مشاريع مرت عليها عقود واصطدام الخبراء القضائيين بمشاريع جديدة بنيت على أنقاضها يحاكم منتخبون وموظفون ومقاولون ومكاتب دراسات بخصوص مشاريع مرت عليها أكثر من 20 سنة، بعد رصد المجالس الجهوية للحسابات خروقات ترقى إلى جرائم مالية. لكن قضاة القضاء الزجري بغرف الأموال، يلجؤون إلى الحكم تمهيديا بإجراء خبرات تقنية تعهد إلى خبراء محلفين لمعرفة حقيقة الاختلالات الواردة بهذه المشاريع، لبلوغ الحقيقة قبل النطق بالحكم، فيصطدم الخبراء بأن المشاريع المعنية لحقتها تغييرات بفعل تدخل المجالس الجديدة، لتعرف هذه القضايا هدرا زمنيا ثقيلا. هي محاكمات يمكن القول عنها إنها "عبثية"، ناتجة عن تقارير للمجلس الأعلى للحسابات أو المفتشيات التابعة للوزارات أو الوشايات التي تتوصل بها النيابة العامة سواء كانت مجهولة أو طريق المعارضة وجمعيات حماية المال العام. وتوجد ملفات عمرت حوالي عقدين من الزمن داخل ردهات مكاتب الضابطة القضائية والتحقيق التمهيدي والمحاكمة أمام جرائم الأموال عن مشاريع أنجزت قبل 20 سنة، وظلت تراوح مكانها داخل مكاتب البحث دون إصدار أحكام فيها ولو ابتدائيا. الخبرات تؤخر المشاريع ولتكوين قناعة القضاة وإبعاد تصفية الحسابات بين الحساسيات السياسية وتحقيق مبدأ الحياد والنزاهة والتجرد في الصراع السياسي بين المنتخبين المشتكين والمشتكى بهم، باتت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بالرباط، تأمر بإجراء خبرات تقنية على المشاريع موضوع الاتهامات. لكن ما يحدث أن هذه الخبرات تتأخر بشكل كبير ويتفادى الخبراء القضائيون استقبال مثل هذه الملفات لعدة اعتبارات، أهمها أن المشاريع قديمة بعضها يفوق إنجازه ما يزيد عن عشرين سنة، وأن مجالس تعاقبت على الحكم وأنجزت مشاريع أخرى "فوق" المشاريع، موضوع التتبع والبحث القضائي. سيدي سليمان...مشاريع قديمة وخبرات جديدة مثل، الاثنين الماضي، مسؤولون سابقون وحاليون ببلدية سيدي سليمان، أمام قضاة غرفة جرائم الأموال الابتدائية بالرباط، ضمنهم رئيسان سابقان للبلدية، ومهندس بلدي، وموظف تقني مسؤول عن التعمير وصاحب مقاولة، وجهت إليهم تهم اختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير في وثائق إدارية، والمشاركة في ذلك، بعد أبحاث في تلاعبات بصفقتين بمبلغ يفوق أربعة ملايير سنتيم ونصف المليار، استنادا إلى تقارير للمجلس الأعلى للحسابات التي اعتبرتها اختلالات ترقى لجرائم مالية في موضوع صفقات الطرق الحضرية، بعد تحويل المدينة من باشوية إلى عمالة، وما لحق الأشغال من عيوب وتشققات في غياب المسؤولية الكاملة عن ذلك، ومازال المنتخبون ينتظرون نتيجة الخبرة. أبحاث طويلة واجهت الضابطة القضائية وقاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال الرئيس السابق بموضوع الصفقتين، إذ لم يتم تحديد أماكن إنجاز الأشغال بشكل دقيق، سيما الطرق الحضرية بالمدينة، لكن الرئيس رد على المحققين أن الصفقتين تم إنجازهما في إطار شمولي، محملا المسؤولية للمهندس البلدي وتقني. كما جرت مواجهته بعدم القيام بالإجراءات اللازمة لتتبع إنجاز الصفقتين وعدم تحميل المقاولة المسؤولية عن إنجاز الصفقتين، سيما بعد ظهور تشققات وأعطاب في البنية الطرقية، لكن الرئيس حمل المسؤولية للفيضانات والتساقطات المطرية. اتهامات جرت مواجهة المسؤول الأول سابقا عن البلدية وهو عضو بها حاليا، حول إقصاء مقاولة كبرى في غياب المنافسة الشريفة، من مشروع الصفقتين، إلا أنه رد بأن هذه المقاولة أخطأت أثناء جمع المبالغ المالية المتعلقة بهذه الصفقة والخاصة بكل ما يتعلق بدفاتر التحملات، وجرى تصحيح الخطأ خلال عملية فتح الأظرفة، وذلك بحضور كل أعضاء اللجنة، مشيرا إلى أن المقاولة المقصية قدمت عرضا بخمسة ملايين سنتيم خاصة بالحفاظ على الموارد المالية للمشروع، سيما وسائل العمل، فيما حصلت المقاولة المنافسة الحائزة على الصفقتين 75 مليون سنتيم، ما دفعه إلى رفض عرض المقاولة المقصية، كما أقر بموافقة سلطة الوصاية المتمثلة في وزارة الداخلية. وتضمنت الاتهامات الموجهة إلى الرئيس وفق تقارير المجلس الأعلى للحسابات أيضا إقصاء ثلاثة منافسين للفوز بصفقات الطرق الحضرية بسبب عدم تقديمهم شهادة تقنية لأشغال الطرق، غير أن لجنة طلبات العروض لم تطلب من المنافسين الإدلاء بالمستندات المذكورة، أو القيام بالتصحيحات الضرورية، وهو ما يخالف مقتضيات الفقرة العاشرة من المادة 35 من المرسوم رقم 2.06.388 المتعلقة بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا القواعد المتعلقة بها، لكن الرئيس رمى بهذه المسؤولية على المهندس البلدي، كما جرت مواجهة الرئيس باختلالات التعمير وبعدم توفر الجماعة على الوثائق المعينة والمصادق عليها تماشيا مع قانون التعمير، إذ ظل المجلس يعتمد على وثيقة تعود إلى 1970، لكن المتهم رد بعقده اجتماعا في الموضوع ومراسلة العامل، ولم يتوصل بأي رد، وهو ما حال دون إنجاز التجهيزات. أما رئيس البلدية الثاني الذي خلف الأول فواجهه فريق التحقيق أيضا بإقصاء مقاولات من صفقات عمومية، دون الاستناد إلى مبررات مشروعة، سيما صفقة شارع الحسن الثاني ودوار الحارثي، لكن الرئيس المثير للجدل، أكد أن طلبات العروض جرت دراستها طبقا للقانون وجرى منح الصفقة لمقاول معروف بالغرب وإقصاء غريمه من قبل لجنة فتح الأظرفة، بسبب تقديمه ضمانا مؤقتا لفائدة عدة مستفيدين يتمثلون في المجلس البلدي وعمالة المدينة والمجلس الإقليمي، وهو ما يخالف القانون، إذ يجب تحديد المستفيد من الضمانة، كما جرى اتهام الرئيس بعدم تحديد أماكن إنجاز الأشغال. المهندس الجماعي في قفص الاتهام وجد مهندس دولة، خريج المدرسة الحسنية للأشغال العمومية، نفسه متابعا أمام القضاء، بعد أن اتهمه الرئيس السابق للبلدية أنه كان مسؤولا عن تتبع الأشغال وموافاته بنتائج صفقتين، وأن جميع الاختلالات الواردة بتقارير المجلس الجهوي للحسابات المتعلقة بهاتين الصفقتين تقع مسؤوليتها على المهندس لعدم تتبعه الأشغال بشكل جيد، وأن القرارات التي اتخذها الرئيس في هذا الشأن، تمت بناء على نتائج عمل المهندس في إطار تتبع الصفقات، وأن تبليط وتسوية حواف الأرصفة أنجز بشكل معيب، إذ أنه لم يتحمل مسؤوليته في تتبع أشغال إنجاز الصفقات ولم يقم باتخاذ الإجراءات الكفيلة لتفادي الإنجاز المعيب للأشغال ومطالبة المقاولة المسؤولة عن الصفقتين، تصحيح هذه الاختلالات، وأن هذا الإغفال حمل ميزانية الجماعة أعباء مالية إضافية، وهو ما يظهر الحالة المزرية التي توجد عليها بعض المقاطع بسبب انسداد قنوات الصرف الصحي وعدم احترام الارتفاع اللازم لوضع الحواف، مع الإشارة إلى أن وضع الحواف وتسوية وضعية القديمة منها كلفا ما يزيد عن 300 مليون. خبرة على جماعة بتيفلت يتابع رئيس جماعة سابق بدائرة تيفلت، وأربعة من مسيري شركات ومكتب للدراسات، من قبل قضاة غرفة جرائم الأموال الابتدائية بالرباط، بخصوص تلاعبات خطيرة بأربع تجزئات سكنية على مساحة 44 هكتارا بعد تكييف جريمة تبديد أموال عمومية للمنتخب السابق ومقاولين، فيما توبع اثنان بجرائم المشاركة في التبديد. ولمعرفة طبيعة الاختلالات المرتكبة ستحسم خبرة تقنية في هذه المشاريع، بعدما وقف قضاة المجلس الجهوي للحسابات بجهة الرباط سلا القنيطرة، على خروقات جسيمة بجماعة أيت مالك، تتمثل في تسليم رخص إحداث التجزئات السكنية دون احترام المساطر المتعلقة بمنح التراخيص بإحداث هذا النوع من المشاريع العقارية،وتبين أن ثلاثا من هذه التجزئات أحدثت بمدار فلاحي دون الحصول على التأشيرات القبلية للوكالة الحضرية واللجنة الجهوية لدراسة التأثير على البيئة. واعتبر تقرير قضاة المجلس في عهد إدريس جطو، الرئيس السابق، أن الوكالة الحضرية راسلت رئيس المجلس الجماعي تطالبه بإيقاف تنفيذ الأشغال الخاصة بتهيئة "عين جوهرة" إلى حين اتخاذ قرار القيام بدراسة تصميم التهيئة وحل إشكالية التطهير السائل بالتجزئات المرخص لها دون احترام المساطر القانونية، لكن الجماعة لم تلتزم بتلك التوصية ورخصت لتجزئة "تافيلالت" دون استطلاع مسبق لرأي الوكالة الحضرية. وشدد التقرير على أن هناك غيابا لإخضاع مشاريع التجزئات للرأي القبلي للجنة الجهوية لدراسة التأثير على البيئة، كما هو منصوص عليه في المادتين 2 و8 من القانون رقم 12.03 المتعلق بدراسة التأثير على البيئة، كما سجل القضاة عدم احترام البنود التعاقدية من قبل المكتب المكلف بإنجاز تصميم التهيئة، إذ قام تجمع مهندسين بتصميم التهيئة لبلورة مشاريع عقارية على مستوى الجماعة، رغم أن المقتضيات التعاقدية تمنع التجمع المذكور من إنجاز دراسات أو إعداد مشاريع عمرانية. نواقص بدفاتر التحملات لم تقف الملاحظات عند ذلك الحد، بل تبين لقضاة المجلس أن هناك نواقص متعلقة بدفاتر تحملات التجزئات السكنية المرخص لها من قبل الجماعة، ولم تحدد بشكل دقيق شروط الإنجاز وكذا الخصائص التقنية للتجهيزات المبرمجة والتي تتمثل في نوع التبليط الواجب القيام به لطبقة تكسية الطرق، وكذا خاصيات شبكات التطهير والكهرباء ونوع الأغراس والمساحة التي يتم غرسها ومراقبة جودة الأشغال. وبسبب ذلك تم إنجاز جل الطرق بتجزئة جوهرة آيت مالك بالتكسية السطحية المزدوجة، في حين أن الطرق بتجزئة نرجس أيت مالك جرى إنجازها بالإسفلت الناعم، والأمر نفسه بالنسبة لشبكة الإنارة العمومية، وفي غياب توصيف تقني دقيق لأشغال التطهير، لجأ المجزئون إلى إنجاز شبكة تطهير وحيدة بالخرسانة لأنها أقل تكلفة، في حين أن مالية الجماعة تتحمل مصاريف إضافية من قيمة تكلفة إنشاء محطة تطهير المياه العادمة. تنبيه نبه القضاة أن هناك تكرارا لإنجاز الدراسات التقنية المتعلقة بالمقاطع الطرقية نفسها وبالخدمات ذاتها، إضافة إلى نواقص في تنفيذ الأشغال، وانعدام الصيانة الدورية للمسالك، وأداء مبالغ مالية زيادة عن الكمية المنجزة لمستوى أشغال تسوية الأرض، وظهور عيوب على الطرق. لكن ورغم مرور أزيد من عقد مازال المنتخبون والهيأة القضائية ينتظرون نتائج الخبرات للحكم في النازلة التي عمرت طويلا. القاضي الخياري: الخبرة لقطع الشك باليقين يلجأ رئيس غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بالرباط، القاضي زكرياء الخياري، إلى الحكم بإجراء خبرات على المشاريع موضوع ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات أو وشايات المنتخبين قصد قطع الشك باليقين. ورغم الانتهاء من المناقشات والاستماع إلى المتهمين والمشتكين والمطالبين بالحق المدني في القضايا المعروضة على القضاء الزجري بغرفة الأموال، وأيضا مرافعات الدفاع، والتي تمنح فيها المحكمة الكلمة الأخيرة للمتابعين، وبعدها تحجز الهيأة القضائية الملف للمداولة قصد النطق فيه بالأحكام، تخرج الهيأة القضائية برئاسة القاضي الخياري للتصريح أمام المتهمين بالحكم تمهيديا بإجراء الخبرات التقنية. ويرى متتبع لقضايا جرائم الأموال، أن الخبرة التقنية على يد خبراء قضائيين محلفين لهم من المعرفة ما يكفي في الميدان لإنجاز الخبرات على الإصلاحات والمشاريع، السبيل الوحيد لبلوغ الحقيقة، مضيفا أن الصراع السياسي بين مختلف الحساسيات السياسية وتنصب رؤساء المجالس أطرافا مدنية ضد المتابعين السابقين، وأيضا شكايات المعارضة تفرض قطع الطريق على الراغبين في نصب الكمائن عبر تكليف الخبراء المحلفين بالخروج إلى الميدان لإنجاز الخبرات الموضوعاتية، والتي تكون بمثابة الأساس الفعلي والحقيقي للأحكام القضائية.