يتجولون في أدغال إفريقيا وبين قبائل منعزلة في أمريكا وآسيا ويتعايشون مع ديانات غريبة ابن بطوطة، أحد أعظم الرحالة في التاريخ، فابن طنجة الذي ولد في 1304، بدأ رحلاته في سن الحادية والعشرين، واستمرت مغامراته على مدار ثلاثين عاما. تجول في أنحاء العالم الإسلامي وما وراءه، من شمال إفريقيا إلى الشرق الأوسط، ومن الهند إلى الصين، ووصل إلى جنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا. ويبدو أن جينات ابن بطوطة، المحبة للرحلات والمغامرة، امتدت إلى عدد من المغاربة، ففي زمن "الفلوغ" و"يوتوب" بزغ نجم عدد من "اليوتوبورات"، الذين يجوبون القارات الخمس، واصفين بدقة المدن التي يزورونها، والعادات والتقاليد وحياة الناس اليومية. يجمع المؤرخون أن رحلات ابن بطوطة لم تكن مجرد مغامرات شخصية، بل كانت جسرا للتبادل الثقافي والمعرفي، فمن خلال تفاعله مع مختلف الثقافات والحضارات، ساهم في نقل العلوم والمعرفة بين الشرق والغرب. أما "أحفاده" المغاربة في 2024، فيعتبرون مسيرته دليلا رائعا على قدرة الإنسان على الاستكشاف والتعلم من خلال السفر، ومصدر إلهام لكل من يسعى لفهم العالم بشتى تفاصيله... في ما يلي أحد أبرز "اليوتوبورات" المغاربة الذين قضوا أشهرا، ومنهم من قضى سنوات، متنقلين بين القارات، بحثا عن المعرفة والاستكشاف. الصقلي... دراج في أدغال إفريقيا وآسيا سبر "اليوتوبور" والدراج ياسين الصقلي، أغوار أدغال إفريقيا، وبث في قناته، التي تحمل عنوان "عبر إفريقيا"، يوميات رحلاته إلى ناميبيا وزامبيا وتانزانيا وحدود رواندا وكينيا، والكامرون، ودول إفريقية لا حصر لها. في قناة الصقلي تكتشف إفريقيا الحقيقية، فياسين ينقل يومياته بالتفاصيل، إذ عاشر قبائل "مساي"، ونام في خيمتها في أخطر غابات الجبال، وصادف في طريقه فيلة وحيوانات مفترسة، وتجول في أشهر المدن، وتذوق أطعمة فريدة وفواكه غريبة. ويسافر الصقلي بدراجته وحيدا، إذ نجح في ربط علاقات مع كل سكان القرى، التي يمر منها ويتحدث إلى زعماء قبائل غريبة، خاصة أنه تمكن من إتقان اللهجة "السواحلية"، التي مكنته من التقرب أكثر إلى شعوب وثقافات متنوعة. ويحرص متتبعو الصقلي على انتظار فيديوهاته بكثير من الشوق، نظرا لعفويته وطبيعة مغامراته وحرصه على التعايش مع كل الثقافات، رغم خطورة رحلته، إذ أصيب بالملاريا وتغلب على فيروسها، علما أنه يقتصر في تنقلاته بين الدول على دراجة هوائية تتعرض باستمرار إلى أعطاب ينجح في إصلاحها، بسبب خبرته. ورغم أن الصقلي لا يسوق قناته في "يوتوب"، أو يتنافس مع باقي صناع المحتوى في الترويج لها، إلا أنها تلقى إعجاب المتتبعين، خاصة أنه استطاع تحقيق حلم التحدي الذي راوده منذ طفولته، باستكشاف أغوار إفريقيا على متن دراجته الهوائية، انطلاقا من آسفي، بعد أن ودع عائلته خلال مارس 2018. وقال عنه أحد متتبعيه إنه "نموذج رائع للشباب المغربي العصامي الطموح إلى التقدم والازدهار، والقادر على تحدي كل الصعاب لبلوغ أوج المجد". عاد الصقلي إلى المغرب، ثم انطلق إلى جبال الأطلس المتوسط والكبير، مستكشفا القرى والممرات الوعرة، قبل أن يخلد لراحة، شكلت بداية جديدة له في قارة آسيا، حيث سافر إلى تركيا وأذربيجان والسعودية والأردن وإيران، إذ مازال يمارس هوايته في الاستكشاف. "زيزو فلوغ"... عاشق القارة الأمريكية يواصل "اليوتوبور" المغربي الشهير "زيزو فلوغ" رحلاته في أمريكا الوسطى والجنوبية ومغامراته الفريدة، ففي آخرها قضى 15 ساعة وسط نهر الأمازون للوصول لإحدى القبائل المنعزلة عن العالم. وتحدث "زيز فلوغ"، في فيديو على قناته ب"يوتوب" عن تفاصيل رحلته المثيرة، إذ انطلق من إحدى المدن بشمال الإكوادور في الحدود مع كولومبيا، متوجها إلى قبيلة منعزلة عن العالم، متحديا خطورة أحوال الطقس ووجود التماسيح في النهر، وكذا القبائل التي مازالت ترفض استقبال السياح، وتفضل العيش وسط الغابات. والتقى "زيزو فلوغ"، بعد وصوله إلى قبيلة "بامينو"، بزعيمها، الذي شرح له ثقافة مجتمعهم وتقاليدهم، واتصالهم المحدود بالعالم الخارجي، وإصرارهم على المحافظة على لغتهم وعلاقتهم بالحيوانات بالصيد بالرماح للحصول على الطعام، كما وجه رسالة إلى العالم مفادها "أنهم يريدون مواصلة العيش بالطريقة التي توارثوها"، مشيرا إلى أن المنطقة غنية بالمعادن، لكنهم يرفضون المساس بها، ويريدون العيش في بيئة صحية مثل أجدادهم. ويحظى "زيزو فلوغ" بشعبية في مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب رحلاته ومغامراته اليومية منذ قراره الهجرة إلى البرازيل، وإعلان رغبته في الوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يقرر زيارة عدد من الدول في آسيا وأمريكا الجنوبية وبث تفاصيل حياة شعوبها في قناته، حتى أن مجلة "ذي إيكونوميست" الأمريكية خصصت له مقالا يتحدث عن مغامراته في أدغال أمريكا اللاتينية لتحقيق حلمه بالوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقالت المجلة الشهيرة إن فيديوهاته تحقق أرقاما قياسية في نسب المشاهدة، كاشفة مسار رحلته الطويلة من المغرب إلى البرازيل، ومنها إلى دول أخرى، إذ توجه إلى الأرجنتين والإكوادور، ثم اضطر إلى الفرار أثناء محاولته الدخول إلى كولومبيا، وقضى سبعة أيام في الغابات من أجل الوصول إلى بنما، ونجح في الإفلات من شبكات خطيرة، قبل سفره إلى كوستاريكا ونيكاراغوا، ثم اعتقاله في الهندوراس، قبل وصوله إلى المكسيك. يتحدى "زيزو فلوغ" كل الصعاب، وهو الآن في رحلات جديدة، حيث أصبحت فيديوهاته أكثر احترافية، وهو الآن في جاميكا، حيث ينتقل بكاميراته إلى دول بعيدة. تغلاوي... المغامر بين قبائل آسيا تعتبر رحلات إبراهيم تغلاوي، التي يبثها على قناته في "يوتوب"، التي تحمل اسم "IBRA TRAVELER"، أحد أفضل المغامرات، خاصة أن صاحبها يحرص على توثيق تفاصيل عادات الشعوب وثقافتها في مختلف القارات. ويوثق تغلاوي، المشهور باسم "إبراهيم المسافر"، بالصوت والصورة رحلاته، التي تتميز بالتشويق والإثارة والجدية في الوقت نفسه، إذ يخوض، منذ 2022، رحلة طويلة في القارة الأسيوية والإفريقية، إذ زار كوت ديفوار والفلبين ونيامار وبورما والهند وباكستان وإيران…، واستكشف مدنها وأهم معالمها السياحية، ما جعل عـددا من متتبعي قناته يثنون على جودة الفيديوهات، تقنيا ومحتوى، حتى أنها تعد أشهر من بعض البرامج على القنوات التلفزيونية. وقال "إبراهيم المسافر"، في تصريح ل"الصباح"، إنه حرص على تحقيق حلمه بالسفر واكتشاف العالم، وإن هدفه توثيق جل ثقافات العالم، خاصة الثقافات الغريبة، إذ سبق أن نقل مشاهد حرق الأموات في النيبال والهند، كما قضى أياما في منطقة كاشمير، التي تتنازع عليها الهند وباكستان، وفي قبيلة في أندونسيا اشتهرت ب"تعايشها" مع الأموات الذين يقضون سنوات طويلة، دون التخلص من جثثهم. وامتدت رحلات "إبراهيم المسافر" إلى مناطق يصعب الوصول إليها، بسبب أوضاعها الداخلية، مثل بورما ونيامار والفلبين، والتقى بسكانها المسلمين، كما قضى أياما بقبائل تتميز بعادات على وشك الانقراض، مثل قبيلة اشتهرت في الفلبين معروفة بصيد رؤوس القبائل المجاورة لها، والتقى بأحد أفرادها. ويواصل "اليوتوبور" نفسه مغامراته واكتشافه لإيران في الفترة الأخيرة، وسط اهتمام متزايد من محبي الرحلات في مواقع التواصل الاجتماعي. عبير... "سفيرة" مغربية في الهند تناقلت وسائل إعلام هندية ومغربية، في وقت سابق، بادرة عبير كنعان، بعد تدشين مسجد في إحدى القرى الهندية، أطلقت عليه اسم "محمد السادس"، بعد مجهود امتد سنوات، رفعت خلاله التحدي لتحقيق حلم عائلة زوجها. واستقبل سكان القرية كنعان بحفاوة كبيرة، ناهيك عن آلاف المشاهدات في قناتها على "يوتوب" التي تشرف عليها، وتحمل اسم "عبير مغربية في الهند"، ويتابعها أكثر من 533 ألف مشترك، وتحصد ملايين المشاهدات. ولم تيأس كنعان من غياب الدعم المالي أو الظروف التي تعرفها الهند، إذ ظلت تشرف شخصيا على تفاصيل بناء المسجد، وتراقب سير الأشغال، وتقطع المسافات من أجل توفير بعض حاجيات المسجد، قبل أن تعلن عن تدشينه وإقامة الصلاة فيه، إضافة إلى تنظيم حفل بسيط بالمناسبة حضره سكان القرية، الذين رفعوا أكف الضراعة لها لجديتها وحرصها على تدشين مسجد للمسلمين في الهند. وكانت انطلاقة كنعان في العالم الافتراضي في 2019، حيث بدأت تشارك حياتها اليومية مع متابعيها، وتقربهم أكثر من الثقافة الهندية، قبل أن ترفع تحدي بناء مسجد في إحدى القرى. وولدت عبير في البيضاء في 1991، ولم تتخيل يوما، أنها ستنتقل إلى الهند، والأكثر من ذلك الزواج والاستقرار هناك، وقالت في تصريحات إعلامية "لم أتخيل قط الذهاب إلى الهند أو الاستقرار بها، وعندما أتيحت لي الفرصة، انتابني الفضول وأردت اكتشاف ثقافة هذا البلد البعيد، والذي تزوره قلة من المغاربة". وحصلت كنعان على شهادة الباكالوريا في علوم الرياضيات، قبل التحاقها بكلية العلوم في بنمسيك لمتابعة مشوارها الدراسي في شعبة الرياضيات التطبيقية. وبعد حصولها على شهادة الإجازة، اشتغلت في إحدى الشركات بالبيضاء، قبل أن تتاح لها الفرصة للذهاب إلى الهند.