كيف تقرؤون مضامين تصريحات عبد الإله بنكيران لمناسبة فاتح ماي؟ يحاول عبد الإله بنكيران، أمين عام العدالة والتنمية، استثمار قراءة خاصة للجو العام الداخلي، إذ انتقل من فترة ردة فعل من فشل تشكيل الحكومة، تبنى خلالها خطاب المظلومية، إلى الركوب على خرجات متطرفي التطبيع، في محاولة منه لتحويلها إلى رصيد سياسي عبر مناورات تجمع بين التنصل من مواقف لطالما ساندها ضمنيا، والارتماء في حضن موجة معارضة تحظى ببعض الدعم الشعبي. وقد أفلح في تحويل الأنظار إليه والوقوف في واجهة الأحداث الراهنة لمواجهة خصوم حزبيين، معيدا وضع نفسه مدافعا عن القضايا التي تهم المغاربة وكأنه لم يكن جزءا من المنظومة التي صنعت كل القرارات إبان عشر سنوات من حكم حزبه. هل تتفقون مع الرأي القائل بأن بنكيران مازال يبحث عما يزكي به انتخابه على رأس حزب “المصباح” من جديد؟ يدرك بنكيران أن استفزاز خصومه سياسيا بأسلوبه الشعبوي نفسه سيحقق تعزيز التفاف قواعد الحزب حوله كقائد مظلوم، وتحويل هذه المظلومية إلى عائد انتخابي ملموس يمكنه من العودة إلى المشهد السياسي عبر بوابة صناديق الاقتراع، مستثمرا كل ذلك في تعزيز شعبيته وإعلاء صوته معارضا للمواقف غير الشعبية. ويعلم بنكيران أنه سيكون بديلا للتوجهات المعارضة التي تدفع في اتجاه ملتمس الرقابة، باعتباره أداة دستورية فعالة لترشيد الخطاب السياسي وتجاوز الشعبوية التي تهيمن على المشهد السياسي المعاصر. فبعيدا عن الصراعات السطحية وشعارات المزايدة، يؤسس هذا الإجراء البرلماني لثقافة المساءلة المؤسساتية التي تجبر السلطة التنفيذية على تقديم حصيلة أعمالها بالأرقام والمعطيات الموضوعية أمام ممثلي الأمة. هل تقصدون أن بنكيران يحاول نهج سياسة الهروب إلى الأمام في تعامله مع المعارضة ؟ قد ينظر إلى هذا التوجه ظاهريا آلية لإسقاط الحكومة، لكن قيمته الحقيقية تكمن في توفير فضاء عمومي للنقاش السياسي الرصين، حيث تتاح للمعارضة فرصة تقديم بدائلها البرمجية بعيدا عن الخطاب التهييجي، مع منح الحكومة فرصة الدفاع عن سياساتها استنادا إلى الحقائق والإنجازات. وبذلك، يسهم ملتمس الرقابة في الارتقاء بالممارسة الديمقراطية من مستوى الشعارات والوعود الفضفاضة إلى مستوى البرامج القابلة للقياس والتقييم، مما يعزز ثقة المواطنين في المؤسسات ويحصن المجتمع ضد خطابات الشعبوية والتضليل، فالهدف من تقديم الملتمس إحداث رجة داخل المشهد السياسي، وليس إسقاط الحكومة، لأن ذلك يتطلب أغلبية مطلقة داخل مجلس النواب لا تتوفر عليها المعارضة. لكنها تبقى آلية تُتيح للمعارضة فرصة لبلوغ تعزيز توازن المؤسسات وثقافة الديمقراطية، لتأهيل المجتمع للانخراط في أيّ عملية انتخابية بكثافة وإظهار المعارضة قوة تدافع عن حقوق المواطن. أجرى الحوار: ياسين قُطيب رشيد لزرق (رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية)