه الوضعية؟أولا لابد من التذكير بأن هؤلاء المعتقلين الجهاديين لم يعانوا الأسْر والحرمان اللذين يعاني منهما السجناء، على اعتبار أن السجن هو في الأصل عقاب وحرمان، قبل أن يكون حماية للمجتمع من المخاطر التي يشكلها السجناء على المواطنين. وحرمان السجناء من الحريات التي يتمتع بها عموم المواطنين لا بد وأن يكون على رأس العقوبات في أي منظومة سجنية. لكن واقع حال سجناء السلفية الجهادية يثبت أنهم كانوا هم السجانون وليس السجناء. ولإعطاء صورة واضحة عن أوضاعهم داخل السجن، أقدم لكم وللقراء الكرام شهادة ميدانية قدمتها جريدة «نيويورك تايمز» وأعادت نشرها جريدة «الشرق الأوسط» بتاريخ 2/1/2008 تحت عنوان : «سجناء الإرهاب في المغرب يحصلون على امتيازات يحسدهم عليها مدانو الحق العام». وكان مما ذكره التقرير شهادات السجناء ووقائع عن حياتهم اليومية داخل السجن كالتالي: فيما يتعلق بشهادة السجناء أورد التقرير على لسان أحمد رفيقي قوله (في حالتي، يعاملني الناس بصورة جيدة) . وتأكيدا لهذه الوضعية نشرت الصحيفة صورة لأحمد رفيقي في وضعية مريحة وأردفت التعليق التالي (كان أحمد رفيقي يضطجع على الفراش في زنزانته وكان شعر رأسه ولحيته مصبوغين بالحناء. وكان، هذا السجين المعروف باعتباره «أبا الجهاديين المغاربة»، قد أدين عام 2003 بقيادة شباب للقتال ضد الأميركيين في أفغانستان. يحصل على الطعام ثلاث مرات أسبوعياً بعد أن تعده له زوجتاه. ويؤدي باب زنزانته إلى حديقة خاصة وحمام. ولديه جهازا راديو وتلفزيون، ومنضدة لقراءة القرآن وخزانة لملابسه ذات الطابع الإسلامي. وقال مبتسما: «في حالتي، يعاملني الناس بصورة جيدة». والحقيقة نفسها أكدها حسن الكتاني الذي قال «كنا في حالة سيئة عندما ألقي القبض علينا. كان الأمر صعبا»، في إشارة إلى الأيام التي سبقت الإضراب الأول عن الطعام. وعززت الجريدة تقريرها بالوقائع التالية :أ / «في القاعة رفض حسن كتاني، وهو منظّر إسلامي معروف في الدوائر الجهادية، إجراء لقاء عبر شبكة الفيديو إلى أن بدّل الزي الذي يرتديه يوميا. وبعد دقائق توجه إلى القاعة بدون حراسة وظهر وهو يرتدي جلبابا أبيض وغطاء رأس ذهبي اللون وقال: «كنا في حالة سيئة عندما ألقي القبض علينا. كان الأمر صعبا» . وبالطبع هذا الوضع انتهى ب/ استخدام هؤلاء السجناء الغرف الزوجية يوميا في إطار ما يسمى بالخلوة الشرعية. وهذا ما أكده مدير سجن عكاشة في الدار البيضاء من أن «أبواب الزنزانات مفتوحة على مدار 24 ساعة»، وأنه «مسموح لهم باستخدام الغرف المخصصة للأزواج يوميا ابتداء من الساعة السادسة صباحا».ج/ في سجن الزاكي بشمال الرباط، وهو واحد من سجنين أجرت فيهما «نيويورك تايمز» مقابلات مع نزلاء متشددين فضلا عن مسؤولين في السجن، يتمتع 309 من السجناء المحبوسين بسبب قضايا إرهاب بمساحات أكبر. فكل زنزانة في هذا السجن بها ثلاثة نزلاء مقارنة بمتوسط يصل إلى 22 نزيلاً في الزنزانة بالنسبة للنزلاء المحبوسين بسبب قضايا عادية.د / المبنى رقم 5 هو الأكثر اكتظاظا بالمتشددين ويبدو مثل قرية صغيرة. ويقيم النزلاء هنا مباريات في الملاكمة ويذبحون الخراف في العطل.وبسبب هذه الوضعية التفضيلية، كان نزلاء الحق العام يسائلون الإدارة وكل من يزورهم من الجمعيات أو الهيآت الحقوقية «لماذا يحصلون على حقوق أكثر منا؟ هل تريدوننا أن نصبح سجناء إرهاب حتى نحصل على تلك الحقوق؟».لماذا تطور الأمر من الاحتجاج والإضراب عن الطعام وغير ذلك مما يمكن اعتباره أشكالا للتعبير عن المطالب، إلى التمرد واحتلال أسطح سجن سلا؟اعتاد معتقلو السلفية الجهادية خوض الإضراب عن الطعام كشكل من أشكال الاحتجاج على إدارة السجون لإرغامها على تقديم مزيد من التنازلات لصالحهم، خاصة بعد الإجراءات التي اتخذتها عقب هروب عدد منهم من سجن القنيطرة. وتطور هذا الاحتجاج ليصبح تهديدا بالانتحار ثم عصيانا واحتجاز الحراس كرهائن، بعدما تبين لهؤلاء المعتقلين أن الدولة في حالة ارتباك وضعف بسبب اتساع حركات الاحتجاج التي تنظمها حركة 20 فبراير. فالمعتقلون فهموا من عودة المغراوي من منفاه الاختياري، والعفو عن 196 من المعتقلين على خلفية الإرهاب معظمهم من الجهاديين وعلى رأسهم شيخهم ومنظرهم الفيزازي هؤلاء ــ فهموا أن الدولة انصاعت للضغوط ، وبالتالي هي فرصة مواتية للمعتقلين للضغط على الدولة أكثر وإحراجها بواسطة مقاطع الفيديو التي ينشرونها في اليوتوب والفيس بوك من داخل السجون. فهم يدركون أن ملفهم بات يشكل عبئا على الدولة، كما أصبح مطلبا أساسيا من مطالب حركة 20 فبراير. كل هذا أشعر الجهاديين بأن لهم قوة متزايدة ينبغي استثمارها في اللحظة التي يرون أنها مناسبة . هل في نظركم تدبير ملف معتقلي السلفية الجهادية كان في محله أم أن هناك مؤاخذات على أسلوبه؟منذ البداية لم تدبر الدولة ملف السلفية الجهادية بطريقة حكيمة، إذ عمدت إلى تجميعهم في بعض السجون مما منحهم الفرصة للتكتل أكثر ومضاعفة قوتهم عبر الاحتجاجات التي كانوا يخوضونها، الأمر الذي أضعف الدولة والإدارة وأفقدهما هيبتهما. إذ في الوقت الذي تتخلى فيه الإدارة عن تطبيق القانون داخل المؤسسة السجنية، فإن المعتقلين سيستغلون الفراغ والضعف لدى الإدارة بتوسيع مجال حريتهم وحركتهم لدرجة أنهم حولوا جناحهم السجني إلى إمارة لها أمير وهياكل إدارية وقانونية. فضلا عن أن تجميع المعتقلين على اختلاف درجات تشددهم وتطرفهم أكسب التيار المتشدد قوة لما حول عددا هاما من المعتقلين الذين هم على درجة دنيا من التشدد إلى رهائن بيد المتطرفين وجيش احتياطي رهن الإشارة حين يقررون خوض معركة أو «غزوة» كما سموا الأحداث التخريبية التي عرفها سجن الزاكي بسلا.في اعتقادكم لماذا حرص المسؤولون على تجميع هذا النوع من السجناء وهل كانوا يخضعون إلى المراقبة نفسها التي كان يخضع لها باقي السجناء؟لا ننسى أن المنظمات الحقوقية لعبت دورا ضاغطا على الدولة حتى تستجيب لطلب هؤلاء الجهاديين بتجميعهم في مؤسسات سجنية معينة. فضلا عن الاحتجاجات التي خاضها المعتقلون لحمل الإدارة على تجميعهم. بالتأكيد هذه عوامل ضاغطة، لكن أيضا كان للدولة حساباتها أهمها: إحداث نوع منالانشقاق داخل المعتقلين حتى يسهل تصنيف المتشددين من الأقل تشددا، مما يسهل عملية التجسس على معتقداتهم ومعرفة مخططاتهم والأطراف المحركة لهم. يضاف إلى هذا، رغبة الدولة في فتح حوار مع المعتقلين يجعلهم يتراجعون عن عقائدهم التكفيرية والجهادية. وهذا كان أيضا مطلب الحقوقيين لإعادة إنتاج تجربة الجهاديين في مصر التي أنتجت مراجعات عميقة. لكن الأمور سارت على غير ما كانت الدولة أو المنظمات الحقوقية تنتظر وتأمل. واعتبارا لهذه الانتظارات، كانت الإدارة تتغافل عن الجهاديين ولا تخضعهم للمراقبة الصارمة. ولنا مثالان بارزان: أولهما هروب المعتقلين من سجن القنيطرة بطريقة هوليودية تمثلت في حفر نفق تحت السجن. ولو كانت الإدارة تراقب السجناء والأنشطة التي يقومون بها لتبين لها من الأتربة المتراكمة داخل الزنازين مخطط الهروب في ساعاته الأولى. المثال الثاني أنه سبق لأحد السجناء أن أدخل عشيقته أو خطيبته في حقيبة إلى زنزانته دون أن تدرك الإدارة الأمر. فضلا عن الهواتف المحمولة التي باتت متاحة لكل معتقلي السلفية الجهادية وتواصلهم مع العالم عبر الأنترنيت. قوانين السجون في الدول الأخرى، سيما الأوربية تختلف بكثير عن قوانين المغرب، خصوصا بالنسبة إلى إدخال الأشياء (القفة الأواني...)، ففي أوربا يمنع دخول مثل هذه الأشياء وهناك صرامة في المنع مقرونة بقوانين زجرية تطول ذوي المسجونين. ما تعلقيكم عن توفر السجناء بالمغرب، السلفية الجهادية مثلا، على سكاكين وكاميرات رقمية وغيرها؟الفرق بين سجون المغرب وسجون أوربا هو مدى سيادة القانون. فلا تفضيل ولا تمييز بين السجناء في أوربا. كل سجين هو كذلك في نظر القانون، تجري عليه النظم والقوانين التي تسري على كل نزلاء المؤسسات السجنية. أما في المغرب فالأمر مختلف، إذ السجن سجون وليس سجنا واحدا، سجن من المستوى الرديء إلى السجن المصنف من خمس نجوم. فتجار المخدرات لهم سجنهم وظروف عيشهم تختلف جذريا عن ظروف اعتقال وإقامة معتقلي الحق العام البسطاء. وكذلك الحال بالنسبة إلى معتقلي السلفية الجهادية الذين تمنحهم الإدارة كل الامتيازات بدءا من غياب المراقبة والتفتيش وانتهاء بإلغاء تطبيق القانون الخاص بالسجناء. على هذا الأساس تمكن المعتقلون الجهاديون من الحصول على الأسلحة والأدوات الخطيرة التي مكنتهم من الهجوم على القوات الأمنية وإصابة العشرات من أفرادها إصابات بليغة. إنهم يعتبرون هذا العمل من مقومات وجودهم الجهادي. فالجهاد بالنسبة إليهم فعل وعقيدة يشملان الحياة بكل تفاصيلها وحيثما وُجد العنصر الجهادي. أي أن الإعداد للجهاد ضد الأعداء/الكفرة، لا يرتبط بمرحلة أو فترة معينة، بل عمل دؤوب. وهذا ما تبين من نوع الأدوات التي استعملها الجهاديون ضد القوات الأمنية في سجن الزاكي ، فهي أدوات تم إعدادها على مهل وتخطيط مسبق ووفق سيناريوهات محبوكة. أين وصل الحوار مع السلفية الجهادية وهل يمكنه أن يجدي بالنظر إلى التطورات الأخيرة التي شهدها سجن سلا؟في كل مرة كنا نسمع عن حوار فتحته الدولة مع المعتقلين، لكن لا دليل ماديا على وجود حوار حقيقي ينصب على العقائد التكفيرية ومواقف الجهاديين من الدولة والنظام والمجتمع والديمقراطية والأحزاب. كانت الدولة تتخذ خطوات خجولة للحوار سرعان ما تقبرها، لأن همها الأساس هو أن يعلن المعتقلون عن توبتهم وتراجعهم عن أفكارهم التدميرية. وهذا لا يمكن أن يحدث والمعتقلون يتمتعون بالامتيازات التي حولتهم إلى سجانين. فالذين راجعوا معتقداتهم في سجون مصر فعلوه بسبب المعاناة والحرمان من الحرية والمتعة . طبعا السجين له كرامة يتوجب صيانتها، لكنه عليه أن يدرك أن الحريات هن من حق الطلقاء وليس السجناء. فالدولة ، بممارستها الخاطئة لن تساهم في تدبير ملف الجهاديين بطريقة سليمة. فهي إما ترفع عنهم كل القيود وتسمح لهم بتحول السجن إلى إمارة مستقلة ودولة داخل السجن، وإما تفرض عليهم كل القيود بما يمس كرامتهم انتقاما منهم على عصيانهم وأعمال التخريب التي اقترفوها. لهذا على الدولة أن تحافظ على توازنها وتتعامل مع السجناء على قدم المساواة دون تمييز أو تفضيل على مستوى الظروف السجنية والحقوق. أما ما يتعلق بالحوار ، طالما أن سبب التطرف والإرهاب هو أساسا مرتبط بالعقائد، فعلى الدولة أن تشجع كل الأطراف المهتمة بالإرهاب والتطرف على فتح حوار مع الجهاديين داخل السجن وخارجه. وهنا أدعو الدولة والمجالس العلمية إلى استحضار تجربة السعوديين في محاورة المتطرفين إما مباشرة عبر لجان المناصحة التي تفتح جلسات حوارية مباشرة مع المتطرفين يشارك فيها أهل الاختصاص، أو عبر مواقع إلكترونية مختصة ومنها موقع «السكينة». إلى اليوم لم يراجع أحد من الجهاديين عقائده داخل السجن أو بعد خروجه منه. كل ما فعله بعضهم أنه أعلن ولاءه لولي الأمر وتنديده بالإرهاب. وهذا لا يكفي، لأن طاعة ولي الأمر تقتضي الانخراط في مشروعه المجتمعي الحداثي ودعم مسلسل الإصلاحات الدستورية والسياسية، وتبني مدونة الأسرة وحقوق المرأة والطفل وكل حقوق الإنسان. فمن يكفر الديمقراطي يكفّر بالضرورة ولي الأمر والأحزاب والمجتمع حتى وإن أعلن خلاف هذا. لكن للأسف الشديد، المجالس العلمية لم تبادر إلى مناقشة عقائد التكفير والضلال والغلو والتطرف التي يعتنقها الجهاديون وكل المتطرفين، وسبق لشيوخ السلفية الجهادية من داخل السجن، وعلى رأسهم الفيزازي، أن وجهوا رسائل يتحدون فيها العلماء بمناقشتهم في القضايا التي يطرحونها للنقاش. ولحد الساعة لم يناقش العلماء أي نقطة من النقاط المطروحة، مما أوهم الجهاديين أنهم على حق وأن العلماء على خطأ وضلال، وكرس لديهم حكمهم على هؤلاء العلماء بأنهم «علماء السلطان» ، بل هم «عملاء لا علماء» كما عنون الفيزازي أحد كتبه. أجرى الحوار: المصطفى صفر

الكحل: السلفيون حولوا السجن إلى إمارة مستقلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

آخـر أمـل للـكـوكـب

التفاصيل الكاملة لـ"غزوة سلا"بسجني الزاكي

مقالات ذات صلة