أحكام موقوفة ونافذة والمتابعة في حالة سراح جنبت سلب الحرية قبل الحكم النهائي تتباين الأحكام الصادرة في بعض جرائم تبديد المال العام، من حيث الأحكام التي تصدرها الغرف المختصة للنظر في هذا النوع من الجرائم، وأيضا من حيث المحاكم نفسها حسب المدن. وبينما شهدت ملفات أحكاما ثقيلة، صدرت ضد المتهمين، فإن ملفات أخرى، عرفت أحكاما مخففة، بل حول جزء من عقوباتها في مرحلة الاستئناف من السجن النافذ إلى الموقوف. ولعل معطيات الملفات وما يروج أمام هيأة الحكم يحسم في تكوين قناعة القاضي، ويعتبر نبراسا يستنير به القضاة لتحديد نسبة ضلوع كل متهم، ومدى توفر القصد الجنائي لارتكاب سلوكات الاختلاس والتبديد وغيرها من الأفعال التي تدخل في خانة جرائم المال العام... إنجاز: المصطفى صفر حول قرار قضائي، صدر الخميس قبل الماضي، عن غرفة الجنائيات الاستئنافية بمراكش، العقوبات الحبسية النافذة إلى موقوفة التنفيذ، لمتابعين من قبل الوكيل العام للملك، بتهم التزوير في محرر رسمي واختلاس وتبديد أموال عمومية والمشاركة، كما وضع حدا لتدبير إغلاق الحدود بالأمر بفتحها في وجه ثلاثة منهم. ويتعلق الأمر بملف رئيس جماعة العامرية بإقليم السراغنة، وثلاثة متورطين معه في تهم التزوير في محرر رسمي واختلاس وتبديد المال العام، سبق أن أدين من أجلها الرئيس والمقاول ومدير مكتب الدراسات من قبل غرفة الجنايات الابتدائية في يناير الماضي بسنتين حبسا نافذا في حدود سنة حبسا نافذا لكل واحد منهم. أما صاحب المكتبة فقضت في حقه المحكمة بسنتين موقوفتي التنفيذ، وجعل الحكم الغرامة متساوية بالنسبة إلى المتهمين، إذ قضى بـ 20 ألف درهم لكل واحد منهم، إضافة إلى تعويض مدني للمطالبة بالحق المدني قدره 40 ألف درهم ورفع تدبير إغلاق الحدود. كما استمر خلال المرحلة الابتدائية سريان تدبير إغلاق الحدود وسحب جوازات السفر بالنسبة إلى ثلاثة متهمين، من دون صاحب المكتبة. القرار الصادر الخميس ما قبل الماضي، أيد القرار المستأنف في ما قضى به في جميع مقتضياته، مع جعل العقوبة المحكوم بها على كل واحد من المتهمين الثلاثة موقوفة التنفيذ والأمر بفتح الحدود واسترجاع جوازات السفر مع الصائر والإجبار في الأدنى. وتوبع المحكومون في حالة سراح بتهم تتعلق بالاختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير في محرر رسمي واستعماله، بالنسبة إلى الرئيس، بينما توبع الباقون وهم مقاول وصاحب مكتب دراسات وصاحب مكتبة بالمشاركة في التهم المنسوبة إلى المتهم الرئيسي. ملف جديد ملف آخر سار في اتجاه التخفيف، وبتت فيه الغرفة الجنائية الاستئنافية المختصة في جرائم الأموال بمراكش، في اليوم نفسه، أي الخميس ما قبل الماضي، الذي صادف 8 ماي، يتعلق برئيس المجلس الجماعي تمصلوحت المتابع بجنايتي اختلاس وتبديد أموال عمومية، إذ قضت بإدانته بسنتين حبسا في حدود سنة وموقوف التنفيذ في الباقي. وهو الملف المستأنف بعد أن قضى قرار ابتدائي صادر في يونيو 2021، بإدانة الرئيس بثلات سنوات حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها 100 ألف درهم، وفي الدعوى المدنية بعدم قبول المطالب المدنية شكلا و إبقاء صائرها على رافعيها. ونجمت القضية عن شكاية رفعت إلى النيابة العامة تتهم رئيس المجلس الجماعي لتمصلوحت بالتورط في صفقات فساد، أحيلت على قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال ليتابعه في حالة سراح بتهم اختلاس وتبديد أموال عامة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته. عقوبة مماثلة بالبيضاء في قضية مماثلة، تتعلق بجرائم تبديد المال العام، أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية البيضاء، في متم مارس الماضي، قرارها في ملف الرئيس السابق للجماعة الترابية الدروة، بإدانته بالحبس سنتين، في حدود سنة وموقوف التنفيذ في الباقي، مع غرامة نافذة قدرها 20.000 درهم وتحميله المصاريف دون إكراه، مع تسجيل عدم تقديم المجلس الجماعي للدروة لمطالب مدنية. واتهم الرئيس السابق للدروة باختلاس وتبديد أموال عمومية، بناء على ما وقفت عليه الأبحاث، إثر شكاية استندت إلى تقارير سابقة للمجلس الأعلى للحسابات وشكايات لأعضاء في المعارضة بمجلس الجماعة سالفة الذكر، همت تلاعبات في صفقات وقبول شيكات على سبيل الضمان. وهو الملف الذي كان موضوع تحقيق من قبل قاضي التحقيق بالغرفة الرابعة باستئنافية البيضاء، استمر لأشهر، ليقرر في النهاية عدم المتابعة مع إرجاع الكفالة المودعة بصندوق المحكمة إليه، وهو القرار الذي استأنفته النيابة العامة بالمحكمة ذاتها أمام الغرفة الجنحية، التي ألغت قرار قاضي التحقيق وقضت بمتابعة المتهم. وتقدم أعضاء من المعارضة في المجلس الجماعي بشكاية ضد الرئيس السابق لجماعة الدروة، بناء على تقارير للمجلس الجهوي للحسابات بشأن مراقبة التسيير الإداري والتدبير المالي للجماعة، تضمنت خروقات عديدة وإخلالا بالضوابط والقواعد، المتعلقة بالنفقات العمومية، وهي الاتهامات التي أنكرها الرئيس السابق خلال الاستماع إليه، مؤكدا أنها لا تستند على أساس قانوني. كما برر مسألة تسلم شيكات بمبالغ سندات الطلب نفسها من قبل ممونين على سبيل الضمان، بحرصه على الحفاظ على المال العام، إذ تسلم تلك الشيكات الصادرة لفائدة الجماعة وعمل على إرجاعها إلى أصحابها مباشرة بعد إنجاز الأشغال، طبقا للمواصفات المطلوبة، مؤكدا أن أعضاء في المعارضة تقدموا بشكاية في مواجهته أمام وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية ببرشيد، من أجل قبول شيكات على سبيل الضمان، صدر بشأنها قرار من محكمة الاستئناف بعد النقض قضى ببراءته. ثلاثة أسئلة: قناعة القاضي كيف تنظرون إلى الأحكام التي يعتبرها البعض مخففة، والتي تصدر في جرائم تبديد المال العام؟ أولا، لا بد من التأكيد على أن القاضي الجنائي يتمتع بسلطة تقديرية في ظل مبدأ تكامل الأدلة، ويحكم في الدعوى بناء على العقيدة التي تكونت لديه، والقانون منحه الحق في البحث عن الحقيقة، واعتماد شهادة الشهود وتقرير الخبراء واعتراف المتهم والمستندات وغيرها. ومن هنا فإن وصف الحكم بالمخفف، قد يكون مجانبا للصواب، بل على العكس من ذلك، فإن الحكم يوصف بأنه قانوني واحترم قرينة البراءة، كما أنه أدان من ثبت تورطه في الجريمة بالعقوبة المناسبة دون مغالاة، فالقاضي يخضع لسلطة الضمير وليس للتوجيهات والضغوط والمؤثرات الخارجية. لكن نرى أحكاما تصدر في المرحلة الابتدائية بعقوبات سالبة للحرية، ويتم تعديلها في مرحلة الاستئناف بوقف تنفيذ جزء منها مثلا، كيف ذلك؟ مرحلة الاستئناف تعيد نشر الدعوى من جديد، وبالتالي فإن القاضي هنا غير ملزم بالتمسك بما قضت به المحكمة الابتدائية، فله أن يزيد في العقوبة أو أن ينقص منها، ويجعل بعضها نافذا أو موقوف التنفيذ، بل له أيضا أي يقضي بالبراءة إذا اقتنع بأن المتهم يستحقها. ففي مرحلة الاستئناف تظهر أشياء جديدة ربما أغفلتها المرحلة الابتدائية، بل إن القرار الاستئنافي بدوره، قد يتعرض للتغيير حسب ما يستجد في مرحلة النقض. ماذا عن الاعتقال وضمانات المتهمين في قضايا تبديد المال العام؟ في كلمته لمناسبة افتتاح السنة القضائية، قال الوكيل العام لاستئنافية البيضاء، "لا تتم إحالة المقدمين على غرفة الجنايات إلا إذا توفرت ضدهم وسائل الإثبات الكافية للإدانة، فمن أصل 1535 أمرا بالإيداع بالسجن من قبل النيابة العامة، لم يصدر فيها أي حكم بالبراءة". وهذا يعني أن النيابة العامة تأخذ بعين الاعتبار قدسية حرية الأشخاص، وتدرس الملفات جيدا حتى تتخذ القرار المناسب لكل متهم. ويؤكد أن النيابة العامة تدرس جيدا الملفات وتتخذ التدابير اللازمة سواء بتفعيل الضمانات والمتابعة في حالة سراح أو بالإيداع في السجن. (*) محام بهيأة البيضاء