التعليم فوق الأحزاب

لم يجد الملك بدا من التدخل لوقف نزيف التعليم بالمغرب، إذ بعد سنوات من مناشدة الأحزاب بتجنيب الورش التداعيات السلبية للصراع الإيديولوجي، انتقل منذ منتصف السنة إلى مرحلة التتبع المباشر تماما كما فعل في المجلس الوزاري الأخير عندما أصدر تعليماته لوزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية، بضرورة مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية، سواء في المدرسة العمومية أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق، في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعية إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية، وذلك تعقيبا على العرض الذي قدمه وزير التربية الوطنية والتكوين المهني بخصوص التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة، في ما يتعلق بالرؤية الإستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي (2015-2030).قبل ذلك بأشهر قليلة أعاد الملك فتح ملف التعليم لمناسبة الذكرى 16 لعيد العرش في يوليوز الماضي برصد الإصلاحات التي ولجها المغرب، متشبثا بـ"إصلاح جوهري لهذا القطاع المصيري، بما يعيد الاعتبار للمدرسة المغربية، ويجعلها تقوم بدورها التربوي والتنموي المطلوب، ولهذه الغاية، كلفنا المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بتقييم تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وبلورة منظور استراتيجي شامل لإصلاح المنظومة التربوية ببلادنا".ولفهم طبيعة الإصلاح المطلوب اختار الملك أن يجيب بنفسه عما إذا كان " التعليم الذي يتلقاه أبناؤنا اليوم، في المدارس العمومية، قادرا على ضمان مستقبلهم ؟“، مسجلا أن “الجواب واضح : لأنهم يبحثون عن تعليم جيد ومنفتح يقوم على الحس النقدي، وتعلم اللغات، ويوفر لأبنائهم فرص الشغل والانخراط في الحياة العملية”، وأن الانفتاح على اللغات لا يضر الهوية الوطنية، بل ينميها ويدفع للانخراط في مجتمع المعرفة والتواصل مع باقي الثقافات.وشكل خطاب الذكرى الـ60 لثورة الملك والشعب علامة فاصلة في تعامل الملك مع أزمة التعليم حين دعا إلى ضرورة إعادة الاعتبار إلى قطاع التربية والتكوين، على اعتبار أن وضع التعليم أصبح أكثر سوءا، مقارنة مع ما كان عليه قبل أزيد من عشرين سنة، ما دفع عددا كبيرا من الأسر إلى تحمل تكاليف باهظة لتدريس أبنائها في المؤسسات التعليمية التابعة للبعثات الأجنبية أو في التعليم الخاص، لتفادي مشاكل التعليم العمومي وتمكينهم من نظام تربوي ناجع، مذكرا بأهمية تعزيز مجالات التكوين المهني والتقني والصناعة التقليدية، التي تمنح لمتخرجيها فرصا أوفر للولوج المباشر والسريع إلى سوق الشغل والاندماج في الحياة المهنية، مقارنة مع خريجي بعض المسالك الجامعية التي لا ينبغي أن تُشكل مصنعا لتخريج العاطلين، خاصة في بعض التخصصات المتجاوزة.وخلص الملك إلى ضرورة توليه شخصيا ملف إصلاح التعليم على اعتبار أن جلالته لا ينتمي إلى أي حزب سياسي، ولا يشارك في أي انتخاب، وأن الحزب الوحيد الذي ينتمي إليه هو المغرب، مبرزا أن المغاربة كلهم سواسية عنده، دون تمييز، رغم اختلاف أوضاعهم وانتماءاتهم، إذ لا فرق بين رئيس بنك وعاطل، وربان طائرة وفلاح ووزير، فكلهم مواطنون، لهم الحقوق نفسها، وعليهم الواجبات نفسها، وذلك تحت مظلة نقاش واسع وبناء في كل القضايا الكبرى للأمة، بدل الجدال العقيم والمقيت، الذي لا فائدة منه سوى تصفية الحسابات الضيقة، والسب والقذف والمس بالأشخاص، الذي لا يساهم في حل المشاكل، وإنما يزيد في تعقيدها.ياسين قُطيب

التعليم فوق الأحزاب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مؤسسات البحث العلمي تعيش تشرذما

الأعشـاب الطبيـة... العـودة إلـى الأصـل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات