لم يأت قرار المملكة الأردنية الهاشمية بحل جماعة الإخوان المسلمين من فراغ، بل كان تتويجا لمسار طويل من الصراع مع تنظيم عرف كيف يتقن لعبة الشعارات، لكنه لم ينجح في إخفاء صلاته المريبة بالعنف والفوضى. ففي زمن صارت فيه المعارك تدور على أكثر من جبهة، اختار الأردن أن يحمي استقراره، بقرار شجاع وواضح لا يترك هامشا للالتباس. وحدها بعض الأصوات هنا وهناك، من داخل المغرب تحديدا، حاولت التشويش على هذا القرار. فئة صغيرة، مأخوذة بخطاب مستورد عبر شاشات تلفزيونية معروفة التمويل والأهداف، أرادت أن تقدم نفسها وكأنها وصية على قضايا الأمة، فيما تاريخها القريب يكشف انتقائية مريبة في اختيار معاركها. هؤلاء الذين يملؤون الشوارع تحت لافتة فلسطين، لم نرهم يوما يتظاهرون دفاعا عن مغربية الصحراء، أو تنديدا باستهداف مدنيين قصفهم الانفصاليون، بل رفعوا أعلام حزب الله في البيضاء والرباط وطنجة، ولم يرفعوا علم المغرب في السمارة. ليس صدفة أن ينظم هؤلاء مسيرات تحاصر الموانئ المغربية بناء على إشاعات، بينما يلوذون بالصمت تجاه تحالفات تركية وإسرائيلية قائمة ومستمرة، رغم كل المجازر. وليس صدفة أيضا أن تغيب عن شعاراتهم أي إشارة للعلاقات القطرية الإسرائيلية التي تتواصل رغم المحن. الأمر أبعد من نسيان أو تجاهل، إنه انتقائية تفضح أن فلسطين، في نظر هؤلاء، ليست إلا وسيلة لإشعال معارك أخرى لا علاقة لها بالقضية. تشكيكهم في إحباط الأردن لعمليات إرهابية لا يمثل سوى قلة فقدت البوصلة، ولم تعد تميز بين العدو والحليف. في المقابل، ظل المغاربة الأحرار، كما كانوا دائما، أوفياء لروح الأخوة مع الأردن، مدركين أن معركة حماية الدول من الفوضى لا تقل شرفا عن معركة تحرير الأرض. يتجاهل "الإخوانيون"، بمن فيهم فئة يسارية لا ترى في كل العالم إلا الظلام، أن الشعوب، مهما حاول البعض تضليلها، تملك دائما تلك البوصلة الفطرية التي تميز بين المواقف الصادقة وتلك التي تحركها حسابات صغيرة، ففي زمن صارت فيه القضايا الكبرى سلعة في أسواق الأجندات السياسية، لم يعد اللعب بورقة فلسطين كافيا للإرباك أو تزييف وعي الجماهير، إذ بات واضحا أن الشعارات المرتفعة، حين تفتقد للصدق، لا تصمد طويلا أمام اختبار الأحداث. الدرس الأهم أن الاستقرار والسيادة ليسا مجرد ترف سياسي، ولا ورقتين تفاوضيتين بيد من ينصبون أنفسهم أوصياء على القيم، فيما أفعالهم تفضح بعدهم عنها، فالحصانة الحقيقية للأوطان تبنى بالعقل لا بالعواطف، بالمسؤولية لا بالصخب.