الصيام… طقس عابر للديانات والحضارات

وظفته الشعوب القديمة للتطهير وحافظت عليه الأديان السماوية لا يرتبط طقس الصوم فقط بالدين الإسلامي بل هو طقس مشترك بين مختلف لديانات التوحيديّة وغير التوحيديّة، التي زاول أفرادها طقس الامتناع، لفترة محدودة، عن الأكل والشرب وممارسة الجنس واجتناب بعض السلوكات المكروهة دينيا.وتشير بعض الكتابات التاريخية إلى أن المنتسبين إلى الديانات الآسيويّة القديمة زاولوا الصوم من أجل تفجير الطاقات الكامنة في الإنسان، الّتي يعيق الطعام نشاطها، ولتنقية الجسم من السموم الّتي تتراكم فيه من الطعام والهواء غير النقيّ. واستعمل الطبّ الصينيّ الصوم لعلاج كثيرٍ من الأمراض. وحتّى الآن، حين يصاب الصينيّ بالحمّى يصوم، فلا يتناول سوى الماء.كما مورس الصوم للارتقاء الروحيّ. ففي التراث البوذي كان الصوم وسيلة لبلوغ حالة الانطفاء (النيرفانا). "لن آكل شيئًا ولن أشرب ولن أتحرّك من هنا حتّى أبلغ مرامي". هذا ما قاله بوذا حين عزم على سبر غور حيواته السابقة.ومارس الفراعنة الصوم، لأنّه في نظرهم أكثر الطرائق جدوى وبساطة لكبح البؤس والضعف والغضب. فبامتناع الصائم عن الطعام يُضعف هذه الرذائل. وكان القدماء يرفقون الصوم عن الطعام بانقطاعاتٍ أخرى كالامتناع عن العمل وعن الكلام وعن الجنس وعن مختلف متع الحياة.ومنذ قديم الزمان أيضًا، وفي جميع الأديان، كان الصوم يتمّ في جوٍّ من الحزن والألم. حين يصوم الإنسان يتألّم ويشعر بمأساة العجز، فينمو لديه شعور بالشفقة والحاجة إلى طلب النعمة وتسوّل الصفح والمغفرة. فيمكننا أن نقول إذًا إنّ صوم الديانات القديمة هو عمل تكفيريّ، وألمٌ ينـزله الإنسان بنفسه فينال منه التنقية، ويطرد عن نفسه ، أو عن جسده، جميع أنواع الشرور.كان اليهود يصومون لأسبابٍ متنوّعة. فمنهم مَن ينذر الصيام لينال نعمةً من السماء، ومنهم مَن يصوم ليشكر الله على نعمةٍ نالها منه، أو ليستغفره من أجل خطيئةٍ ارتكبها. ويسمّون الصوم "استئناس النفس". أمّا الصوم القانونيّ، أي الّذي تفرضه الشريعة على كلّ يهوديّ، فكان لمدّة يومٍ واحدٍ في السنة، وهو العاشر من شهر كيبور ( أي أكتوبر) في أثناء الاحتفال بعيد التكفير. وأضاف اليهود بعد السبي ثلاثة أيّامٍ أخرى يصوم فيها الشعب كلّه. ومنعت الشريعة اليهوديّة الصوم يوم السبت، لأنّ الصوم في هذا اليوم يعني رفض العالم الّذي خلقه الله. واستثنت من هذا المنع يوم التكفير، إذ يجوز الصيام فيه حتّى وإن وقع يوم سبت. وسمحت الشريعة أيضًا بالصوم في السبت إذا رأى شخصٌ كابوسًا في حلمه مساء الجمعة. فالاكتئاب الّذي ينتج عن هذا الكابوس يمنعه من المشاركة في أفراح السبت. ويؤمن اليهود بأنّ الصوم في اليوم التالي للكابوس يلغي القدر المحتوم، ويمنع الحلم المزعج من الحدوث. ولكن على الصائم أن يصوم ثانيةً في أثناء الأسبوع تكفيرًا عن خطيئة صيامه يوم السبت.أما الصيام لدى المسيحيين فتتفق كلٌ من الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكاثوليكية على الصوم الكبير باعتباره أهم أنواع الصيام، ويستمر خمسين يومًا، أو خمسة وخمسين وهناك طريقة فلكية لضبط وقته الذي يختلف كل عام حسب تاريخ عيد القيامة المجيد بحيث لا يأتي قبل يوم ذبح خروف الفصح أو معه وإنما في يوم الأحد التالي له حسب تعاليم كنيسة الإسكندرية والتي تبعها العالم كله في القرون الأولى للديانة المسيحية، ويحتوي الصوم الكبير على ثلاثة أنواع هي: أسبوع الاستعداد أو بدل السبوت، والأربعين يومًا المقدسة، وأسبوع الآلام.وفي هذا الصوم لا يؤكل السمك، وينبغي الانقطاع عن الطعام لفترة من الوقت تختلف من شخص إلى آخر حسب ظروف كل شخص ودرجة الروحانية وطبيعة عمله، ولمن لا يستطيع الانقطاع عن الطعام حتى الساعة الثالثة عصرًا، فإن فترة الانقطاع يحددها له الأب الكاهن.عزيز المجدوب

الصيام… طقس عابر للديانات والحضارات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصغار يتألقون في نهائيات "أكتيف دوجو"

منتخب القاعة ينهي معسكره بتكريم أيت مولاي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات