ثلاثة أسئلة: تجديد القيادات الخالدة

تعيش العديد من الأحزاب على إيقاع ساخن بسبب الصراع حول الزعامة. كيف تقرأ تعثر عملية تجديد القيادات الحزبية؟ طرح تجديد الحقل الحزبي منذ تسعينات القرن الماضي، من أجل تحديث وعقلنة الممارسة السياسية، بما تتطلبه من عملية الدمقرطة، في توزيع المسؤوليات والإشراك في اتخاذ القرار، والتناوب على تحمل المسؤولية. لكن رغم هذه الخطابات عن ضرورة التجديد، والديمقراطية الداخلية، ظلت أغلب الأحزاب خارج هذه الصيرورة الجديدة، رغم صدور قانون الأحزاب الذي حاول تنظيم الممارسة الحزبية ووضع آليات اشتغالها، وتوسيع مشاركة النساء والشباب في الأجهزة، وإدراج التمثيلية الجهوية، لكن ظلت القيادات خارج التغيير المنشود، وظهرت المقاومة من قبل أغلب الزعامات لمطلب التجديد. وأعتقد أن هذا الإصرار على التشبث بالزعامة يعكس عقلية تقليدية ما زالت تتحكم في السياسيين، ترفض أن تساير التغيرات التي شهدها المغرب، من خلال تغيير الدستور، وتجديد مؤسسات رسمية وإضافة مؤسسات تشاركية أصبح لها دور في الحياة السياسية. وظل الزعماء أنفسهم يهيمنون على المشهد الحزبي، رافضين التجديد أو التداول على تحمل مسؤولية قيادة الحزب. يتحجج الخالدون في قيادات أحزابهم بالشرعية التاريخية أو النضالية للاستمرار في القيادة، رغم مرور سنوات. كيف تقرأ وضعية الأحزاب التي تقبل باستمرار مثل هذا الجمود؟ أقول إن منطق القبيلة والعصبية والعائلة والقرب من الزعيم، هو ما يميز الحياة الحزبية، وهو الأمر الذي لا يسمح بالتجدد وتوسيع المشاركة السياسية، وبات تغيير هذا الوضع اليوم مطلبا مستعجلا لتجديد الحياة السياسية وإعادة الارتباط بالجماهير، وقيام الحزب بوظيفته السياسية في التأطير والتنظيم. ورغم النتائج السلبية التي حصلت عليها الأحزاب في الانتخابات الأخيرة، لم نلحظ أي رد فعل من قبل القيادة، كما هو معمول به في الديمقراطيات الغربية، حيث يقدم زعماء على الاستقالة من المهام القيادية، عند الفشل، دون الحاجة إلى من يصرخ في وجههم "ارحل"، بل نلاحظ أن القيادات تتشبث بالمنصب، وتدفع بالمعارضين إلى الانسحاب أو التجميد، باسم الديمقراطية والأغلبية التي يتوفر عليها الزعيم داخل الأجهزة التقريرية أو التنفيذية، وتحكمه في باقي المؤسسات الحزبية التي تتحول إلى هيآت تدافع عن الزعيم. والملاحظ في حالتنا أن أغلب القيادات أصابها التكلس، وباتت عاجزة عن لعب دورها في قيادة الحزب وتنفيذ إستراتيجيته، بسبب الممارسة التقليدية القائمة على منطق الزعيم في علاقته بالأتباع، مكرسا مفهوم الزعيم الذي لا يساءل ولا يحاسب، ما دام هو الماسك بدواليب القرار المالي والسياسي والإداري بالحزب. في الديمقراطيات الغربية، يقدم الزعماء الاستقالة مباشرة بعد الفشل في الانتخابات في إجراء عاد، وتداول على منصب المسؤولية. لماذا لا نجد مثل هذا التقليد في الأحزاب المغربية؟ الأمر مرتبط بثقافة سياسية تقليدية، تمنح الزعيم كل الصلاحيات، ولا تسائله أو تحاسبه، إذ لم نشهد في التجربة المغربية أن انسحب زعيم حزب إلا عن مضض، رغم التقدم في السن أو طول المدة التي قضاها في قيادة الحزب والتي تجاوزت ثلاثين سنة لدى البعض، وهذا في رأيي، يرجع في العمق إلى طبيعة الحياة الحزبية المغربية التي ظلت تتمسك بالشرعية التاريخية والرصيد الوطني لزعماء الحركة الوطنية، والكاريزما التي كانوا يتمتعون بها، والمصداقية التي كانت تشفع لبعضهم في الاستمرار على رأس الحزب. وبات مفهوم الزعيم يقوم على محددات مغايرة تنطلق من مبدأ التداول على المسؤولية في حزب المؤسسات، والتنافس بين البرامج التنظيمية والسياسية للفريق الذي يقوده المرشحة لتولي منصب الأمانة العامة، بالإضافة إلى تملك أدوات الحوار والحجاج والتواصل، والقدرة على تحمل المسؤولية السياسية عند الفوز في الانتخابات. وأظن أن التجديد اليوم مدخله تغيير القيادات الخالدة، وفتح الباب أمام نخب جديدة برؤى وعقليات جديدة لتدبير الشأن الحزبي، من خلال وضع آليات وقوانين تقطع مع الزعامة الخالدة، من قبيل عدم السماح بأكثر من ولايتين في القيادة، وعدم الجمع بين المسؤوليات الحزبية والحكومية والمؤسسات المنتخبة، ، واحترام دورية انعقاد المؤتمرات قبل الانتخابات، ودورات المجالس الوطنية وضبط العضوية. أجرى الحوار: ب. ب (*) باحث ومحلل سياسي

ثلاثة أسئلة: تجديد القيادات الخالدة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أخنوش: الشباب من أولويات الأحرار

العنصر يغادر عن طواعية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات