مشاهدات حية من يوم مروع بالداخلة

"الصباح" تنقلت بين أحياء شهدت مواجهات وأعمال تخريب ورافقت نزول الجيش إلى الشارع لاستتباب الأمن صور للمواجهات الدامية التي شهدتها مدينة الداخلة نهاية الأسبوع. مشاهدات لسحب من الدخان كبدت الجو الصحو بسماء المدينة، وأصوات تفجير قنينات الغاز هزت هدوء المدينة، وحولت سيارات وممتلكات إلى أشلاء، بسبب مصادمات بدأت في ما يشبه "أعمال بلطجة"، وتحولت إلى أفعال انتقامية، واندست وسطها أصوات انفصالية حاولت الركوب على الوقائع، لتحقيق مكاسب سياسية لأعداء الوحدة الترابية. والحصيلة قتيل وجرحى واعتقالات في صفوف المشتبه فيهم. "الصباح"، تنقلت بين أحداث يوم دام بالداخلة، ونقلت روايات شهود عيان من قلب الحدث، ورافقت تحركات عناصر من قوات الجيش الذي نزل إلى الشارع لاستتباب الأمن داخل الأزقة وبين الأحياء، في تحقيق يكشف حقيقة ما جرى ويرسم الصورة كاملة. "المغرب ليس قوة احتلال، فنحن الصحراويين من بايع الملك، وقدمنا للسلطان هذا الجزء من صحراء وادي الذهب، لإثبات هويتنا وانتماء أهل الصحراء إلى الدولة العلوية"، هكذا تكلم رجل مسن، بحي المسجد، الذي شهد أحداث حرق وتخريب من طرف أشخاص يتحدرون من حي يدعى "الوكالة"، مروا على الأخضر واليابس وتركوا أحياء "أم تونسي" و"حي المسجد" و"حي الغفران" تعيش في حالة من الهلع. كان الرجل يجلس القرفصاء، قرب ساحة بحي المسجد، عيناه الغائرتان وسط وجه خائف، كانتا مشدوهتين إلى المتلاشيات وما تبقى من الفوضى والرعب الذي خلفه مجموعة من الشباب عبروا الحي في طريقهم إلى منازلهم بحي "الوكالة بضواحي مدينة الداخلة. لم يصدق الرجل ما رأى، منازل تعرضت للتخريب وسيارات أحرقت عن كاملها، بعضها كان مرابضا بالقرب من ساحة المسجد وأخرى كانت مركونة ببعض الأزقة. نهاية الحفل... بداية "البلطجة"كانت الساعة تشير إلى الرابعة صباحا من يوم السبت الماضي، حين استفاق أهل الحي على جموع من الشباب يتنقلون بين أزقة الحي، وهم يخربون ما يمرون أمامه، كانوا في طريقهم إلى منازلهم لكنهم تعمدوا التسلل وسط هذه الأحياء، المثير للاستغراب فعلا أن حي "الوكالة" يوجد على ممر آخر بعيدا عن هذه الأحياء المذكورة، ما يعني أنه كان يمكن تفادي وقوع الأحداث الدامية والمواجهات لو راقبت عناصر الأمن هذه الجحافل المنتشية، بأغاني سهرة نشطها، الفنان الشعبي، محمد رويشة، وبأشياء أخرى جعلت بعضهم في وضعية غير طبيعية.في الجانب الآخر، من ساحة حي المسجد، تجمع بعض الشباب والنساء والشيوخ من سكان الحي، شعارات سلمية تطالب بضمان أمن السكان وأخرى تردد "الشعب يريد ترحيل الوكالة". هذا الحي تقطنه غالبية من السكان الذين قدموا بداية التسعينات، من ضواحي الحوز والرحامنة وغيرها...في إطار إجراءات تنظيم الاستفتاء في الصحراء، استقروا بداية في مخيمات "الوحدة" ثم نقلوا في مرحلة أخرى إلى الحي المذكور في إطار برنامج الدولة لإعادة إيواء سكان المخيمات بالمناطق الجنوبية. الشعار الذي ردده المتظاهرون كان يستهدف هذه الفئة. هنا بدأ البعض يشتم رائحة الانفصاليين الذين اندسوا وسط جموع المحتجين، سيما أن الحي الذي شهد تجمهر المتضررين يقطنه بعض الانفصاليين الذين سبق لهم أن زاروا الجزائر وبوليساريو ويحمل بعضهم مواقف عدائية ضد الوحدة الترابية للمغرب، عبروا عنها في تجمعات دولية في دكار، خلال تنظيم المنتدى الاجتماعي العالمي، وأيضا في جنوب إفريقيا خلال اجتماع الشباب العالمي، بعض هؤلاء الذين تسللوا وسط الجموع اعتادوا على زيارة الجزائر كلما سنحت لهم الفرصة.الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، أعداد المتجمهرين تتزايد مع توالي الساعات، في هذه الفترة كان والي الجهة يتنقل رفقة وفد رسمي زار المدينة، يدشن مرافق خدماتية ومواقع أنشطة مبرمجة في إطار "مهرجان "الصحراء والبحر"، ضمن الوفد خالد الناصري وامحند العنصر والوالي الملحق بوزارة الداخلية، الغيلاني الدليمي، والبرلماني، التجمعي، رشيد الطالبي العلمي، ومدير وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، أحمد حجي، وآخرون... بالقرب من ساحة بحي المسجد، وسط مدينة الداخلة، كان قائد المقاطعة الثالثة يحاول إقناع المحتجين بالعدول عن تجمعهم والعودة إلى منازلهم بعد أن نقل إليهم وعودا بتقديم تعويضات عن الأضرار وفتح تحقيق لمعرفة ملابسات وتفاصيل الحادث, بدأ النزوع نحو رفض التفاوض يكبر بين المحتجين من سكان الأحياء التي طالها التخريب، رغم أن مطالبهم كانت تقتصر بداية على توفير الأمن ومناقشة تعويضاتهم، وهو ما تقدم به ممثل السلطة فعليا، ومع ذلك فشلت محاولات التفاوض مع المتضررين، وبقي الجميع يراقب الجميع، في الوقت الذي انصرفت فيه مجموعات أخرى إلى إعداد العدة لمواجهات محتملة وتشكيل لجان شعبية أحكمت سيطرتها على الأحياء السكنية المذكورة.تجدد المواجهات... قتلى وجرحى وانفصالحوالي الخامسة مساء، تجددت المواجهات داخل أحياء "أم تونسي" و"المسجد" والغفران"، تسربت أخبار في البداية تشير إلى أن مجموعات قادمة من حي "الوكالة"، استهدفوا هذه الأحياء مرة أخرى، بدأت سيارات رباعية الدفع تطارد بعضها، وأشهر بعض الأشخاص أسلحة بيضاء، في هذه الأثناء تدخلت قوات الأمن لضبط الوضع ومطاردة السيارات التي كان على متنها مشتبه فيهم، بعد ساعات قليلة بدأت أصوات انفجار قنينات الغاز تتعالى داخل الأحياء، وبين الفينة والأخرى كانت سحابات من الدخان الأسود تعبر نحو سماء هذه المدينة الهادئة، فيما كان ركام المتلاشيات يتساقط بين الأزقة والشوارع الرئيسية التي تقطع هذه الأحياء التي شهدت مواجهات دامية, دخول عناصر الأمن على الخط جاء بعد أن تأكد وجود عناصر انفصالية تسللت إلى داخل مجموعات لجان اليقظة، وبدأت التحريض على تأجيج الوضع وتطويرات إلى أكثر السيناريوهات خطورة، سيما أن الحادث تزامن مع احتفالات في الجهة الأخرى، إعلان "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، في مثل يوم 27 فبراير منتصف السبعينات.خلال مطاردة عناصر الأمن لمن وصفتهم بالانفصاليين المتسللين إلى الأحياء ورفعوا شعارات معادية للوحدة الترابية للمغرب، عاد مثيرو الشغب من حي "الوكالة"، مرة أخرى من أجل الإجهاز على ما تبقى، خلال هذه اللحظة اندلعت مواجهات دامية بين لجان الأحياء ومجموعات شباب قادمين من الحي المذكور، الحصيلة الأولوية للمواجهات، قتيل و16 جريحا بعضهم نقل إلى المستشفى في حالة خطيرة, سيارات الإسعاف ظلت تعبر شارع الحسن الثاني وسط مدينة الداخلة في اتجاه الأحياء التي تشهد مواجهات بين الطرفين، تقل المصابين إلى مستشفى الحسن الثاني، ثم تعود بعد دقائق معدودة إلى المنطقة نفسها للبحث عن مصابين جدد. إلى حدود الساعات التي سبقت تجدد المواجهات اكتفت قوات الأمن بمراقبة الوضع بدعوى أن الأمر يتعلق بأعمال انتقامية ومصادمات بين مجموعتين، غير أن السرعة التي تطورت بها الأمور خلال خمس ساعات فاصلة بين الخامسة والعاشرة مساء، وورود أنباء عن سقوط ضحايا عجل بتحرك القوات العمومية لاستتبات الوضع وفرض الأمن، حينها كان الوقت متأخرا بعد أن أحكمت اللجان الشعبية سيطرتها على الأحياء ووضعت متاريس داخل الأزقة، واختلط الحابل بالنابل ولم يعد ممكنا تحديد مصدر الدخان المتصاعد وأصوات الانفجار تتعالى، بعض المحلات استهدفتها المواجهات وتعرضت لسرقة قنينات غاز استخدمت في حرق السيارات وأبوب المنازل بحي "كسيكيسات"، حينها عجزت قوات الأمن عن وقف حالة الانفلات الأمني، وتحركت قوات الجيش نحو مواقع المواجهات، غير بعيد عن المكان الذي انطلقت منه قوات الجيش نحو مكان المواجهات، شبت النار في إحدى خيمات ساحة مهرجان "البحر والصحراء"، قبل أن يسارع أشخاص كانوا على مقربة من إخماد النار التي كادت تأتي على المكان بأكمله. تضاربت الأنباء بشأن ظروف الحريق، غير أن تزامنه مع ما تشهده المدينة في تلك اللحظة، تقوي فرضية أن يكون الحادث بفعل فاعل. في غضون ذلك بدأت الداخلة تحصي خسائرها.مظاهر الانفصال محدودة وأزقة مقطوعةفي الخارج، وعلى محيط الأحياء التي شهدت المصادمات، كانت قوات الجيش تستكمل انتشاراها لتأمين المواطنين وحمايتهم من "غزوات" سكان حي الوكالة". اللجان الشعبية التي أعلن عنها بعض شباب هذه الأحياء فرضت سيطرتها على بعض المحاور الرئيسية. شباب ملثمون يحملون الهراوات توزعوا على مداخل الأزقة، مظاهر الانفصال خافتة هذه المرة، فقط بعض الأفراد يرددون الشعارات أمام بعض المنازل، ويتناوبون أمام عدسات هواتف محمولة برفع علامات النصر، هذه الصور المخدومة جرت العادة أن تصل إلى مواقع تابعة لبوليساريو لترويجها على أساس أنها انتفاضات شعبية تشهدها مدن الصحراء، أحد المنازل التي عاشت هذه المسرحية يقطن بها أشخاص معروفون بولائهم للأطروحة الانفصالية، من داخل التجمع تتعالى زغاريد تشبه تلك التي كانت تعلن انطلاق سيارات رباعية الدفع خلال الساعات التي شهدت حمأة المواجهات.قوات الجيش التي نزلت إلى الشارع، لقيت تجاوبا كبيرا من طرف سكان الأحياء التي تعرضت للتخريب، عدد من أعضاء اللجان التي أحدثها شباب المنطقة لحمايتها من عودة البلطجية، سارعوا إلى تقديم ألثمة وأغطية والتناوب على تقديم كؤوس الشاي إلى عناصر قوات الجيش، عاد الهدوء إلى الأحياء السكنية وإن لم تخل بعض الأزقة من مظاهر انفصالية معزولة ومتقطعة، بعض أفراد القوات المسلحة الملكية قضت الليلة كاملة في مكان مظلم وخال تراقب أي تحركات مشبوهة، بعد أصدرت تحذيراتها باعتقال كل شخص حاول الاقتراب من الأحياء التي دارت فيها المواجهات، سكانها ابدوا ارتياحا كبيرا بقدوم عناصر الجيش لم يقابلوا به تحرك قوات الشرطة التي اختفت من الأحياء بعد أن وقعت تحت سيطرة السكان. مداهمات واعتقالات بعد فوات الأوانفي حي "الوكالة"، باشرت قوات الأمن سلسلة مداهمات لاعتقال مشتبه فيهم على خلفية أحداث مصادمات السبت، هذه الإجراءات كانت واحدة من المطالب التي رفعها المتضررون منذ اليوم الأول للاحتجاج على ما وقع من تخريب, فقد سبق لعدد منهم أن اعتدى على ممتلكات خاصة وعمومية يوم 30 يناير الماضي، بطريقة العصابات نفسها، وقعت الأحداث بالقرب من حي محاذ لمقر ولاية الجهة، قاموا بتكسير ثلاث سيارات وخلقوا حالة من الرعب، في البداية جرى اعتقال المشتبه فيهم غير أنه سرعان ما تم الإفراج عنهم بعد تدخل بعض الأفراد في إطار حسابات انتخابية. هذا الموقف لا يجب أن يتكرر، يقول منسق لجنة شعبية مكلفة بحماية حي"أم تونسي". هذا الشخص الذي التقته "الصباح" خلال جولة ليلية بأحد الأحياء التي شهدت المواجهات الأكثر دموية، سبق له أن زار تندوف والجزائر وموريتانيا، وهو مسجل لدى مصالح الأمن بالداخلة ضمن قائمة الانفصاليين، غير أن لم يجد حرجا في قول الحقيقة، أمام باقي الشباب الذين تحلقوا حول "الصباح": "زرت الجزائر والمخيمات وحين عبرت الحزام قبلت الأرض التي امشي عليها، فقد تولدت لدي قناعة أن المغرب بلد مختلف، عما رأيته هناك، هنا حريات أكبر,,, هذه البلاد ليس مثلها بلاد، لو سمع الملك صوتنا لأدرك أن هناك من يسعى إلى إفساد كل ما بناه المغرب من أجل الاقاليم الجنوبية..."، التفت صديقنا إلى عناصر الجيش الذين كانوا يجلسون بالقرب منا، واستطرد قائلا: "الجنود نتعاون معهم بشكل كبير، قدمنا لهم الأغطية وألثمة تقيهم قسوة الليل البارد، اشترينا لهم بعض المواد الغذائية، من لدن محلات تجارية يديرها "الداخل"، فتحوا لنا المحلات حتى نجد ما نأكله وعائلاتنا..أين المشكل إذن؟ بعض الأفراد يسعون إلى تأجيج الوضع بالمدينة، ويغطون على ذلك باتهام انفصاليي الداخل". بهذه الكلمات لخص الشاب ما جرى خلال اليوم الدامي بالداخلة. نريد فقط أن يتركونا وشأننا وأن يكف عناصر الأمن عن هذه الأفعال التي تسيء إلى صورة البلد بأكمله. هذا التعليق الأخير، يتقاطع مع ما قاله رجل سلطة: "كان يفترض أن يقود عناصر الأمن الجمهور بعد نهاية السهرة عبر طريق أخرى، تمر بعيدا عن هذه الأحياء وتفضي مباشرة إلى حي "الوكالة"، هم يعرفون أن بعض شباب هذه الأحياء يتعاطون الأقراص المهلوسة، وحين انتهى الحفل كان هؤلاء في حالة غير طبيعية... لم أعد أفهم ما الذي يقع؟".لفهم ما جرى...في انتظار فهم ما جرى ليلة السبت\الأحد وسط أحياء سكنية بمدينة الداخلة، ستبقى قوات الجيش مرابضة على محاور الطرق وداخل مداخل بعض الأزقة التي تعبر أحياء تظل شاهدة على همجية الأحداث التي وقعت. بالمقابل تطالب الدولة المنتخبين بأن يلعبوا دورهم في استتباب الأمن وإعادة الهدوء والطمأنينة إلى السكان، ويطالب هؤلاء الأعيان الدولة بأن تتحمل مسؤوليتها في تخفيف الاحتقان الذي لم تعرفه المدينة من قبل، وقطع العون والمساعدات الغذائية التي تصرفها الدولة لهم منذ كان قدم هؤلاء إلى مخيمات الوحدة، وذلك لضمان تكافؤ الفرص بين الجميع، لأن الوطن للجميع. إحسان الحافظي (موفد الصباح إلى الداخلة)

مشاهدات حية من يوم مروع بالداخلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الاتحاد يلوح بالانسحاب من الحكومة

500 مشارك في وقفة للمطالبة بالسكن بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات