الحريات في خطر

الكنبوري: تقمص المواطن دور السلطة يهدد بإشاعة الفتنة عادت حالات ما اصطلح عليه في وسائل الإعلام "قضاء الشارع"أو "شرع اليد”، لتطرح من جديد السؤال حول مسؤولية الدولة والأجهزة المختلفة في حماية أمن المواطنين وحرياتهم. وفسح غياب سلطة الدولة وتراجع هيبتها الباب أمام ممارسات الفتوة في الشواطئ والشارع العام من قبل من اعتبروا أنفسهم بديلا عن الأجهزة الأمنية، في فرض نظام وفق منظورهم، يحللون ويحرمون كما يشاؤون. ويعكس تنامي هذه الظاهرة في بعض المدن تعبيرا عن ضعف، إن لم نقل غياب الدولة في بعض الحالات، إذ أن المفترض في دولة حديثة أن من يمارس دور الضبط وتطبيق القانون هي المؤسسات والأجهزة الرسمية المخول لها ذلك بحكم القانون، لا المواطنون الذين يقررون ممارسة عنفهم على الآخرين، باسم الحفاظ على النظام، في أبشع مظهر من مظاهر الفوضى وغياب القانون. إن دور التدخل لفرض القانون أو النظام، موكول إلى أجهزة الدولة وحدها، التي ترتكز في ذلك على مرجعية القانون، في إطار المساواة بين الجميع. وبرأي الباحث إدريس الكنبوري، فإن ما يحصل اليوم من تكرار حالات البطش بمواطنين من قبل جماعات أو أفراد باسم الدفاع عن "القيم”، أو محاربة الفساد، يعكس استقالة الدولة وانسحابها غير المبرر، أمام ترامي أشخاص على دور ليس لهم، ومحاولة اقتسام وظيفة الأجهزة الأمنية، في فرض ما يعتبرونه نظاما، وهو أمر خطير يهدد سلطة الدولة وهيبتها، من جهة، ويفتح الباب أمام فتنة في المجتمع. إن مسؤولية المواطن تنتهي في التبليغ عما يراه ظلما أو تعسفا أو اعتداء على حق من حقوقه، وليس تقمص أدوار أجهزة ومؤسسات لتنفيذ أحكام في حق مواطنين آخرين، لا لشيء إلا لأنه يعتبر ممارساتهم أو سلوكاتهم غير "عادية”، أو بها "تجاوز"لقيم تمثل ضمير المجتمع، حسب قوله. إن تدخل المواطن وتقمص دور الدولة في فرض القانون، سيساهم في إشاعة حالة من الفوضى، لأن مجال تطبيق القانون موكول للدولة، ولا يسمح لأي شخص بالترامي عليه، فالأصل في الدولة، يقول الكنبوري، أن المواطنين يفوضون لها حق ضبط وفرض القانون، بل وممارسة العنف المنظم، عند الضرورة. إن تكرار مظاهر قضاء الشارع، وعودتها إلى السطح، في الأسابيع الأخيرة، تهدد بانفلات أمني، وتضع الدولة في موضع المساءلة، لأنها تتحمل مسؤولية من خلال الغياب الظاهر في بعض الأحيان، أو التساهل مع الجهات والجماعات التي اعتدت على ممارسة هذا التسلط في أحيان أخرى، أو شن حملات موسمية، سرعان ما تختفي في مواجهة الظاهرة. والمثير في هذا الصدد، يقول الباحث إدريس الكنبوري، في حديث مع "الصباح”، أن الدولة تعيش نوعا من المفارقة الغريبة بين اختيار الدولة الحديثة التي لم تكتمل بعد مقوماتها، واستمرار مظاهر التقليد التي تطفو من حين إلى آخر، من خلال ممارسات أو تشريعات، تحت مسمى الأصالة واعتماد المرجعية الإسلامية، وهي الازدواجية التي تقضي على المعنى الإجرائي للقوانين، وتفسح المجال أمام الانتقاء. ومن بين المظاهر المثيرة للسؤال في هذا الصدد، التعاطي مع مسألة بيع الخمور، إذ ترخص الدولة ببيعها وإنتاجها، وتستفيد من عائداتها المالية، من خلال ضرائب تستفيد منها الخزينة، وفي الوقت ذاته، تعاقب المستهلكين باسم محاربة السكر العلني، وهي وضعية شاذة، يقول الكنبوري، تسمح للمواطنين بالاعتقاد خطأ أن لهم الحق في التدخل لإيقاف وتعنيف أشخاص تحت طائلة محاربة السكر، ما دامت الدولة نفسها تمارس هذه الازدواجية بين السماح والمنع. إن واجب الدولة اليوم هو حماية أمن المواطنين، من خلال استرجاع هيبتها أولا، عبر الضرب بقوة على كل من سولت له نفسه الترامي على اختصاصات الأجهزة والمؤسسات، ووقف كل المدعين من فقهاء الظلام، الذين باتوا يصدرون الفتاوى، دون موجب شرع، ليفسحوا المجال لمريدين لبسط نفوذهم وفرض قوانين خاصة بهم، في ضرب صارخ لوجود الدولة، باعتبارها المعبر عن المشترك بين المواطنين، والساهر الوحيد على احترام القانون والامتثال له. برحو بوزياني

الحريات في خطر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الدعشنة" ليست الأصل

قضاة الشارع: اللصوص في مقدمة الضحايا بفاس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات