المغاربة غاضبون، هذه الأيام، لأن "الهندية" أكملت "دراستها"، وحصلت على موقع متقدم في الفضاءات التجارية الكبرى، وبسعر يضاهي ثمن الموز والتفاح الأحمر "السمين" والإجاص، والفواكه الاستوائية الملفوفة في غشاء أبيض شفاف. أغلبُنا شعر بالخيانة بعد فرار "الكرموصة" من "الشواري" والدلاء البلاستيكية والعربات التي تجرها دواب، وهاجرت إلى المحلات الأنيقة بفرنسا وإيطاليا وبلجيكا، حيث يضاهي ثمن الواحدة، سعر ساعة عمل بحساب الحد الأدنى للأجور. امتد بنا العمر حتى أصبحنا نرى "الكرموصة" منزوعة الأشواك بأنامل "الكوافورات"، وموضوعة في مغلف جميل، ومغطاة، برفق، بقطعة بلاستيك "كلاصي"، ومكتوب تحتها "كود بار" والاسم الكامل، والمنشأ ودرجة الحفظ في الحرارة. لم نصدق أن كل هذا "الشر" والغدر ونكران الجميل، يمكن أن "يطلع" من "الهندية"، اللطيفة والمنصاعة ورخيصة الثمن، التي كانت تعرض نفسها في الأسواق والحواري والشوارع بـ"الجملة"، وتقبل أن تذهب معك في جميع حالاتها، دون نقاش، أو تفاوض. لم تتمنع، يوما، هذه الفاكهة الشعبية، ولم تكن موضوع جدل في أي وقت من الأوقات، إذ كان يكفيك أن تقف أمام عربة وراءها شاب مدجج بسكاكين "الحادكة"، وتقول له "اضرب"، فيشرع في "الضرب"، حتى تقول له كفى، فيبتسم، ويشرع في عد "الضحايا" التي سقطت للتو، ثم يطلب منك دريهمات قليلة، وتنسحب. لم يكن أغلب المغاربة يهابون ثمن "الهندية"، بل مفعولها و"غدرها"، حين يتجاوز "الحساب" العدد المطلوب، فتتحول وجبة أكل إلى "وضعية" غير مرغوب فيها لا تريدها لعدوك، وأنت "تتمغط" على بطنك في أقرب مستوصف وترفعها إلى الأعلى. ورغم مخاطره، ظل التين الشوكي محبوب الجماهير ومعشوق الطبقات الشعبية في أوقات الصيف على وجه التحديد، إذ يصعب أن تجد مغربيا، لم يستمتع بتشريح "الكرموصة" بالطريقة الثلاثية المعروفة، وغرسها في فمه دفعة واحدة، أو دفعتين، حسب الحجم. في غمرة الحب، أطلقنا عليها "الهندية"، رغم أن كتب التاريخ لا تذكر يوما أن هذه الفاكهة المقتلعة من وسط الشوك، أصلها من الهند، أو السند، أو البنغال، بل من أمريكا الشمالية، ولها أسماء مختلفة في بقاع العالم، (الزعبول والبرمشي والبلس..). أنكرت كل ذلك، واختارت السفر في أول رحلة "حريك" إلى أوربا. هجرت الهندية بيت الطاعة، ووضعت المغاربة في ورطة حقيقية، مع اقتراب الصيف ومواسم الاستجمام في الشواطئ، حيث كانوا يستمتعون بها باردة، ومشتهاة بقطعة خبز "محراش"، وبعضهم يلتهمها صباحا على الريق. حملت "الهندية" حقيبتها، وهاجرت إلى غير رجعة.. بعد أن تأكد، بالفعل، أن "العصمة" بيدها. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma