“كنوبس” و”سينيسيس”… سوء الفهم الكبير

إكراهات تنزيل مقتضيات قانون الحماية الاجتماعية تصطدم بالإصرار على الحفاظ على الامتيازات اضطرت الحكومة في آخر لحظة إلى سحب مناقشة مشروع القانون رقم 54-23، المتعلق بحل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس) وإدماج منخرطيه في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من جدول اجتماعها الأخير، بعدما هددت المركزيات النقابية، خاصة الاتحاد المغربي للشغل، برفضه، ما لم يتم اعتماد المقاربة التشاركية في إعداد هذا النص التشريعي، الذي يأتي تنزيلا لمقتضيات القانون الإطار، المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية. ويتخوف منخرطو منظمات الاحتياط الاجتماعي من فقدان الامتيازات التي يستفيدون منها، مقارنة بالخاضعين لنظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في حين أن الحكومة تستحضر إكراهات تنزيل ورش الحماية الاجتماعية والحفاظ على استدامة منظومة التغطية الصحية. البعد المالي لعملية الإدماج الإصلاح يهدف إلى ضمان التوازنات وامتصاص العجز واستدامة المنظومة علقت الحكومة مناقشة مشروع القانون رقم 54-23، المتعلق بحل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس) وإدماج منخرطيه في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وكان مقررا أن تتم دراسته والمصادقة عليه في المجلس الحكومي الأخير، قبل أن تنتفض النقابات وتطالب بسحبه، متهمة السلطة التنفيذية بعدم اعتماد المقاربة التشاركية في إعداد المشروع، ما دفع الحكومة إلى التريث قليلا وتأجيل مناقشة المشروع إلى حين إيجاد أرضية متفق بشأنها من المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية لتفادي أي تشنج مع التمثيليات النقابية، الذي يمكن أن يؤثر على العلاقة بين الطرفين، قبل الدخول السياسي المقبل، الذي سيدشن بافتتاح الدورة الخريفية في الجمعة الثانية من أكتوبر. سحب مؤقت هل ستسحب الحكومة مشروع قانون 54-23، بشكل نهائي؟ سؤال يطرحه عدد من المعنيين بهذا الإصلاح، إذ من المؤكد أن سحب هذا النص التشريعي مؤقت إلى حين التشاور مع الفرقاء الاجتماعيين لضمان مروره في ظروف جيدة دون أي احتقان اجتماعي. لذا، فإن الحكومة تحرص على تلطيف الأجواء، خاصة أن هناك نصوصا أخرى تتطلب التجاوب الفعال والإيجابي للنقابات معها، مثل مشروع القانون التنظيمي للحق في الإضراب والإصلاحات والتعديلات، التي تعتزم السلطة التنفيذية إدراجها في مدونة الشغل لضمان مرونة أكثر في العلاقة بين المشغل والأجير. وتتطلب كل هذه النصوص تجاوبا إيجابيا من النقابات لضمان مرورها بسلاسة دون التسبب في توترات اجتماعية. إدماج حتمي يدخل مشروع القانون 54-23، الذي تعتزم الحكومة وضعه على سكة المسطرة التشريعية في إطار تنزيل مقتضيات القانون الإطار رقم 09.21، المتعلق بالحماية الاجتماعية، الذي ينص في المادة 15 منه على أن تسهر السلطات العمومية على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتعميم الحماية الاجتماعية، من خلال اعتماد هيأة موحدة لتدبير هذه الأنظمة. ويأتي هذا النص ليعتمد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هيأة موحدة لتدبير هذه الأنظمة، ما أثار حفيظة النقابات المدافعة عن مصالح منخرطي الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، الذين يتوجسون من أن يفقدوا الامتيازات المالية التي يستفيدون منها، المتمثلة في نسب التعويضات المرتفعة، مقارنة بما هو معمول به في ما يتعلق بمنخرطي الضمان الاجتماعي. وسيؤدي اعتماد مشروع القانون، بطبيعة الحال، إلى حل صندوق "كنوبس»، وإلحاق أصوله وكل منخرطيه بصندوق الضمان الاجتماعي، ما يطرح الاستفهام لدى التمثيلية النقابة حول ما إذا كان المحولون من نظامهم سيحافظون على امتيازاتهم، وهو أمر مستبعد، لأن ذلك سيطرح إشكالية دستورية متمثلة في مبدأ سواسية المغاربة أمام القانون، إذ لا يمكن لمنخرطين ينتمون لهيأة موحدة أن يتقاضوا تعويضات مختلفة. وفي هذه الحالة، يطرح سيناريوهان، الأول يقضي بتطبيق المقتضيات المعمول بها، حاليا، في صندوق الضمان الاجتماعي، على الملتحقين الجدد، ما من شأنه أن يقابل بالرفض من قبل النقابات، في حين يتمثل السيناريو الثاني في رفع تعويضات منخرطي الضمان الاجتماعي لتتساوى مع ما كان معمولا به في نظام الصندوق المنحل، وفي هذه الحالة، تطرح إشكالية ديمومة النظام، بالنظر إلى التكلفة المالية الباهظة لهذا الخيار. لدا، فإن الحل لتجاوز الأزمة يكمن بين إيجاد المعادلة المطلوبة لضمان التوازن وبين المطالب الاجتماعية المشروعة وضمان التوازنات المالية المطلوبة لضمان استدامة النظام. لكن من المؤكد أن عملية الإدماج خيار لا مناص منه، لتنزيل مقتضيات القانون الإطار، المتعلق بتعميم التغطية الاجتماعية. إكراهات الاستدامة يعتبر إدماج "كنوبس» في صندوق الضمان الاجتماعي أمرا ضروريا، لضمان حسن تدبير المنظومة بتوحيد المتدخلين في المجال، وضمان تدبير فعال للمخاطر المالية، علما أن وضعية الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي مقلقة، ولا يمكن في ظل الوضع الحالي ضمان استدامة النظام، بالنظر إلى أن عدد المنخرطين يظل محدودا، لعدم وجود إمكانيات لتوسيع قاعدة المنخرطين، لأن التشغيل بالقطاع العمومي يظل محدودا، في حين أن عدد المحالين على التقاعد في ارتفاع متواصل، مع ما تتطلبه هذه الفئات من تغطية صحية، لأنه مع التقدم في السن تكثر المشاكل الصحية، مع ما يعني ذلك من ارتفاع لتكاليف العلاج وتأثير ذلك على التوازنات المالية واستدامة النظام، الذي يقترب حاليا من تسجيل عجز مالي. بالمقابل، فإن الوضعية المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تظل أحسن نسبيا، إذ أن حسابات المؤسسة تشير إلى فائض بالملايير، ما يجعل من دمج الصندوقين في هيأة موحدة حلا لضمان استدامة المنظومة، ولو إلى حين. وهكذا، فإن توحيد النظامين يمكن أن يكون في صالح منخرطي الصندوق الوطني لمنظمة الاحتياط الاجتماعي، الذي يعاني صعوبة مالية، يمكن أن تتفاقم إذا لم يتم الإسراع في مباشرة الإصلاحات المطلوبة. عبد الواحد كنفاوي ينبغي محو الفوارق < أخدا بعين الاعتبار السياق العام، أعتقد أن توحيد هيآت تدبير الحماية الاجتماعية في صندوق واحد، أملته عدة عوامل قانونية وتدبيرية، وآليات الحكامة لتأمين استمرارية وديمومة النظام، من خلال المادة 15 من مقتضيات القانون الإطار رقم 21.09 المتعلق بالحماية الاجتماعية بشقيها، التأمين الإجباري الأساسي عن المرض والتقاعد الذي نص على اعتماد هيأة موحدة لتدبير هذه الأنظمة. وبناء على مقتضيات القانون الإطار سيصبح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الهيأة الوحيدة المدبرة لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، ولا يشمل فقط أجراء وعمال القطاع الخاص، بل أيضا فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء، إضافة الى الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الإشتراك والذين كانوا يستفيدون سابقا من نظام «راميد». < الإشكالية الكبرى والمعقدة التي يعانيها نظام الحماية الاجتماعية بالمغرب هي الفوارق والتفاوتات سواء في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض أو في معاش التقاعد، ويتعلق الأمر بنسب المساهمات أو التعويض واسترجاع مصاريف العلاج أو معاشات التقاعد، بعضها يحتكم الى نظام التوزيع والبعض الأخر للرسملة، فضلا عن تسقيف قاعدة احتساب قيمة معاش التقاعد في 6000 درهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، هذا إضافة إلى أن مؤسستي الضمان الاجتماعي و»كنوبس» عرفتا فضائح فساد وتبذير لأموال المنخرطين ما قبل سنوات التسعينات، وكانت أيضا بمثابة صناديق سوداء مما عرضها للإفلاس. أما بخصوص التأمين الإجباري الأساسي عن المرض فالفرق واضح بين «كنوبس» والضمان الاجتماعي، سواء في نسب الإشتراكات أو استرجاع مصاريف العلاج أوعلاج الأسنان ... لذلك فمطلبنا في المنظمة الديمقراطية للشغل، هو توحيد نسب المساهمات ونسب التعويض واسترجاع مصاريف العلاج والدواء، في أقل من شهر والتحمل المسبق للعلاجات والتشخيص من قبل صندوق التأمين الصحي ومحو هذه الفوارق بين «كنوبس» والضمان الاجتماعي على أساس تغطية 90 في المائة للخدمات العلاجية العادية و100 في المائة بالنسبة إلى الأمراض المزمنة والمكلفة واعتماد سعر الدواء أصليا أم جنيسا حسب الوصفة الطبية، و إدماج جميع الأدوية المسموح ببيعها في المغرب حسب القانون 17.04 بمثابة مدونة الأدوية والصيادلة، وغير ذلك من المطالب. < موقفنا يتماشى مع موقف المركزيات النقابية في ضرورة احترام المادة 3 من القانون الإطار، التي تنص على مبدأ المشاركة من خلال انخراط كل المتدخلين في السياسات والإستراتيجيات والبرامج المتعلقة بالحماية الاجتماعية. وبالتالي على الحكومة إشراك أهم مكون لنظام التأمين الصحي بالمغرب، أي التعاضديات، في بلورة أي قانون يستهدف توحيد هيأة تدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وإخراج قانون التعاضد رقم 109 .12 بمثابة مدونة التعاضد من رفوف البرلمان وعرضه مجددا على التعاضديات والفرقاء الاجتماعيين والمركزيات النقابية لملاءمة الإطار التشريعي والتنظيمي لقطاع التعاضد الذي يرجع تاريخه إلى 1963 لتعزيز وتقوية دور التعاضديات على أخطار المرض، وغير ذلك من المطالب لتحقيق العدالة في نسب الاشتراكات واسترجاع المصاريف بالنسبة إلى جميع المنخرطين. أجرى الحوار: المصطفى صفر الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل صراع في "الشكليات" الحكومة والمركزيات تتفق في العمق على توحيد أنظمة الحماية الاجتماعية وتختلف في الجزئيات عادت الحكومة، ممثلة في وزارتي المالية والاقتصاد والصحة والحماية الاجتماعية، خطوة إلى الوراء، بخصوص مشروع إحداث هيأة موحدة لتدبير نظام التأمين الإجباري عن المرض تدمج الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي. واعتقدت الحكومة أن مصادقة مجلس البرلمان على القانون الإطار 21-09 المتعلق بالحماية الاجتماعية، يمنحها "بطاقة بيضاء" من أجل تغيير وتعديل جميع القوانين السابقة ذات الصلة، ضمنها القانون رقم 65.00 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض وتعويضه بمشروع قانون جديد رقم 54.23 يقضي باعتماد هيأة تدبير واحدة لأنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بهدف ضمان التقائية مختلف أنظمة الحماية الاجتماعية. وقررت الحكومة، الخميس الماضي، تأجيل الدراسة والمصادقة على مشروع القانون الجديد، تحت الضغط الذي مارسته النقابات الأكثر تمثيلية ونقابات أخرى، الذي ذكرت بأن جميع التعديلات والتغييرات والفصول والتفاصيل يجب بالضرورة أن تمر من قناة الحوار الاجتماعي، والتوافق حولها، قبل عرضها على المؤسسات الأخرى، بما فيها مؤسسة مجلس الحكومة. واستندت الوثيقة التقديمية لمشروع القانون في ديباجتها على المادة 15 من القانون الإطار 21-09 المتعلق بالحماية الاجتماعية المصادق عليه في مجلس النواب في 15 مارس 2021. وتأتي هذه المادة في إطار التنصيص على آليات الحكامة في منظومة الحماية الاجتماعية، ومن ذلك "سهر السلطات العمومية على اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع إطار للحكامة يمكن من ضمان التقائية مختلف أنظمة الحماية الاجتماعية، سيما من خلال اعتماد هيأة موحدة لتدبير هذه الأنظمة". واعتبرت الحكومة أن هذه المادة كافية للمرور إلى الخطوات اللاحقة دون استشارة النقابات وممثلي التعاضديات بالقطاع العام، واختيار الصيغة التي ستدمج بهما أكبر مؤسستين في منظومة الحماية الاجتماعية، وهما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، قبل أن يظهر أنها على خطأ وتراجعت خطوة إلى الوراء. في المقابل، ركزت أغلب انتقادات المركزيات النقابية على نقطتين أساسيتين: هي الاستهتار بمؤسسة الحوار الاجتماعي التي أوصى جلالة الملك في عدد من خطبه باحترامها، وثانيا، بمصير ملايين المنخرطين في الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي الذين سيجدون أنفسهم في نظام يحرمهم من عدد من المكتسبات والحقوق. ولم تقتصر إلاحتجاجات على نقابات المعارضة (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، ونسبيا الاتحاد المغربي للشغل)، بل وصلت إلى نقابة موالية لحزب مشارك في الحكومة، عبر قلقها من المنهجية المتبعة من قبل الوزيرة والوزير المكلفين بالمالية والصحة. وفي هذا الصدد، تحدثت خديجة الزومي، نائبة برلمانية وقيادية في نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، إلى الصحافة، مؤكدة أن "المنطق يستدعي قبل خطوة صياغة مشروع القانون أن يكون هنالك حوار اجتماعي يتم فيه تقديم توضيحات وضمانات على أن الإصلاح ليس تنازليا ولا يهدف إلى التراجع عن العديد من الخدمات". وأضافت الزومي، أن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب "يرحب بتوحيد الخدمات الصحية، شرط أن يكون إصلاحا تصاعديا وليس تنازليا"، مشيرة إلى أن "الحكومة كان عليها أن تنتظر حتى بداية الحوار الاجتماعي من أجل طرح هذا الموضوع". والمرجح أن الحكومة ستعمل بنصيحة الزومي، وتؤجل كل شيء إلى حين إدراج المشروع المثير للجدل في جدول أعمال أول جلسة مركزية للحوار الاجتماعي، لتبادل وجهات النظر، مع أمل قليل في حدوث أي تراجع في صلب القرار، أي إحداث هيأة موحدة لتدبير نظام التأمين الإجباري عن المرض. يوسف الساكت

“كنوبس” و”سينيسيس”… سوء الفهم الكبير

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بويميد... قلم حاد وريشة ساخرة

"الرياشة"... رهانات عشوائية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات