“حوادث سير” بين محامين وقضاة تحقيق

نقباء يتحدثون عن شطط في السلطة القضائية وحرمان من حقوق الدفاع لأسباب غير مبررة في كثير من الملفات الكبرى التي عرضت على المحاكم الاستئنافية، ظل المحامون يلتمسون إحضار نسخ من المحاضر المنجزة، سواء لمطابقتها بمحاضر أخرى، محررةمن طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، أو أخرى لدى الدرك الملكي أو غيره، في إطار مساعيهم للبحث عن الوقائع الحقيقية لتحقيق العدالة، لكن ملتمساتهم كانت تعرض للرفض غير المبرر، مع أن القانون ينص على وجوب تسليم نسخ من المحاضر ومقرات الإحالة لهيأة الدفاع.لقد قال محامون ونقباء ، ومن بينهم الجامعي وبن عمرو والسفياني وزهراش ووهبي وأقديم والسباعي وبنبركة وغيرهم كثيرون، في بعض قضاة التحقيق الشيء الكثير، والتمسوا من وزراء العدل المتعاقبين، منذ عهد بوزوبع مرورا بالراضي وانتهاء بالناصري، إجراء أبحاث وتحقيقات في «خرق القانون» الذي ينص على منح المحامي حق الاطلاع على محاضر موكليهم.وبينما يؤكد المحامون والنقباء أن قضاة التحقيق يحرمونهم من الحق في متابعة الاتهامات الموجهة إلى موكليهم، لأسباب غامضة، أو على الأقل واهية وغير مبررة، يفيد المسؤولون القضائيون المعنيون أن الأمر لا يتعلق بأي منع، لأنهم يسمحون للمحامين بالاطلاع على المحاضر، وهناك فرق شاسع بين المنع من الاطلاع، ورفض نسخها، معتبرين أن كل ذلك يتعلق بأسباب أمنية ولفائدة سرية البحث. ويؤكد محامون أن قضية المنع تتجدد كلما تعلق الأمر بقضية سياسية بالدرجة الأولى، أو لها صلة بملفات الإرهاب، إذ يكون هاجس قضاة التحقيق الوحيد هو منع تسرب أي شيء من نتائج أبحاثهم إلى الرأي العام، علما أن لا شيء يضر الأمن العام والبلد في حال تحقيق ذلك.ويقول النقيب الجامعي، في إحدى مرافعاته، إن «نص الإحالة مستنسخ طبق الأصل من محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، مع أن المعروف في القانون أن محاضر الشرطة القضائية تكون للاستئناس فقط، ولا يجب الأخذ بها كحجة».وكشف أن محامين تعرضوا للاستفزاز والمنع من الحصول على نسخ من المحاضر المنجزة من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، مشيرا إلى أن قرار الإحالة الصادر عن قاضي التحقيق لا يختلف في أي شيء عن محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. وفي أدبيات فقه القانون، يعتبر قاضي التحقيق الساهر الأول على إنجاز التحقيق الإعدادي، يملك سلطات واسعة ويتصرف في حرية المواطنين وشرفهم يباشر مهمته ضمن شبكة القوانين. ويرى أحد فقهاء القانون الفرنسيين أنه ينبغي لقاضي التحقيق أن يستعمل علمه و خبرته، لكن يبقى الحسم في النهاية لصفاته الأخلاقية وضميره وفضائله التي تكسب مهمته عظمتها الحقيقية. وينص القانون على تعيين القضاة المكلفين بالتحقيق في المحاكم الابتدائية من بين قضاة الحكم فيها، وذلك لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار لوزير العدل بناء على اقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية، كما يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في محاكم الاستئناف من بين مستشاريها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار لوزير العدل بناء على اقتراح من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف.وعمل المشرع المغربي على إعادة النظر في تنظيم وتقييم مؤسسة قاضي التحقيق في إطار التحول والتطور العميق الذي شهده المغرب خلال السنوات الأخيرة من أجل تركيز سيادة دولة الحق والقانون، وكذا نتيجة لدخوله عتبة القرن الواحد والعشرين الذي تكتسحه عولمة الاقتصاد وعالمية القانون الجنائي، وفق ما جاء في دراسة لوزارة العدل. ويشرف قضاة التحقيق على مجموعة من التحريات تستهدف استكمال المعلومات وجمع الحجج التي تكون في صالح المتابع أو ضده من طرف سلطة قضائية مختصة يحق لها في نهاية الأمر أن تقرر ما إذا كان مناسبا أو غير مناسب إحالة القضية على المحكمة، وعليه فإن قاضي التحقيق له مهمة مزدوجة تتمثل من جهة أولى في جمع الأدلة المتعلقة بالجريمة التي توبع من أجلها الظنين، ومن جهة ثانية في تقدير قيمة تلك الأدلة لمعرفة ما إذا كانت كافية أو غير كافية للاستمرار في المتابعة.ومن أهم مهام قاضي التحقيق عملية الاستنطاق، وهي وسيلة يحصل بها القاضي من المتهم على تفسيرات تتعلق بالوقائع المنسوبة إليه، كما أنه يعد وسيلة دفاع واتهام في آن واحد، وسيلة دفاع لأنه ضروري ويؤدي انعدامه إلى بطلان المسطرة كما لو أغلق التحقيق دون الاستماع إلى المتهم أو دون استدعائه بصفة قانونية، إلا أن تحقق هذا الشرط تكفي فيه البيانات والإيضاحات التي يفضي بها الظنين عند إجراء المقابلة الأولى، والاستنطاق يعتبر وسيلة اتهام بحيث يتمكن قاضي التحقيق من اللجوء إليه من جديد كلما وجد ضرورة لذلك، فالغاية منه هي تمكين المتهم من إقامة الدليل على براءته أو الاعتراف بالأفعال المنسوبة إليه، وإن كان الاعتراف لا يفيد القاضي ولا يعفيه من الاستمرار في عملية التحقيق، فهو لا يعتبر سوى وسيلة لإقامة الدليل، وقد أشار القانون إلى استنطاق المتهم ومواجهته مع الغير في الباب السابع من القسم الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي وخصص له المواد من 134 إلى 141، حسب ما جاء في الدراسة ذاتها.أما في ما يخص المواجهة فهي إجراء جوازي تخضع ملاءمة القيام به وتحديد توقيته للسلطة التقديرية لقاضي التحقيق وحده، إذ نصت المادة 135 على أنه «يجوز لقاضي التحقيق أن يقوم فورا بإجراء أي استجواب أو مواجهة إذا دعت إلى ذلك حالة الاستعجال الناتجة إما عن ظروف شاهد يهدده خطر الموت وإما لأن علامات موجودة أصبحت على وشك الاندثار».وعموما، يبقى لقاضي التحقيق الدور الكبير في كشف الحقيقة وتنوير سبيل العدالة، لكن ذلك لا يخلو دائما من «حوادث سير»، قد تكون مفجعة أحيانا، بين قضاة التحقيق وعدد من المحامين، خصوصا المشاكسين منهم، ممن يرفضون بعض «القرارات التعسفية» عندما يطالبون بحق من الحقوق المشروعة المنصوص عليها من طرف المشرع المغربي. محمد البودالي

“حوادث سير” بين محامين وقضاة تحقيق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

علاقة النيابة العامة بقضاء التحقيق

قضاة التحقيق وإشكالية تطبيق القانون

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات