ظهير 1958 تبنى قواعد منظمة له معمول بها اليوم في أرقى الدول الديمقراطية عبد الكبير طبيح* قال أحد الفلاسفة عن العفو: إذا كان العفو عادلا فالقانون سيء، وإذا كان القانون عادلا فالعفو هو انتهاك للقانون. في الحالة الأولى يجب إلغاء القانون وفي الحالة الثانية يجب استبعاد العفو، (الفيلسوف فيلا نجيري). عندما نغادر عالم وفضاء بعض الآراء الفلسفية، ونتلمس بأيدينا الواقع المعاش الذي يحيط بنا، يمكن أن نقول عن العفو إنه تلك الرحمة التي تأتي من دون أن ينتظرها القابع في السجن، الذي أخرجه المجتمع من بين أفراده بسبب جرم ارتكبه. فهو بريق الضوء الذي يخترق فجأة ظلمة الزمن، بدون موعد وبالخصوص بدون وسيط. فالعفو بهذا المعنى هو خط تواصل مباشر بين من يمنحه وبين من يستفيد منه. حق لرؤساء الدول يقدم العفو في جل دساتير الدول الديمقراطية الحديثة بأنه حق "prérogative" لرئيس الدولة، ليس كسلطة أو إمكانية أو حتى التزام. ويعرف بعض الفقهاء مصطلح "Prérogative" بـ: Une prérogative est un privilège ou un avantage lié à une fonction ou à une situation définie par la Loi, par un acte règlementaire ou par une convention. فالعفو بهذا المفهوم يطرح عن من يريد البحث فيه إشكالات مركبة تتجاوز آثارها الإفراج عن محكوم عليه من السجن كيفما كانت العقوبة التي أوقف تنفيذها ذلك العفو. لكن ولإزاحة نوع من الغبار الذي قد يضبب علينا الصورة عندما نتناول هذا الموضوع ذا الطبيعة الخاصة. ولكي نتفق منذ البدء على الموضوع الذي نتكلم عليه، من جهة، وأن الذي نتكلم عليه يخرج عن المنطق القانوني الحرفي، من جهة أخرى، من المفيد أن نستحضر ونذكر بما يلي: إن دولة مثل أسكتلاندا التابعة للمملكة البريطانية، أم الملكيات البرلمانية التي تعيش بدستور غير مكتوب، والتي تعرف فصلا للسلط يكاد يكون جامدا، هي نفسها التي أفرجت عن المكراحي، المسؤول الليبي الذي أدين من أجل إسقاط طائرة فوق سمائها وقتل إثرها ما يقرب من 270 شخصا من جنسيات مختلفة. الغرض من هذا المثال هو إبراز أن السلطة السياسية هي التي ألغت وأوقفت العقوبة التي قررتها السلطة القضائية، في جريمة صعبة على الشعب الأسكتلندي وعلى كل ضحاياها. هذا الإفراج الذي قررته مثل تلك الدولة، لا تهمنا اليوم خلفياته أو طبيعة النظام السياسي لتلك الدولة. بل على العكس من ذلك من شأنه أن يساعدنا على فهم أعمق للعفو كحق (prérogative) في بلادنا. فلمقاربة العفو في النظام القانوني المغربي تحضر أمامنا محددات تفرض نفسها في البحث، محددات في الزمن، ومحددات في السياق السياسي الذي عرفته مؤسسة العفو في المغرب، ومحددات في النظام الدستوري والقانوني للعفو في المغرب. لذا، سنحاول مقاربة مؤسسة العفو بتناول هذه المحددات الثلاثة في مقاربة، جهد الإمكان، مع القانون الدولي المقارن لنرصد مدى الاختلاف أو التشابه أو حتى التطابق بين الوضع الدستوري والقانوني للعفو في الدول الديمقراطية، مع ما هو عليه الحال في المغرب. محددات في الزمن البحث في النظام الدستوري، ولا أقول القانون الدستوري، والنظام القانوني المتعلق بمؤسسة العفو في المغرب لا يمكن أن يخرج عن وثيقتين، تحدد كل منهما بداية للتأريخ القانوني لمؤسسة العفو، من جهة، وتحدد التطور لمفهوم العفو، من جهة أخرى. > الوثيقة الأولى، وهي الظهير رقم 1.57.387 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 21/2/1958 وهو بالمناسبة الوثيقة التي يمكن اعتمادها، حسب علمي، في البحث والتحليل، بعدما ألغى هذا الظهير ظهيرا آخر سابقا له صدر في 19/4/1956، كان يتعلق بإحداث لجنة كانت تسمى "لجنة لمراجعة الأحكام الجنائية والعفو". وتعتبر هذه الوثيقة، أي ظهير387/57/1، محددا من محددات الزمن، لأننا لا ننظر إليها فقط من جانب الشكل، أي من جانب أن الأمر يتعلق بظهير ينظم العفو، وإنما ننظر إليها بأنها وثيقة تحمل الأسس ذات الطبيعة المؤسسية للعفو كحق للملك، على غرار كل الملوك ورؤساء الجمهوريات. وهي الأسس التي نجدها في جل دساتير الدول الديموقراطية الحديثة اليوم. > الوثيقة الثانية، هي بلاغ الديوان الملكي في فقرته الأخيرة، المعلن عنه في 03/08/2013، والذي ورد فيه أن جلالة الملك سيعطي التعليمات لوزارة العدل من أجل اقتراح إجراءات من شأنها تقنين شروط منح العفو في مختلف مراحله. عندما نقرأ الوثيقتين المذكورتين في سياق مقتضيات دستور 1962 والتعديلات، التي أدخلت عليه بدستور 1970 خصوصا الفصل 19 منه، وما ترتب عن تعديل هذا الفصل من تعديل لظهير العفو المذكور بمقتضى ظهير بمثابة قانون الصادر في 10/10/1977، أدى الى تمديد مجال العفو ليتجاوز العقوبة بعد صيرورتها نهائية، بمقتضى مقرر قضائي نهائي، ليشمل المتابعة، من جهة، وآثار المقرر القضائي النهائي في شقه المتعلق بالعقوبة فقط، وليس بالفعل الجرمي في حد ذاته، من جهة أخرى. وما أتى به دستور 2011 من مستجدات تجعله يصطف إلى جانب دساتير الدول الديمقراطية الحديثة. يتضح لنا إذن، التطور والتحول الذي عرفه حق العفو في الوضع الدستوري والقانوني بالمغرب، كما سنفصله لاحقا. محددات السياق السياسي والمؤسسي إن المدخل لتملك محددات السياق السياسي والمؤسسي للعفو، لا نجد له بديلا عن التمييز بين العفو (La grâce) وبين العفو الشامل (l’amnistie)، كما ينص على ذلك الفصل 4 من قانون المسطرة الجنائية، أو العفو العام كما أصبح ينص عليه الفصل 49 من دستور 2011. فالعفو"la grâce" هو عمل يتجه للعقوبة بوقفها أو الإنقاص منها. فهو من هذا المنظور عمل مادي، وليس قانونيا أو قضائيا. وصفته المادية هذه، هي التي تضعه في منأى عن أي طعن سياسي أو قانوني أو قضائي. لهذا فالتشريع المقارن يسمي العفو ب (Prérogative) أو ما يمكن ترجمته بـ (الامتياز في الحق)، وإن كانت هذه الترجمة قد لا تعطي كل المعنى المطلوب. والعفو في هذا الوضع القانوني، كان موضوع جدل فقهي كبير، بين من يعتبره إجراء من إجراءات السيادة خاضعا للمراقبة والمساءلة السياسية أمام ممثلي الأمة. باعتبارهم مصدر الشرعية وباعتبارهم يمثلون أفراد المجتمع. وبين من يعتبر أن ممارسة حق العفو هو عمل من أعمال السلطة العامة، التي تستدعي القضاء الإداري لممارسة رقابته عليه، بالتالي تعطي للمواطن الحق في الطعن فيه أمام القضاء الإداري. وبخصوص الرأي الذي يدفع إلى اعتبار ممارسة حق العفو يجب أن تخضع لمراقبة القضاء الإداري، فهو يستند على ما أقره العمل القضائي للقضاء الإداري من فهم للمبادئ الأولية، التي تعرف مفهوم القرار الإداري، التي تذهب إلى أنه كل قرار يصدر عن سلطة تتمتع بامتياز السلطة العامة، يهدف إلى تحقيق "مصلحة عامة" فهو قرار إداري يجب أن يخضع بطبيعته لمراقبة القضاء الإداري. إذ يقول أصحاب هذا الرأي أن القرار الإداري هو إفصاح الإدارة عن إرادتها المنفردة والملزمة بمقتضى ما لها من سلطة عامة تقررها القوانين والمراسيم، وذلك قصد إنشاء أو تعديل أو إبقاء على المراكز القانونية للأفراد، متى كان ممكنا عمليا أو جائزا قانونيا. ويخلص هذا الرأي إلى أن أي قرار صادر عن سلطة تتمتع بامتياز السلطة العامة، فهو قرار يجب أن يخضع لمراقبة القضاء الإداري. يؤخذ على هذا الرأي أنه متشبث بالمعيار الشكلي لمفهوم القرار الإداري، فهو لا ينظر إلى مضمون القرار الصادر عن السلطة العامة، ليميز بين ما هو قابل لمراقبة القضاء الإداري، وبين ما هو غير قابل لذلك، وإنما ينطلق وينتهي في الوقت نفسه، داخل الإطار الشكلي فقط. بينما هناك رأي آخر يذهب إلى أن العبرة ليست بالجهة التي يصدر عنها القرار، وإنما العبرة بموضوع القرار لتحديد طبيعته، هل هي إدارية أم لا؟ أي يجب اعتماد المعيار الموضوعي عند تعريف القرار. بمعنى هل موضوع القرار سيغير ويعدل من المراكز القانونية للأفراد؟ وهنا يكون القرار الإداري خاضعا لمراقبة القضاء الإداري. أم أن القرار الصادر عن السلطة العامة لا يمس المراكز القانونية للأفراد ولا يغير منها، وبالتالي لا تأثير له ولا تغيير في مصالحهم ولا في منافعهم. وفي هذه الحالة لا مجال ولا سلطة للقضاء الإداري في مراقبة هذا النوع من الأعمال. استفهامات حول الطبيعة القانونية للعفو السؤال الذي يقف أمامنا بعد ذلك هو: وما هي الطبيعة القانونية أو الدستورية للعفو(la grâce) وفقا للقانون والقضاء المقارن؟ لمقاربة الجواب عن هذا التساؤل، سنحاول ألا نغرق في التفاصيل التي عرفها النقاش العام على الصعيد الوطني او الدولي في مجال البحث عن جواب نهائي، بل سنقصر النظر فقط في نقطتين: الأولى: هل العفو هو قرار سياسي أم قرار إداري؟ الثانية: هل يخضع الأول وكذلك الثاني للطعن الإداري؟ أي المنازعة في ممارسة حق العفو سواء قبل إصداره، كمن يقيم دعوى بإلزام من له الحق في العفو بتمتيعه به، أو بعد إصداره كمن يدعي تضرره منه لأنه لم يعفه من كل العقوبة مثلا، من جهة أخرى. وكما سبقت الإشارة إليه أعلاه، فإننا لا نكون أمام حق اللجوء الى الطعن الإداري في قرار، إلا عندما يكون ذلك القرار غير من المراكز القانونية أو من شأنه أن يغير المراكز القانونية للأفراد، ففي هذه الحالة يكون حق الطعن فيه مشروعا. لكن عندما نكون أمام قرار لا يمس المراكز القانونية لأي كان، فهل يكون مشروعا إخضاعه لمراقبة القضاء الإداري؟ لهذا ذهب الفقه والقضاء المقارن إلى القول إنه من أجل تقرير ما إذا كان العفو خاضعا لمراقبة القضاء، يجب البحث في طبيعة العفو نفسها، وليس في الجهة التي يصدر عنها. فوقف الفقه والقضاء على نتيجة مفادها أن العفو هو عمل مادي يتوجه الى إيقاف أو إلغاء العقوبة، وليس الى إيقاف و إلغاء الجريمة برفع الطابع الجرمي عن الفعل موضوع تلك العقوبة. لكن بما أن جل الدساتير تسند إصدار العفو لرئيس الدولة، ملكا أو رئيسا لجمهورية، فقد ذهب البعض إلى اعتبار حق العفو هو عمل من أعمال السيادة، التي يمارسها الملك أو رئيس الجمهورية، مع بعض الاختلافات القليلة. غير أن بعض الآراء الفقهية والسياسية تطالب بإجراء مراقبة قضائية على العفو، رغم أنه عمل من الأعمال السيادية، لكن القضاء الفرنسي ذهب مذهبا آخر، في قرار صادر عن مجلس الدولة في 28/3/1948، عندما استبعد العفو من مجال السيادة في تفسير عميق خلص فيه الى أن العفو، هو في حقيقته عمل مادي. فهو لا يلغي العقوبة التي حكمت بها المحكمة، وإنما يوقف تنفيذها فقط لاعتبارات أسند تقديرها لأعلى سلطة في الدولة من جهة، بالإضافة إلى أن إيقاف تنفيذ عقوبة محكوم بها من قبل القضاء، لا يغير من المراكز القانوني للأطراف، من جهة أخرى. فالمدان يبقى مدانا والعقوبة تبقى مسجلة في البطاقة رقم 1 من السجل العدلي، مع استحضار التفرقة بين العفو والعفو الشامل المنصوص عليها في المواد التي تنظم السجل العدلي، من جهة، كما أن المطالب بالحق يحتفظ بحقوقه كاملة من جهة أخرى. قضية الجندي الفرنسي رافض العفو من الإعدام إن القضاء الفرنسي، مجلس الدولة الفرنسي، أتيحت له الفرصة لإعطاء رأيه في إمكانية الطعن في العفو من عدمها، لكن ليس من قبل الضحية من الجريمة التي صدر بشأنها العفو، وانما من قبل المتهم الذي صدر العفو لمصلحته. وهي القضية المعروفة بقضية الجندي "JUJEL". وهو جندي فرنسي صدر فيه حكم بالإعدام فأصدر الرئيس الفرنسي عفوا عنه يقضي باستبدال عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة. فطعن الجندي JUJEL في قرار العفو، وبرر طعنه بأن قرار العفو الذي أصدره رئيس الجمهورية بخصوصه، ألحق به ضررا كبيرا. وفسر ذلك الضرر بأن الإعدام هو عقوبة بدنية لكنها بسيطة، بينما الأشغال الشاقة هي عقوبة بدنية ومخلة بالشرف، وسيترتب عنها تجريده من رتبه ومن النياشين العسكرية التي حصل عليها، وهذه الأخيرة هي عقوبة جديدة لم يحكم بها الحكم الذي قضى بإعدامه. فكيف كان رد القضاء الإداري، أي مجلس الدولة الفرنسي على هذا الطعن، الذي قد يظهر للشخص العادي بأنه غريب؟ بعد عرض الطعن على مجلس الدولة الفرنسي أصدر قرارا تاريخيا قال فيه: "حيث إن الأعمال والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية عند ممارسته حق العفو عن "العقوبة هي من الأعمال غير القابلة للطعن فيها أمامه. وأنه يتعين عليه رفض طعن الجندي بعلة عدم الاختصاص. والملفت للنظر أولا: هو أن مجلس الدولة رفع عن قرار العفو صفة القرار الإداري، عندما صرح بعدم اختصاصه كمجلس للدولة، أي كمجلس قضائي لأعلى سلطة إدارية في فرنسا للبت في طلب الجندي المذكور، من جهة، كما أنه لم يصف قرار العفو بأنه عمل من أعمال السيادة، من جهة أخرى. والملفت للنظر ثانيا: أن مجلس الدولة توجه الى المحكوم عليه وأحدث قاعدة جديدة، وهي أن هذا الأخير لا يحق له رفض العفو الذي صدر في حقه. وهو الأمر الذي أكده الفقه الذي ذهب إلى أنه ليس للمحكوم عليه الحق في رفض قرار العفو المخفف للعقوبة عليه، وأن قرار العفو عن العقوبة هو حق خالص لرئيس الجمهورية. وليس حقا للمحكوم عليه. وبالتالي فإن لرئيس الجمهورية وحده تحديد من يستفيد منه، وظروف وتوقيت استعماله، وما على المحكوم عليه إلا أن يذعن لإرادة رئيس الجمهورية. وهو الاتجاه نفسه الذي ذهب إليه القضاء اللبناني في قرار صادر عنه بتاريخ 15/10/1962 الذي ورد فيه: "إن قرار العفو الخاص لا يشكل عملا من أعمال السيادة. وهو ليس عملا إداريا ولا عملا قضائيا ومع ذلك فهو غير قابل للطعن فيه أمام هذا المجلس". هذه إذن بعض الملاحظات العامة التي تتعلق بالنقاش الذي يهم العفو كحق لرئيس الدولة. الفرق مع العفو الشامل إلى جانب العفو الذي يمارسه رئيس الدولة، هناك عفو آخر وهو العفو الشامل أو العفو العام. وهذا النوع من العفو لا ينصب على العقوبة، وإنما ينصب على الجريمة ليلغيها في فترة زمنية معينة، تكون في غالب الأحيان سابقة لتاريخ إصدار هذا النوع من العفو، أي يرفع عن الفعل صفة الجريمة، ويصبح ذلك الفعل عملا مشروعا وغير معاقب عليه. ونظرا لأن هذا العفو العام أو العفو الشامل يمس ويغير في العمق من المراكز القانونية للأطراف، فإن جميع الدساتير والقوانين جعلته من اختصاص القانون. أي من اختصاص ممثلي الأمة، كما كان عليه الوضع القانوني للعفو العام أو الشامل في المغرب. وكما أصبح عليه الوضع الدستوري للعفو العام أو الشامل. وهو ما سنتناوله في ما بعد. العفو في النظام الدستوري والقانوني المغربي يشكل ظهير 1.57.387 الصادر بتاريخ 21 فبراير 1958 عمادا أساسيا في البناء القانوني لمؤسسة العفو. ورغم أنه صدر في مرحلة قبل تأسيس الملكية الدستورية في المغرب، إلا أنه حمل نظرة متقدمة لبناء الدولة العصرية الحديثة منذ رجوع محمد الخامس رحمه الله من منفاه، وحصول المغرب على استقلاله، أي بعد سنتين من حصول المغرب على استقلاله من جهة، وقبل أربع سنوات من أول دستور ستعرفه المملكة المغربية من جهة أخرى. عند دراسة نص ذلك الظهير، سيلاحظ أنه تبنى القواعد الدستورية المنظمة للعفو، كما هي معمول بها اليوم في أرقى الدول الديمقراطية، ملكيات أو جمهوريات. وهي القواعد التي حرصت على ألا يصطدم حق العفو عند ممارسته: بالأحكام الصادرة عن القضاء وبالمس بحقوق الأغيار وبالمس بالمراكز القانونية للأطراف، وبمبدأ عدم الإفلات من العقاب. وتتجلى هذه المبادئ في القواعد التالية التي ينص عليها ذلك الظهير وهي: القاعدة الأولى: تتوجه لتعريف مجال العفو ليس بالنظر الى عناصره الذاتية، وإنما بالنظر الى حدود ذلك المجال والمتمثلة في التخفيض الجزئي أو الكلي من كل عقوبة تصدرها محاكم المملكة بعد أن تصبح تلك الأحكام نهائية. القاعدة الثانية: تتوجه إلى الملك باعتباره أنه هو من يرجع له النظر في العفو. وما يلاحظ أن نص الظهير لم يستعمل عند الحديث عن ذك جملة (يعود له الاختصاص)، أو أي صيغة لها مضمون قانوني يمكن أن يترتب عليه فهم معين لإمكانية إخضاعه لمراقبة قضائية ما. (الفصل2). القاعدة الثالثة: تكرس وتحمي مبدأ عدم الإفلات من العقوبة، عندما تنص على أن العفو لا يترتب عليه إلا الإعفاء من قضاء العقوبة مع بقائها قائمة، ولا سيما في حالة تطبيق العود وتكرار الجريمة. القاعدة الرابعة: هي أن العفو هو مجال محفوظ للملك، كما هو عليه الأمر في جل الدول، مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا والبرتغال باستثناء اسبانيا التي ترجعه لاختصاص البرلمان مثلا، وفي جرائم معينة في ألمانيا. القاعدة الخامسة: يجب ألا يلحق العفو أي ضرر بالغير، هو ما يعني أن العفو ليس من شأنه تغير المراكز القانونية لأطراف ولا اعتباره درجة اأعلى للتقاضي قد تلغي أثر الأحكام القضائية. هذه القواعد المشار إليها أعلاه هي قواعد مؤسسة سنجدها في كل دساتير الدول الديمقراطية الأوربية المشار إليها أعلاه. الملاحظة التي تفرض نفسها علينا هي أن ظهير العفو الصادر سنة 1958 كان في صلب المعايير الدولية المنظمة للعفو سواء تعلق الامر بجهة إصداره، أو مجاله، او احترامه لمبدأ عدم الإفلات من العقاب، أو احترامه لحقوق الغير. فهل احتفظ العفو، في المغرب، بالنظام القانوني نفسه بعد 1958. للجواب عن هذا السؤال نقف على حقيقة مفادها أن النظام القانوني للعفو خضع هو كذلك للتحول السياسي والدستوري الذي عرفه المغرب وهو التحول الذي سنحاول رصده في الجزء الثاني. * محام بهيأة البيضاء