نبرة صوته الجهورية، المختلطة بحشرجة ميكروفونات مساجد القاهرة ورداءة تسجيلات الكاسيت، ما زالت تتردد في آذان أجيال مختلفة عبر رقعة العالم العربي، تسربت إليهم خطب الداعية المصري عبد الحميد كشك. أسلوبه الخاص في الحديث، المطبوع بالسخرية والتهكم من الحكام العرب ومشاهير الفن والسياسة والفكر والأدب، رفعت أسهم شعبيته في ظرفية اتسمت بارتفاع المد الأصولي الذي وجد ممثلوه في خطب كشك خير معبر عن تمثلاته لقضايا العرب والمسلمين وبلورة نظرية المؤامرة والنزوع النوستالجي نحو الماضي التليد. لم يترك كشك شاردة ولا واردة مما يروج بمحيطه إلا وأدلى بدلوه فيها، مظهرا في ذلك ملكة خاصة في التقاط الأخبار والتعليق عليها بأسلوبه الساخر، المعتمد على فصاحته وطلاقة لسانه وسرعة بديهته. وُلد عبد الحميد كشك سنة 1933، وحفظ القرآن وهو أقل من العاشرة من عُمره، مما جعل الكثيرين من أبناء قريته يطلقون عليه الطفل النابغة. التحق كشك بالمعهد الديني في الإسكندرية، وعند حصوله على الشهادة الثانوية الأزهرية كان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وكان الأول على الكلية طيلة سنوات الدراسة. عُين عبد الحميد كشك معيداً بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر في القاهرة عام 1957، ولكنه لم يقم إلا بإعطاء محاضرة واحدة للطلاب. بعدها ابتعد عن مهنة التدريس في الجامعة. وبعد تخرجه من كلية أصول الدين، حصل على إجازة التدريس بإمتياز، ومثل الأزهر في عيد العلم عام 1961، ثم عمل إماما وخطيباً بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مسجد منوفي بالشرابية أيضاً، وفي عام 1962 تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة، بمنطقة حدائق القبة في القاهرة وقد ظل يخطب في ذلك المسجد قرابة عشرين عاما، وكان من أشهر خطباء عصره حيث خطب في الناس لمدة أربعين عاما. رغم أنه كان خطيبا مؤثرا في الناس إلا أنه كانت له أراء سياسية جعلته عدوا لرؤساء مصر الثلاثة عبد الناصر والسادات ومبارك ولعدد كبير من المشاهير مثل عبد الحليم وأم كلثوم. وكان الشيخ كشك يستخدم النكتة سلاحا لإطلاق العنان لرأيه السياسي في مهاجمة رأس الدولة وسخريته من المشاهير. واعتقل الشيخ "كشك" بسبب آرائه السياسية عام 1965 وظل بالمعتقل والتعذيب لمدة عامين ونصف، تنقل خلالها بين معتقلات طرة وأبو زعبل والقلعة والسجن الحربي. ومنذ 1976 بدأ الاصطدام بالسلطة وخاصة بعد معاهدة كامب ديفيد إذ اتهم الحكومة بخيانة الإسلام وأخذ يستعرض صورا للفساد في مصر من الناحية الاجتماعية والفنية والحياة العامة، حتى ألقي القبض عليه 1981 مع عدد من المُعارضين السياسيين ضمن قرارات شتنبر الشهيرة للرئيس محمد أنور السادات، وأُفرج عنه في 1982 ولم يعد إلى مسجده الذي مُنع منه كما مُنع من الخطابة أو إلقاء الدروس. وتعرض كشك خلال الاعتقالات إلى تعذيب ترك آثاره على كل جسده رغم إعاقته لفقدانه بصره من صغره. توفي سنة 1996. عزيز المجدوب