كلميـم وادنـون… مخـاض الإقـلاع

أضحت جهة كلميم وادنون ساحة صراع سياسي محتدم، إذ تحولت دورات مجلسها الجهوي إلى منصات للتراشق بالاتهامات بين المعارضة ورئيسة المجلس، في مشهد يعكس حالة التوتر التي تخيم على تدبير الشأن الجهوي، فبين اتهامات المعارضة بـ»تبذير المال العام وسوء التسيير»، ومحاولات الرئيسة القفز على هذه الانتقادات باعتبارها مجرد «معارضة فارغة»، يجد المواطن نفسه أمام تساؤلات حارقة حول مصير الميزانيات الضخمة المخصصة للجهة، والتي لم تنعكس بعد على أوضاع أقاليمها الأربعة، وسط مطالب متزايدة بتفعيل آليات الرقابة والمحاسبة لوضع حد لحالة الاحتقان السياسي القائمة. إنجاز: عبد الجليل شاهي (أكادير) تواصل الصراعات السياسية وأجواء التوتر فرض هيمنتها على دورات مجلس جهة كلميم وادنون، إذ باتت المشاحنات والملاسنات بين الأعضاء سمة ثابتة لكل دورة عادية، ولم تكن دورة مارس استثناء، إذ تفجرت مجددا الاتهامات الموجهة إلى الرئيسة والمكتب المسير بشأن تدبير الأموال العمومية، ولا سيما دعم جمعية «جهات المغرب» التي ترأسها، إلى جانب نقاش حاد حول ملعب كرة القدم. وفي مواجهة هذه الانتقادات، اعتبرت الرئيسة أن ما يتداول ليس سوى معارضة شعبوية تسعى إلى تشويه الحقائق، مؤكدة عدم وجود أي تبديد للمال العام أو اختلالات مالية، بل على العكس، شددت على وجود نجاعة واضحة في التسيير، مقرونة بتوجه سياسي طموح لدفع عجلة الاستثمار والتنمية، غير أن هذه التصريحات لم تطفئ نيران الجدل، بل زادت من سخونة المواجهات السياسية داخل المجلس، ما يثير تساؤلات جوهرية حول خلفيات هذه الصراعات، ومدى تأثيرها على مسار التنمية بالجهة. "المعاطية" قبل التنمية خرج محمد أبودرار، عضو مجلس الجهة عن فريق المعارضة، بعد دورة مارس بتصريحات أثارت الدهشة والقلق، فقد طالب بعزل والي جهة كلميم وادنون و رئيسة المجلس، مؤكدا أن الوضع الراهن يستدعي تدخلا عاجلا، وقال: « أدعو وزير الداخلية إلى فتح تحقيق فوري في الخروقات التي تشهدها جهة كلميم وادنون، وخاصة في ما يتعلق بما أثير اليوم حول تحويل مالي لجمعية دون وجود اتفاقية قانونية رسمية، وقد سبق أن ناقشنا هذه النقطة في الدورة السابقة، وكنا ننتظر من الوالي أن يمتنع عن التأشير على الميزانية، إلا أنه وقع عليها، مما يعد تواطؤا واضحا مع الخروقات، وهو ما يضر بمصداقية المؤسسات ويضرب في الصميم شرعية هذه التصرفات، وبالتالي، فإننا نطالب بفتح تحقيق شامل وفوري، لأن هذا يشكل خرقا قانونيا صارخا لا يمكن السكوت عنه.» وأضاف أبودرار، على الرغم من أن جدول أعمال الدورة يبدو عاديا، إلا أن هناك نقطتين أساسيتين تتطلبان التوقف عندهما، أولا، الاتفاقية المتعلقة بميناء مير اللفت التي تعد خطوة إيجابية للغاية بالنظر إلى أهميتها الاستراتيجية في تعزيز التسويق الترابي، لكن، النقطة الثانية تثير الكثير من التساؤلات، وتخص مشروع الملعب الذي يعد مثالا صارخا للعبث، فقد سبق للمجلس أن أبرم اتفاقية بشأن هذا المشروع، ورغم ذلك تعود الجهة الآن لتعيد المشروع نفسه بتكلفة ضخمة تصل إلى 25 مليار سنتيم، فهل حقا لدينا فائض مالي يبرر هذا العبث؟ كيف يعقل أن يقوم مجلس جماعة كلميم بإبرام اتفاقية منذ فترة طويلة، ثم لا تنفذ، لتعود الجهة وتكرر الاتفاقية نفسها. وتابع أبودرار ، الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن حيثيات الاتفاقية تثير استغرابا أكبر، إذ تم تمويل المجلس لهذا المشروع بمبلغ 25 مليار سنتيم، في حين يمنح المشروع ملكية كاملة للجامعة التي ستتولى تسييره دون أن تساهم بمبلغ مالي يذكر، ما يعكس نوعا من التفريط في المال العام. بمعنى آخر، ستدخل الجامعة كشريك بصفر درهم، بينما يتحمل المجلس جميع التكاليف، بل أكثر من ذلك، ستؤول ملكية المشروع إليها، وهذا يعد خرقا قانونيا فاضحا، لأن العقار مملوك للجماعة ولا يمكن التفريط فيه بهذه الطريقة.» وختم أبودرار تصريحاته بالتأكيد على أن ما يجري يعكس تخبطا وسوء تسيير واضح، وقال: «للأسف، يبدو أن هناك جهلا بالقوانين، وإلا لما تم تمرير اتفاقية كهذه، الأموال التي يتم العبث بها هي أموال أبناء وادنون، ومن حقهم أن يحاسب كل من يتلاعب بها، ما يحدث الآن هو قمة الفوضى الإدارية، ورغم أننا أشرنا إلى هذه المشاكل مرارا، فإن رئيسة الجهة ومن يديرونها يتحصنون بأغلبيتهم داخل المجلس وخارجه، والمؤسف أن المسؤولية في النهاية تقع على عاتق أعضاء المجلس الذين لا يمكنهم أن يظلوا مكتوفي الأيدي، يرفعون أيديهم في التصويت دون إدراك خطورة ما يجري، المصيبة الحقيقية تكمن في مثل هذه الاتفاقيات التي تكرس سوء التدبير وتهدر المال العام». معارضة شعبوية أكدت مباركة بوعيدة، رئيسة جهة كلميم وادنون، أن مساهمة مجلس الجهة في تمويل جمعية جهات المغرب لا تشكل أي حالة تناف، بل تأتي في إطار المسؤولية الملقاة على عاتق رؤساء الجهات لضمان تحقيق أهداف الجمعية وتعزيز عمل المجالس الجهوية، وأضافت، أن المجلس ملتزم بالشفافية في جميع الإجراءات المتعلقة بتمويل الجمعية أو التعاون معها. وأوضحت بوعيدة أن جمعية جهات المغرب تعد مؤسسة داعمة للجهات، تضطلع بدور أساسي في تعزيز الجهوية المتقدمة من خلال التأطير والمرافعة عن القضايا الجهوية الكبرى، وهو ما يستدعي التزام جميع المجالس الجهوية بالمساهمة في صندوق دعم الجمعية، لضمان استفادة الجهات من التكوينات والدراسات والدعم التقني الذي توفره. وأكدت أن الهدف الأساسي من دعم الجمعية يتمثل في تعزيز قدرات المجالس الجهوية في التسيير والارتقاء بمستوى التدبير الترابي، بما يحقق تنمية متكاملة ومتوازنة بين مختلف جهات المملكة، كما أشارت بوعيدة إلى أن مشروع بناء ملعب بمدينة كلميم يندرج ضمن الدينامية الوطنية المرتبطة باستضافة المغرب لبطولة كأس العالم 2030، وأكدت أن هذا المشروع يندرج في إطار الاستثمار في البنية التحتية الرياضية وفق معايير دولية، بما يتيح للمنطقة فرصة المشاركة في هذه التظاهرة العالمية بشكل مباشر أو غير مباشر. وشددت على أن الجهة ليست المخولة لتحديد الميزانية المرصودة لهذا المشروع، إذ أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والوزارة الوصية هما الجهتان المسؤولتان عن تحديد المبلغ المخصص لإنجازه، والذي يقدر بحوالي 250 مليون درهم. كما أشارت إلى أن الخرجات المحسوبة على المعارضة ضد شخص رئيسة الجهة وضد عمل مجلس الجهة بصفة عامة أصبحت مألوفة، وأظهرت أن جميع الملفات التي تروجها هي من أجل المعارضة الفارغة والشعبوية التي تسعى لتغليط الرأي العام عن نوعية الصفقات وتفاصيلها وتبخيس العمل الكبير الذي يقوم به المجلس الجهوي. وأبرزت بوعيدة، أن مجلس الجهة يبذل كل ما في وسعه من أجل إنجاز البرامج والمشاريع التي تدخل ضمن اختصاصاته سواء الذاتية أو المشتركة، مؤكدة أن المجلس يسعى من خلال هذه الاتفاقيات والمشاريع في الدورات العادية إلى ملامسة بعض القضايا التي تشغل بال الرأي العام الجهوي والتي ستعالج موضوعات ذات بعد اجتماعي واقتصادي وتنموي. محاولات الإقلاع اعتبرت مباركة بوعيدة، رئيسة جهة كلميم وادنون، أن الحصيلة المرحلية لمنجزات مجلس الجهة في هذه الولاية إيجابية جدا، وأضافت أن الأرقام تتحدث عن نفسها، من خلال الاتفاقيات والمشاريع المدرجة في البرنامج التعاقدي بين الدولة والجهة، بالإضافة إلى برنامج التنمية الجهوية والمشاريع الكبرى التي تشارك فيها الجهة. وأوضحت أن الإنجازات باتت واقعا ملموسا على الأرض، فهناك أكثر من 40 اتفاقية منجزة، وأكثر من 79 اتفاقية في طور التنفيذ، مما يعكس حجم الجهود المبذولة وتشمل هذه الحصيلة مختلف القطاعات التي تهم الجهة، سواء في المجال الاقتصادي أو البنية التحتية أو تعزيز الجاذبية الاستثمارية، وأضاغت «هذه المحاور تمنحنا جميعا تفاؤلا كبيرا بمستقبل الجهة، التي نتطلع لأن تصبح، وجهة عالمية بفضل المشاريع الدولية المبرمجة والاستثمارات العمومية والحكومية، إلى جانب مساهمة المجالس المنتخبة». كما كشفت بوعيدة، أن «الجهة تعمل على تعزيز جاذبيتها الاقتصادية من خلال توفير المناخ الملائم لاستقطاب الاستثمارات الكبرى، مما سيسهم في توفير فرص شغل جديدة، كما تنخرط الجهة في برامج لدعم المقاولات الصغرى والصغرى جدا، نظرا لمعدلات البطالة المرتفعة التي تعاني منها، والتي تعد من بين الأعلى على المستوى الوطني. ورغم تراكم العديد من المشاكل، إلا أننا اليوم على الطريق الصحيح لتحقيق نهضة حقيقية تستجيب لمتطلبات الجهة وسكانها». وأشارت، على مستوى البنية التحتية، إلى أن الجهة رصدت ميزانية تفوق 1.6 مليار درهم لبرامج التأهيل الحضري، وما زالت هناك مشاريع قادمة، أما في القطاع الصحي، فقد تم استثمار أكثر من 500 مليون درهم لتحسين الخدمات الصحية، وهو قطاع حيوي يعاني تحديات كبيرة في الجهة، وتابعت» نحن اليوم في منتصف الولاية، ونتطلع بحلول 2027 إلى عقد لقاء آخر، حيث نأمل أن يكون 90% من المشاريع قد خرجت إلى حيز التنفيذ، وإن أمكن 100%، لأن السكان يستحقون المزيد من الخدمات والمشاريع التنموية. وبخصوص المشاريع في إقليم طانطان، "لا يوجد أي تأخير، بل على العكس، فإن برنامج التأهيل الحضري خصص أكثر من ثلث ميزانيته، أي 400 مليون درهم لهذا الإقليم، إذ تعتبر طانطان أول مدينة انطلقت فيها مشاريع البرنامج، حيث تم الإعلان عن طلبات العروض، مما يعني أن التنفيذ بدأ فعليا وليس مجرد دراسات، كما يحظى إقليم طانطان بعناية خاصة، من قبل الجهة والمجلس الجهوي، نظرا للتفاوت الذي كان يشهده على مستوى التأهيل الحضري، مقارنة بباقي المدن، واليوم، فإن أغلب المشاريع في الإقليم دخلت مرحلة التنفيذ، ومنها تأهيل الأحياء الناقصة التجهيز، وكذلك إنشاء منطقة الأنشطة الاقتصادية في الوطية، والتي سيكون لها أثر كبير في توفير فرص الشغل. إضافة إلى ذلك، تستعد الجهة لإطلاق مشروع تحلية مياه البحر لسقي 5000 هكتار، وهو مشروع إستراتيجي سيعزز الأمن المائي والفلاحي، كما يجري العمل على توفير مناطق صناعية مهيأة لدعم المستثمرين، مع منح تحفيزات تصل إلى 40% لتشجيع الاستثمار، أما في مجال التكوين، فنحن نعمل على ربط التكوين بسوق الشغل، خصوصا في القطاعات الواعدة، مثل الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر والهندسة، لضمان تأهيل الشباب ومواكبة المتطلبات المستقبلية. الوالـي: كفـى مغالطـات اضطر الناجم أبهاي، والي جهة كلميم وادنون، إلى التدخل خلال أشغال دورة مارس العادية، لوضع حد لما وصفه بالمغالطات والتجاوزات التي انحرفت بالنقاش عن مساره الموضوعي، وقال أبهاي، «لم يكن بودي التدخل، لكن كما تعلمون، وعلى غرار الدورة السابقة، أؤكد لك، السيد أبودرار، أنك كعضو محترم تدرك جيدا أنني على دراية تامة بمهامي واختصاصي، ولست بحاجة إلى نصائح أو توجيهات، أنا مسؤول وأعي حجم هذه المسؤولية، ولن أقبل أن يكون عملي محط تأويلات خاطئة أو مزايدات مغرضة، مشيرا إلا أن المعارضة حق مكفول وضروري في كل الاجتماعات، شريطة أن تكون بناءة وهادفة، لا أن تتحول إلى تعد على الاختصاصات، وهذا ما لن أسمح به مستقبلا». وفي سياق رده على الادعاءات، التي روجت بأن الاتفاقية الموقعة أمام جلالة الملك محمد السادس لم تحقق أي إنجاز، شدد والي الجهة على أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، فالمستشفى الجامعي، الذي استشهد به كمثال، بلغت نسبة إنجازه 77%، كما أن الجناح المخصص للتمريض فتح أبوابه بالفعل العام الماضي، وهو جزء من المنشآت المبرمجة ضمن هذه الاتفاقية.» أما بخصوص التساؤلات حول قطاع التعليم في إطار الاتفاقية نفسها، فقد فند أبهاي أي تشكيك في سير المشاريع، مؤكدا أن «نسبة الإنجاز بلغت 98% وفق التقارير الرسمية، ومن الضروري تحري الدقة قبل إصدار أحكام متسرعة أو ترويج معطيات غير دقيقة، مجددا التأكيد على أن النقاش الجاد والمسؤول هو وحده القادر على تقويم المسار، بعيدا عن المناورات السياسية أو التشويش على الحقائق.

كلميـم وادنـون… مخـاض الإقـلاع

تسابق الزمن نحو الاستثمار والتنمية والمعارضة ترفع راية التبذير وسوء التسيير

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خاديري: مكانة الرجاء بالقسم الأول

ضبط‭ ‬جزائري‭ ‬يروج‭ ‬المخدرات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات