المتهم كان صديقا لمسؤولين بارزين بالمدينة وكان يخضع الضحية لجلسات تعذيب "إرادية" أنهت عناصر الشرطة القضائية لأمن آسفي تحرياتها، بخصوص جريمة قتل، راح ضحيتها رجل أعمال بآسفي، من مواليد 1975، على يد شخص، لم يكن سوى وجها مألوفا بالمدينة، على أساس أنه شخصية نافذة بالقصر الملكي، لكن ذلك لم ينه تناسل العديد من الأسئلة، الغامضة، التي يشكل عدم إيجاد جواب لها، مجالا خصبا لتناسل الإشاعات والروايات المتعددة، لجريمة استثنائية هزت كيان مدينة هادئة. محمد العوال (آسفي) تصوير: رشيد توجني يبقى السؤال العريض، كيف استطاع المتهم أن ينسج العديد من العلاقات مع مسؤولين نافذين بعدة أجهزة بالمدينة، والتردد رفقته على الفضاءات العمومية، دون التأكد من هويته الحقيقية نصابا باسم القصر الملكي؟ وكيف انطلت الحيلة لشهور عديدة على المسؤولين، إلى أن تفجرت هذه الجريمة؟.. تلك أسئلة من بين عشرات الأسئلة الأخرى التي تلوكها ألسن الشارع المحلي، الذي ما زال لم يصدق حقيقة ما وقع ! نصاب أسقط مسؤولين في الفخ !!بسيارة "مرسديس" فارهة، وتارة أخرى "رونجروفر"، وسائق خاص وحراس خاصين، يأتي "صلاح الدين.ح" إلى آسفي، وهو الشاب ذو 28 من عمره، هادئ بطبعه قليل الكلام، كثير الإنفاق، هواتفه المحمولة لا تتوقف عن الرنين.ينتمي إلى أسرة متواضعة وعادية، بدأ مشواره الدراسي كباقي أقرانه، قبل أن يتوقف مساره الجامعي، ويغادر آسفي، وبعد ذلك بسنوات عاد إلى المدينة، محاطا بهالة كبيرة، لا يستأذن في ولوج مكاتب المسؤولين ولا يُرفض له طلب، لأنه بالطبع مسؤول بالقصر الملكي، والكل يهابه ويمنحه هالة كبيرة ونوعا من الاحترام.يتردد "صلاح الدين" كلما قدم إلى آسفي، على العديد من الفضاءات العامة، واستطاع في مدة وجيزة، أن ينسج علاقات عديدة مع مسؤولين بارزين بآسفي، ويتردد رفقتهم على فضاءات عمومية داخل المدينة وخارجها، ويقيم حفلات باذخة، تحضرها شخصيات يدعي أنها نافذة، ولها مناصب مهمة سواء داخل القصر الملكي، أو خارجه، وهو الأمر الذي كان يصدقه بعض المسؤولين ممن يحضرون هذه الحفلات سواء بالوليدية، أو بالهرهورة، أو مازاغان بالجديدة.لم يكن المتهم ينفي علاقته بكبار المسؤولين بالدولة، والدليل الوحيد الذي يقدمه هو أرقام هواتف هؤلاء المسؤولين، حتى صار الكثير منهم بآسفي، يتودد إليه، طلبا لرضى مسؤوليه.. هوس "ديستي" أوقع الضحية في يد المتهمكان الضحية، واحدا من رجال الأعمال، ممن استطاعوا أن يتسلقوا سلم النجاح المهني، بسرعة فائقة، وتحول من مستخدم لدى منعش عقاري، إلى رجل أعمال يسير شركات تعنى بالبستنة والأمن الخاص، حتى صارت واحدة من أهم الشركات بالجهة..كان الكثيرون، يربطون نجاح شركة الضحية، بعلاقته بمسؤولين بمديرية مراقبة التراب الوطني محليا، ممن كانت تربطهم معه علاقة صداقة وطيدة، تطورت إلى تعاون من الضحية مع مسؤولي هذه المديرية، إذ لم يكن يتردد في تقديم كل المعطيات إليهم، سيما أن شركة الضحية كانت مكلفة بحراسة مجموعة من المؤسسات الحساسة، كمحاكم المدينة والمستشفى الجهوي وإدارات عمومية أخرى، تغري الباحثين عن المعلومة.بحكم هذه العلاقة، صار الأمل الذي كان يطبع حياة الضحية في شبابه يكبر، وهو الاشتغال في جهاز استخباراتي، إذ رغم الثروة التي حققها، والتحول من مستخدم بسيط إلى رجل أعمال، فإن هوسه بالعمل الاستخباراتي كان يطغى عليه.التقى الضحية رفقة مسؤولين مع المتهم في لقاءات خاصة عدة مرات، وتوطدت هذه العلاقة، حتى صار الضحية لا يفارق المتهم بالمدينة، ويترددان معا على أماكن عمومية، بل إن الضحية ترك مفاتيح الشقة التي سيقتل فيها لدى المتهم، عربون ثقة تامة ومتبادلة.لم يتردد المتهم في أن يقدم وعدا للضحية بالاشتغال بجهاز الاستخبارات العسكرية المعروفة اختصارا بـ"لادجيد"، بحكم العلاقات التي يتوفر عليها، وكذا مساعدته في الحصول على صفقات داخل القصر الملكي في مجال البستنة وصيانة حدائق القصور والأمن الخاص.اعتقد الضحية أنها فرصة العمر التي لا تعوض، وأنه سيربح الرهان ويحقق المأمول، وأن كل الأبواب ستفتح له، وسيضرب عصفورين بحجرة واحدة، فمن جهة، سيراكم ثروة مهمة، ومن جهة ثانية، سيجني مبالغ مالية كبيرة، من صفقات مع القصر، ومن ثمة ستفتح له مؤسسات عمومية أخرى بالمملكة أبوابها، ما جعله لا يتوانى في الاستجابة لطلبات المتهم، الذي تلقى مبالغ مالية من الضحية، في وقت سابق، والهدف مساعدته في تحقيق المأمول. التخطيط لبداية النهاية استغل المتهم رغبة الضحية في الاشتغال بجهاز المخابرات العسكرية، وصار يعرضه من حين لآخر لمسلسل من التعذيب، أو الأحرى الإعداد لتصفيته وقتله، وكان يوهمه أن ما يقوم به هو اختبار لقدراته على التحمل في ظل الاشتغال في جهاز حساس مثل "لادجيد"، وأن هذه المرحلة مهمة في حياة كل من أراد الالتحاق بجهاز المخابرات العسكرية، وأن ذلك لابد أن يظل سرا بينهما.كان المتهم يطلب من الضحية، أن يجلس فوق كرسي جلدي، ويقوم بوضع منديل ورقي، ولصاق وتكبيل يديه بخيط، والعملية نفسها لرجليه، ويقوم بعد ذلك بشد خناقه، ومطالبته بالاعتراف بمسار حياته، كيف جمع الثروة، مع من يشتغل، وغيرها من الأسئلة، إذ يستمر الوضع لمدة زمنية، قبل أن ينتهي ذلك، ويغادر الاثنان معا إلى أقرب مطعم لتناول العشاء، وكأن شيئا لم يكن !. ليلة الإجهاز على الضحية تكررت عملية "تدريب" الضحية على التعرض للتعذيب، لأربع مرات، وفي المرة الأخيرة، ضرب موعدا مع المتهم بالشقة المملوكة للأول الكائنة قرب المحكمة الابتدائية بآسفي، وهناك التقيا كما هي عادتهما، إذ جلسا معا، وطلب المتهم من الضحية عملية الإعداد النفسي للتعرض للتعذيب، سيما أن موعد الاشتغال بالمديرية العامة للدراسات والمستندات، قريب جدا، وأن الملف تم قبوله بشكل رسمي، وما عليه سوى الخضوع لفترة التدريب على يده، قبل الالتحاق بهذه المؤسسة الأمنية.من خلال التصريحات التمهيدية للمتهم وكذا عملية إعادة تمثيل الجريمة، فالمتهم يؤكد أنه ضرب موعدا مع الضحية بشقة الأخير، وتوجه هناك إذ فتح له شخص وغادر، ولم يكن يعرف هوية وطبيعة الشخص الذي فتح الباب، ثم دلف المتهم إلى الداخل، وبعد لحظات قليلة من النقاش، طلب من الضحية الجلوس للخضوع للتدريب، وقام بتكبيله بالطريقة نفسها، التي كبله خلالها في السابق، لكن هذه المرة استخرج سكينا بحوزته، وشرع يوجه له عدة طعنات، في أنحاء متفرقة من جسده، ليعمد بعدها إلى نزع سرواله وتبانه وطعنه طعنة واحدة.وبعد أن أيقن أن الضحية، أسلم الروح إلى بارئها، قام بمغادرة البيت والجلوس بالدرج الأول، واضعا كفيه على وجهه، قبل أن يغادر مسرح الجريمة، نحو منزل شقيقته، إلى أن انكشفت تفاصيل الجريمة في اليوم الموالي، وتم اعتقاله.المتهم نفى في أول الأمر علاقته بالجريمة، وأكد أن كل ما في الأمر أنه تعرض لاعتداء من قبل ثلاثة أشخاص كانوا على متن سيارة، إذ طاردوه وأركبوه عنوة في السيارة، وبعد ذلك، قاموا بمحاولة اغتصابه.غير أن تعميق البحث، بالإضافة إلى العديد من القرائن كذبت هذه الرواية، منها اللصاق الذي استعمله في تكبيل الضحية، والذي قدمه لبعض الشباب، وطلب منهم إحراقه، ثم ما كان يقوم به من تكبيل للضحية، وتعذيبه بدعوى تحمل ذلك، جعلت المتهم يعترف بارتكاب الجريمة، بدعوى محاولة سرقة المتهم، اعتقادا منه أنه سحب مبلغا ماليا من حسابه البنكي يوم الحادث، استعدادا للتوجه في رحلة سياحية نحو تركيا. الأسئلة المحرقة في جريمة غامضة تتحدث الكثير من المصادر على أن الضحية، قبل أن يكون ضحية للمتهم، كان ضحية للعديد من المسؤولين بالمدينة، الذين كانت تربطهم علاقة مع المتهم، ويترددون معه على عدة فضاءات وينفق عليهم مبالغ مالية مهمة، فضلا عن أنه رغم التحقيقات التي بوشرت مع المتهم فإن الإجابة عن لغز هذه الجريمة مازالت غامضة، إذ أن المتهم يتوفر على بطاقة مزورة للمديرية العامة للدراسات والمستندات (لا دجيد)، وكان دائما برفقته سائق شخصي، ليبقى السؤال حول هوية السائق الشخصي، بعدما تبين أن السيارة مكتراة من إحدى وكالات كراء السيارات، ثم من المسؤول عن هذه الوكالة، وما هي الصفة التي تقدم بها مكتري السيارة لدى هذه الوكالة، ثم الجهة التي قامت بتزوير بطاقة المديرية العامة للدراسات والمستندات، ثم أسماء مسؤولين بارزين مضمنة في هواتفه المحمولة، والتي يدعي على أنها تخص مسؤولي الدولة، وطبيعة الأشخاص الذين يربط بهم الاتصال بشكل دائم، ويكاد اتصاله بهم لا ينقطع.هل خضعت هواتفه للتمحيص والكشف، أثناء التحقيق؟ هل تم الاستماع إلى مستخدمين لدى الضحية وكذا زوجته، بعدما أكدوا بمجرد العثور على جثة الضحية أن القاتل ليس هو "صلاح"، أمام الملأ؟.من أين للمتهم بالمبالغ المالية الكبيرة التي ظل ينفقها في عدة فضاءات عمومية، منذ أزيد من ثلاث سنوات، والتي بالتأكيد ليست متحصلة من أموال الضحية لوحده؟كيف لمسؤولين في أجهزة نافذة، لم ينتبهوا طيلة شهور إلى أن السيارة التي يمتطيها المتهم، على أساس أنها سيارة خاصة بالقصر، تحمل شارة أداء الضريبة على السيارات، علما أن سيارات المصلحة معفاة منها؟. تلك الأسئلة، بالإضافة إلى ارتباك المتهم أثناء تمثيل الجريمة، بحكم أن نائب الوكيل العام، نبهه إلى وجود طعنة خلف الرأس لم يشر إليها المتهم بالسكين، أثناء تمثيل الجريمة، ثم المدة الزمنية بين ارتكابه للجريمة واعتقاله، وعدم مغادرته المدينة، رغم أنه يتوفر على سائق شخصي وسيارة مكتراة، وكذا مبالغ مالية مهمة.تلك أسئلة من بين أخرى، تحتاج إلى الدراسة والتمحيص والبحث عن إجابات لها، لكشف لغز الجريمة بالكامل، والظروف المحيطة بها، وترتيب المسؤوليات عن ذلك. لقطات من مسرح الجريمة - هرعت العديد من الأجهزة الأمنية، بعد إشعارها بقتل الضحية إلى شقته بالمدينة الجديدة بالبلاطو، لاستطلاع الأمر، والوقوف على طريقة قتله، كما تم تفقد سيارة الضحية، التي وجدت مركونة بالمكان الخاص بها بمرآب العمارة، وفي حالة جيدة.- المتهم ربط الجريمة بعملية السرقة، لكن لماذا لم يأخذ مفاتيح السيارة من الضحية ويفتش ما إذا كان الضحية ترك مبالغ مالية بالسيارة..الجريمة وقعت الثلاثاء، أي قبل يومين من مغادرة الضحية إلى تركيا، إذ كان أعد أوراق السفر إلى تركيا لقضاء مدة هناك، وكان المتهم على علم بذلك.- المتهم أثناء تمثيل الجريمة بدا مرتبكا، وغير قادر على ضبط إعادة تمثيل ما قام به حسب اعترافاته المضمنة في محضر الضابطة القضائية، كما أنه قام بتغيير ملابسه أثناء حلوله ضيفا على الشرطة، بحكم أن السروال الرياضي الذي كان يلبسه كانت به آثار الدم، واحتفظ بالحذاء الرياضي الذي كان يلبسه أثناء إيقافه.- اختلط رجال الأمن ومجموعة من الصحافيين والفضوليين بمسرح الجريمة، واستخرج الكل هواتفهم المحمولة لتصوير أطوار تمثيل الجريمة، في ظروف أقل ما يقال عنها، إنها لا تليق بتمثيل الجريمة.