لم تكن مباراة الوداد الرياضي والجيش الملكي سوى واجهة لما هو أعمق من مجرد لقاء رياضي. النتيجة؟ خسائر مادية، وسيارات مدمرة، وممتلكات عامة وخاصة أتلفت، وحجر يتطاير في كل اتجاه، ورجال أمن يواجهون مراهقين بعيون فارغة، لا يحملون أعلام الفرق بقدر ما يحملون أحقادا دفينة ومكبوتة. أي مشهد يستحق تسويقه؟ ومن المسؤول؟ ومن نجرؤ على محاسبته؟ هل كرة القدم هي فعلا السبب، أم أنها تحولت فقط إلى ذريعة للفوضى والانفجار الجماعي؟ في أوربا، كما في أمريكا الجنوبية، تقام مباريات قمة بحضور عشرات الآلاف، وأحيانا لا يخلو الأمر من بعض الانفلات، لكن الأصل هو الفرح: أسر وأطفال وشباب وكهول، يذهبون للملاعب، كما لو أنهم ذاهبون إلى مهرجان، فهناك كرة القدم ليست حربا، بل لحظة للانتماء والاحتفال، حتى حين يخسر الفريق، يعود الجمهور إلى بيته بروح رياضية. أما عندنا، فقد صار الملعب مسرحا لحرب رمزية: من جهة جيل ضائع، عالق بين أحياء مهمشة ومستقبل بلا ملامح، ومن جهة أخرى دولة تضع رجال الأمن في الواجهة وتكتفي بوضع السياج، فالمراهقون الذين اقتحموا الشوارع بعد صافرة النهاية، لم يأتوا لتشجيع فريق، بل جاؤوا ليصرخوا بأقصى ما في داخلهم من غضب، ليس لأن فريقهم خسر، بل لأنهم هم أنفسهم خاسرون في معركة الحياة. ما نشاهده في شغب الملاعب ليس مجرد انحراف مشجعين، بل هو عرض واضح لوضع اجتماعي مأزوم، فهناك شباب بلا أمل، بلا فرص، بلا صوت، وكرة القدم هي المتنفس الوحيد، لكن حين يغلق هذا المتنفس، تنفجر الرئة كلها، من تخريب الحافلة، ورمي الحجارة، إلى استفزاز الشرطة… ليست حبا في الفوضى، بل كره لصورة مجتمع لم يجدوا فيه موطئ قدم. اللوم لا يكفي، وبيانات الشجب الرسمية لا تشفي، وتنظيم أمني محكم قد ينجح مؤقتا، لكن المعضلة أعمق. نحتاج إلى إعادة النظر في علاقة الدولة بالشارع، في مفهوم "المشجع"، ودور الأندية، والبرامج التربوية، وفي إمكانية إحداث فضاءات تتيح للشباب أن يصرخوا داخل الملعب لا في وجه الحافلات. لقد سرق من الكرة معناها، وسرقت من الملاعب فرحتها، وما نراه اليوم ليس جمهورا، بل جموع غاضبة، فهؤلاء ليسوا هواة كرة، بل أبناء حي فقدوا البوصلة، والشغب ليس مرضا طارئا، إنه عرض مزمن لأزمة مجتمع لم ينجح بعد في احتضان شبابه. كرة القدم ليست هي المشكلة، لكن حين تفشل السياسة في منح المواطن فرحا بسيطا، فإنها تفسد المتعة أيضا.