عقارات مدارس ورياضات ومرافق محطة طرقية وزوايا دينية بمراكش تحولت إلى مشاريع خاصة يرتقب أن تشرع غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمراكش، خلال الأسابيع المقبلة، في عقد أولى جلسات، محاكمة متورطين في ما صار يعرف إعلاميا بتفويت أملاك الدولة، حول تفويت عقارات في ملك الدولة بأثمان زهيدة، لفائدة منتخبين ومضاربين، بعدما أنهى قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة، التحقيق التفصيلي مع المتهمين في هذا الملف المثير. واستغرقت الأبحاث التمهيدية، وكذا التحقيق الابتدائي والتفصيلي، أزيد من أربع سنوات، تم خلالها الاستماع إلى الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، باعتبارها طرفا مشتكيا، بالإضافة إلى مجموعة من المنتخبين والمسؤولين الإداريين وكذا منعشين عقاريين. إعداد: محمد العوال (مراكش) خلال فبراير 2018، تقدمت الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، من خلال رئيس مجلسها الوطني آنذك عبد الإله طاطوش، بشكاية مفصلة، حول تفويت عقارات في ملك الدولة بثمن بخس، خلال الفترة الممتدة ما بين 2016 و2018، عبر لجنة الاستثناءات التي كان يرأسها عبد الفتاح لبجيوي، الوالي الأسبق لجهة مراكش آسفي. وكشفت الجمعية، عن تواطؤ مجموعة من المنتخبين ورجال سلطة ومسؤولين ببعض المصالح الخارجية بمراكش، الذين فوتوا عقارات مملوكة للدولة بأثمان زهيدة، أو عبر إكراء متوسط الأمد في أفق تفويتها، وكان ظاهر الفعل تشجيع الاستثمار وباطنه المضاربة في تلك العقارات. ومن خلال الوثائق التي حصلت عليها الجمعية، تبين أن مجموعة من العقارات المملوكة للدولة، كان مقررا أن تحتضن مشاريع ومرافق عمومية في إطار المشروع الملكي (مراكش: الحاضرة المتجددة)، قبل أن يتم إكراؤها أو تفويتها لمنتخبين أو شركات يديرها أشخاص يقف خلفهم منتخبون استغلوا مواقعهم في المسؤولية واستعملوا سلطتهم ونفوذهم وحصلوا على هذه العقارات. مشاريع تعليمية في مهب الريح بتراب مقاطعة سيدي يوسف بن علي بمراكش، سبق للأكاديمية الجهوية للتعليم بجهة مراكش آسفي، أن قررت بناء مؤسسة تعليمية عمومية فوق عقار مملوك للدولة، ذي الرسم العقاري رقم 15145/م، تقدر بمساحته بأزيد من هكتار و2000 متر مربع. كما سبق لإدارة أملاك الدولة أن منحت موافقتها المبدئية لفائدة المشروع، غير أنه في ظروف غامضة تم منح العقار لرئيس مقاطعة بمراكش آنذاك،في إطار الكراء لمدة تسع سنوات قابلة للتمديد، من أجل إقامة محطة لتوزيع المحروقات ومطعم ومقهى وفضاء لألعاب الأطفال. المستفيد من العقار المذكور، وبمجرد حصوله على الموافقة المبدئية من قبل لجنة الاستثناءات، قام ببيع حصص من شركته المستفيدة لفائدة شخص آخر وحصل المشروع على ترخيص بالبناء، رغم أن الملف لم يستوف الشروط القانونية. مرافق المحطة الطرقية في خبر كان بمقاطعة المنارة، وتحديدا بمنطقة العزوزية، سبق للمجلس الجماعي خلال الفترة الانتدابية (2009-2015)، ان صادق على مقرر جماعي يقضي باقتناء ثلاث بقع أرضية مملوكة للدولة مستخرجة من الصك العقاري رقم 1970/م، خصصت لبناء المحطة الطرقية الجديدة للمسافرين بمنطقة العزوزية بدل محطة باب دكالة، وخصصت البقعة الثانية من أجل إقامة مرآب لوقوف سيارات الأجرة ومرافق أخرى تابعة للمحطة الطرقية، والثالثة من أجل توسيع السوق البلدي العزوزية. وقد شرع المجلس الجماعي في بناء المحطة الطرقية، قبل أن تنتهي فترة ولايته، ويتم انتخاب مجلس جماعي جديد، لتتوقف مسطرة اقتناء البقعتين سالف ذكرهما، إذ تنازل العمدة عنهما. وفي ظروف غامضة تمكنت إحدى الشركات من الاستفادة منهما، حيث قامت ببناء محطة لتوزيع المحروقات ومطعما ومقهى بالإضافة إلى فندق. ولأن أي محطة طرقية لا يمكنها أن تقوم بأدوارها كاملة دون وجود مرآب لسيارات الأجرة وغيرها من المرافق الأخرى، فقد تقدم رئيس المجلس الجماعي بطلب اقتناء بقعتين أرضيتين مملوكتين للدولة بالمنطقة نفسها، وهما جزء من الصك العقاري 1970/م، تبلغ مساحتهما أزيد من 06 هكتارات من أجل إنشاء محطة لوقوف سيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة، وسيارات النقل المزدوج وسيارات النقل السياحي، بالإضافة إلى مرافق صحية وغيرها، ما يطرح السؤال حول أسباب تنازل المجلس الجماعي عن البقعتين سالف ذكرهما، ليقوم بتقديم طلب آخر إلى إدارة أملاك الدولة من أجل إقامة المرافق نفسها، إن لم يكن الأمر يتعلق بفتح المجال أمام السماسرة والمضاربين من أجل إقامة مشاريع جور المحطة الطرقية الجديدة، علما أن لجنة الاستثناءات منحت المجلس الموافقة المبدئية في غياب موافقة إدارة أملاك الدولة، والتي رفضت حينها الموافقة على المشروع، تحت ذريعة أنها لم تحضر لجنة الاستثناءات التي منحت الموافقة المبدئية للمشروع من جهة، ولأن الملف لم يتم إيداعه لدى الشباك الوحيد إلا بعد مرور أزيد من ستة أشهر على حصوله على الموافقة المبدئية كما ينص على ذلك القانون. وبمنطقة تاركة، تم تفويت العقار المملوك للدولة ذي الرسم العقاري 5938/م، لفائدة احدى الشركات، بثمن زهيد لا يتعدى 620 درهما للمتر المربع الواحد، في منطقة يتجاوز فيها سعر المتر المربع الواحد 10 آلاف درهم، وذلك من أجل تشييد تجزئة سكنية (فيلات فاخرة)، وهو المشروع الذي تمت المصادقة عليه من قبل لجنة الاستثناءات. مسلسل التفويت لا يتوقف وكشفت الأبحاث المنجزة، أنه سبق للمجلس الجماعي السابق، وبتنسيق مع مصالح ولاية جهة مراكش آسفي، أن وافق على إعادة تأهيل طوالة بوعشرين، الرابطة بين حي الملاح وحي رياض الزيتون، حيث توجد المعلمة التاريخية الباهية، إذ جرى الاتفاق على إعادة ترميم وتأهيل الرياض التاريخي المعروف بـ"دار زنيبر" أو "بيرو زنيبر"، وهو رياض يعود تاريخ بنائه إلى القرن التاسع عشر، وهو مصنف ضمن التراث الوطني، غير أنه بعد انتخاب مجلس جماعي جديد، و في ظروف غامضة تم منحه لفائدة إحدى الشركات، في إطار الكراء متوسط الأمد والقابل للتجديد، وذلك من أجل إقامة مطعم، علما أن الممثل القانوني للشركة الحائزة على العقار، تكرر ذكره في أكثر من ملف أمام لجنة الاستثناءات واستفاد من العديد من العقارات المملوكة للدولة خلال الفترة الممتدة ما بين 2016 و2018. ورغم أن الرياض المذكور، وضعته إدارة أملاك الدولة منذ النصف الثاني من ستينات القرن الماضي رهن إشارة وزارة الثقافة، إلا أنه في ظروف غامضة تم منحه للشركة السالفة الذكر، علما أنه كان مبرمجا في إطار مشروع"مراكش.. الحاضرة المتجددة، لتحويله إلى فضاء ثقافي وفني. نصيب الحوز من التفويتات ولم تتوقف آلة تفويت العقارات المملوكة للدولة في حدود مدينة مراكش بل امتدت إلى إقليم الحوز، حيث وضعت إدارة أملاك الدولة رهن إشارة احدى الشركات التي سبق وأن استفادت من العقار المملوك للدولة الكائن بمنطقة تاركة بمقاطعة المنارة، حيث وافقت لجنة الاستثناءات على مشروع للشركة، فوق العقار المملوك للدولة بتراب الجماعة القروية أغواطيم بإقليم الحوز، ذي الصك العقاري 4301/م، والبالغة مساحته حوالي خمسة هكتارات، وذلك من أجل إنشاء محطة لتوزيع المحروقات ومطعم ومقهى ونزل، وذلك في إطار كراء العقار لمدة تسع سنوات، علما أن المكتب الوطني للكهرباء سبق أن حصل على الموافقة المبدئية من أجل إقامة مشروع محطة لتوليد الكهرباء الشريفية" بعقار يخترق العقار الممنوح للشركة المذكورة، ليتبخر مشروع محطة توليد الكهرباء ، وهو المشروع الذي من شأنه أن يزود إقليم الحوز وجزءا كبيرا من مدينة مراكش بالطاقة الكهربائية اللازمة، وقد خصص له غلاف مالي قدره حوالي 24 مليار سنتيم، حينها من طرف المكتب الوطني للكهرباء آنذاك. لم يتوقف جشع المضاربين والسماسرة عند حدود أملاك الدولة، بل تعداه إلى الأراضي الحبسية ذات الرمزية الدينية والصوفية، نظير جنان الولي الصالح سيدي بلعباس، أو ما يعرف في وثائق نظارة الأوقاف بجنان الشيخ، حيث صادقت لجنة الاستثناءات على إقامة مشروع على مساحة تقدر بحوالي 10 هكتارات من الأملاك الحبسية بجنان سيدي بلعباس، وهو المشروع المتمثل في محلات تجارية و مطاعم ومقاه وفضاءات للألعاب، وذلك بسومة كراء لا تتعدى 33 مليون سنتيم سنويا. بعد انتهاء مسطرة البحث التمهيدي، أحيل الملف على الوكيل العام، الذي قرر إحالة مجموعة من المتهمين من بينهم منتخبون، على قاضي التحقيق، ملتمسا منه إجراء تحقيق مع عشرة متهمين من أجل جنايات تبديد أموال عامة موضوعة تحت يد موظف عمومي بمقتضى وظيفته والمساهمة في تزوير محررات رسمية، واستعمال محررات رسمية مزورة وتلقي فائدة عقد، والمشاركة في تلقي فائدة عقد، والمشاركة في تبديد أموال عامة، كل حسب المنسوب إليه. طاطوش: هؤلاء تواطؤوا.. أكد عبد الإله طاطوش، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المال العام بالمغرب، أن قضية تفويت أملاك الدولة هي فضيحة مدوية تكشف عن مدى التواطؤ بين بعض المنتخبين ورجال السلطة، ومسؤولين في الإدارة، الذين استغلوا مواقعهم لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المال العام. وأضاف طاطوش في تصريح لـ "الصباح"، أن ما يثير القلق في هذا الملف هو التفويتات المشبوهة التي تمت بأثمان زهيدة، والتي كان من المفترض أن تستخدم في مشاريع ذات منفعة عامة، مثل التعليم والصحة والمرافق العمومية، في إطار مشروع "مراكش.. الحاضرة المتجددة"، مضيفا أن ما جرى ليس مجرد إخلال بالقانون، بل جريمة في حق المواطنين، الذين تم حرمانهم من الحق في الاستفادة من هذه العقارات لأغراض تنموية.