قانون التحرش … وداعا الغزل

تجريم "التحريض على الفساد" منذ عقود لم يقض عليه والمشروع الجديد فقير الأبعاد البيداغوحية والتربوية هل يكفي تجريم التحرش الجنسي، مظهرا من مظاهر العنف، ضد النساء خصوصا، لوقف الظاهرة؟ بالنظر إلى أن القانون الجنائي، وقبل عقود، نص في فصله 498 على تجريم ما يسمى جنحة "التحريض على الفساد"، ويقصد به المشرع المغربي "كل فعل صادر عن الجاني يستهدف من ورائه استدراج الغير أو مساعدته أو تشجيعه على ممارسة الفساد أو الدعارة"، مازال الفضاء العام حابلا بمحاولات الاستدراج، ما يعني أن القانون وحده لا يجدي دائما في تقويم السلوكات المجرمة.وتبدو تلك الخلاصة منسجمة إلى حد كبير، مع جانب من التحفظات التي رصدها الطيف الحقوقي النسائي في مشروع القانون الجديد، الذي يأتي لمكافحة العنف ضد النساء، وضمنه تجريم التحرش الجنسي بالغير، إذ اعتبر، نصا ضعيفا جدا ولا تنطبق عليه معايير الأمم المتحدة، وفقير من حيث الأبعاد التربوية والبيداغوجية المأمولة في القوانين، التي من المفترض أن تكون جوابا عن أسئلة سوسيولوجية وأنتربولوجية واقتصادية في المجتمع.وفي هذا الصدد، كشفت خديجة الروكاني، المحامية والناشطة الحقوقية، أن المشروع كما صادقت عليه حكومة العدالة والتنمية، لا يعد فقط تراجعا وبنسبة 50 في المائة عن المشروع المعروض على المجلس الحكومي في 2013 فقط، بل لا يجيب عن جميع الإشكالات المرتبطة بالعنف ضد النساء، الثقافية منها والاقتصادية والاجتماعية، بخلوه من إجراءات المواكبة والتفعيل والتقييم وميزانية التنفيذ، كما ينص على ذلك "دليل التشريعات" الخاص بالأمم المتحدة، في موضوع مكافحة العنف ضد النساء، ومن مظاهره التحرش الجنسي.ولعل أول ثقب في مشروع القانون، تلك المقتضيات التي تجعل المتابعة مشروطة بشكاية من الضحية، وسقوط المتابعة بتنازلها، أي أن التحرش الجنسي، والعنف ضد النساء عموما، لا يرتقي إلى مستوى الجريمة ضد الحق العام أو النظام العام للمجتمع، وبالتالي حتى إذا تنازلت الضحية، تبقى المتابعة قائمة من قبل النيابة العامة، وإن استسلمت الضحية لضغط ثقافي أو ديني أو أسري، يبقى الجاني عرضة للتأديب والزجر بما يضمن عدم العودة إلى السلوك ذاته، بعدم سقوط المتابعة، فيكون القانون حقق بعدا تربويا.ولن يجدي القانون، في صيغته الحالية خصوصا، وهو يمس بالمعيار الأممي الذي يناهض التنصيص على "بدائل العقوبات" أو ما يعرف مغربيا بـ"العقوبات البديلة"، في موضوع0 مكافحة العنف ضد النساء، إذ يفتح الباب أمام الصلح وأمام إيقاف تنفيذ الأحكام، ثم يتوج ذلك، بالتراجع على مستوى الديباجة والإطار المفاهيمي، عن عدد من التعريفات لأشكال العنف (نفسي، اقتصادي، اغتصاب زوجي...) كما وردت في مسودة 2013، محتفظا بتعريف واحد وفضفاض، ما يفتح المجال أمام السلطة التقديرية للقضاة، الذين يعدون في العالم بأسره، أشد فئة مجتمعية محافظة في قناعاتها وأفكارها !وإذا كان عدم انسجام مقتضيات القانون الجديد مع تنصيصات أخرى في القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، يجعل الترسانة الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء، مليئة بشواطئ واسعة للهروب من المتابعة ما يجعل تحقيق الأبعاد التربوية للقوانين منتفيا، سيما إشكالية وسائل الإثبات، وعدم تنصيصه على تنقل الشرطة القضائية إلى مسرح الجريمة وجمع الأدلة والإفادات لفائدة البحث، تبقى أكبر رصاصة ضد جدوى القانون نفسه، منع التنظيمات المدنية، وأغلبها حاملة للرسالة والفكرة الحداثية، من الانتصاب التلقائي لمؤازرة الضحايا، إذ اشترط ذلك بوجود رخصة مكتوبة من الضحية.امحمد خيي

قانون التحرش … وداعا الغزل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المضايقات في العمل... تهمة جاهزة

السخرية تطبيع مع المعاكسة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات