رئيس نادي الفنانين المغاربة قال للصباح "الفن ما بقاش يوكل الخبز واللي دا شي حاجة راه داها" اختار الفنان عبد العالي الغاوي، رئيس نادي الفنانين المغاربة، الاستقرار بمنطقة الهرهورة ضواحي الرباط بمحاذاة الشاطئ والغابة، حيث يستمتع بهدوء الفضاء وجماليته وتزيد من ارتباطه به علاقته بحيواناته الأليفة التي تثير استغراب كثير من زواره نظرا لعددها الكبير. "أنا أحمق، وأعشق تربية الحيوانات إلى حد الجنون"، يقول عبد العالي الغاوي، الذي زارته "الصباح" معتزا بامتلاكه أزيد من سبعة عشر كلبا وسربا من الحمام وخيولا صغيرة من نوع "لي بوني" وأنواع أخرى من الطيور مثل "لي أنسيبارابل" ذات الألوان الجذابة. إنجاز: أمينة كندي / تصوير (عبد المجيد بزيوات) حديقة حيوان "لايت" يخصص الغاوي فضاءات بحديقة منزله لحيواناته المختلفة، التي لا يتوانى في العناية بها من خلال توفير ما تحتاجه من تغذية ورعاية صحية تحت إشراف طبيب بيطري ينتقل لفحصها كلما كانت الحاجة إلى حقنها بالجرعات الضرورية أو لأسباب أخرى. كان يملك الغاوي قبل الجائحة عددا أكبر من الحيوانات، إذ فاق عدد الكلاب اثنين وثلاثين وكان أيضا عدد الطيور أكبر، لكن بعضها مات والآخر منحه لعدد من أصدقائه، الذين ينتظرون دورهم في كل مرة لإنجاب جراء صغيرة يعدهم بالحصول عليها. غالبا ما يبدأ الغاوي يومه بالاطمئنان على حيواناته، التي بمجرد فتحه الباب تسرع للوقوف بجانبه في علاقة يصفها أنها تعكس الصدق والوفاء، لينتقل بعدها إلى الغابة المجاورة لمزاولة أنشطة رياضية والمشي لمدة لا تقل عن نصف ساعة. يعيش الغاوي في المنزل رفقة بعض العاملين، فهو مطلق منذ سنوات، بينما يعيش ابنه وحفيداه البالغان من العمر تسع وسبع سنوات على التوالي في منزل آخر، ويأتون لزيارته وأيضا لمشاركته عشقه لتربية الحيوانات والركوب على "لي بوني". ولا يغادر الغاوي منزله دون شرب كأس من القهوة وتناول وجبة الفطور والاطلاع على الرسائل الواردة على هاتفه أو الرد على مكالمات أصدقائه المقربين، الذين يلتقي بهم بمقر نادي الفنانين المغاربة وسط الرباط. "إنه بمثابة "الزاوية" فيه يحكي الفنانون مشاكلهم ونتقاسم همومنا ونتصالح ونطوي صفحة الخلافات" يقول الغاوي، الذي منذ أربع عشرة سنة من تأسيس نادي الفنانين لم يشعر يوما بالملل أو الندم. قليل من الأشخاص ممن يعرفون أن الغاوي موظف بالقطاع العام بمديرية الضرائب. "واش نقول الفن خضرة فوق طعام ولا الوظيفة خضرة فوق طعام ربما انقلبت الآية" يقول الغاوي، مؤكدا أنه لحسن الحظ يوفق بين عمله واشتغاله في المجال الفني، الذي قال عنه إنه "ما بقاش يوكل الخبز واللي دا ش حاجة راه داها"، لكن في المقابل له الفضل الكبير في لقائه بشخصيات مرموقة وسفره إلى عدة بلدان إلى غير ذلك. مقر لا يليق بالفنانين "أتفق مليارا في المائة أن المقر الحالي لنادي الفنانين المغاربة لا يليق بنا"، يقول الغاوي، مضيفا أنه في المرة الأولى التي طرق فيها باب مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، لم يكن من أجل طلب الدعم لأنشطته، وإنما سعيا إلى تخصيص مقر جديد. وأكد الغاوي أن وزراء الثقافة السابقين حين فتح نقاشا معهم بشأن المقر طلبوا منه اقتراح فضاءات بالرباط، والتي في إطارها كان المقهى الثقافي التابع للمسرح الوطني محمد الخامس المغلق حاليا، وفضاء بحديقة نزهة حسان، حيث تم تشييد مدرج مسرح في الهواء الطلق، إلا أنه كانت عدة عراقيل حالت دون ذلك. وباتت الحاجة ملحة إلى مقر جديد للفنانين، حسب الغاوي، سيما أن اليوم يضم أزيد من خمسة آلاف منخرط، وهو الرقم الذي قال عنه بنسعيد حين سمع به "الإنسان يخاف منكم"، مرحبا بأي اقتراحات حتى يتم تخصيص فضاء تابع للوزارة ليصبح مقرا للنادي. يقضي الغاوي معظم وقته حين لا تكون لديه التزامات فنية في النادي البالغة مساحته 200 متر مربع والمتوفر على مكتبه السفلي ومكتب آخر في الطابق العلوي واستوديو لتسجيل الأغاني وفضاء لاستقبال الفنانين واحتضان أنشطتهم. "هذا النادي بمثابة "بيبي ديالي" فلا يمكن التخلي عنه حتى في ظل توفر مقر آخر سأحتفظ به لأنه يحمل في طياته عدة ذكريات وزاره كبار الفنانين المغاربة والأجانب وأثنوا عليه"، يحكي الغاوي، مؤكدا أنه رأى النور بمجهود فردي. يصف الغاوي النادي ب"الزاوية"، التي يقصدها الفنانون لإيجاد حل لمشاكلهم أو فتح نقاشات بعيدا عن المقاهي التي قد يكونون فيها عرضة لتسرب أخبارهم أو التقاط صور خلسة لفنان وفنانة ونشر شائعات حولهم، على حد قوله. وكل من يزور نادي الفنانين المغاربة، حسب الغاوي، فلابد أن يشعر بشرف كبير مادام أنه كان مقرا لأول مطبعة لعلال الفاسي، واحتضن مكتبه ولقاءاته لعدة سنوات، والذي اقتنى "الساروت" الخاص به ويتولى حاليا دفع سومة الكراء وتكاليف الماء والكهرباء والعاملين. "الانخراطات... الله يرحم ضعفنا" لما يزيد عن ثلاث عشرة سنة يدفع الغاوي تكاليف كراء نادي الفنانين المغاربة من ماله الخاص، على حد قوله، في غياب موارد أخرى يمكن أن تساهم في ذلك. "حتى الانخراطات إلا جينا نعولو عليهم لن تنفع في شيء"، يقول الغاوي، الذي مكن "الصباح" من الاطلاع على العديد من الوثائق، التي تفوق سبعمائة واكتفى فيها الفنانون المنخرطون بملء الاستمارة دون دفع واجب الانخراط. "تحشم تتصل وتقول إنه خاص يعطي مائة درهم واجب الانخراط...الله يرحم ضعفنا، لكن في المقابل يرغبون في الاستفادة من الحفلات والورشات واللقاءات وتوقيع الألبومات إلى غير ذلك من التظاهرات المنظمة، من قبل نادي الفنانين المغاربة"، يقول الغاوي. ورغم أن عمر النادي يقدر بأزيد من أربع عشرة سنة، إلا أنه تلقى أول دعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل لمرتين على التوالي لدعم حفل لمناسبة اليوم العالمي للمرأة وحفل الفنانين. "هذا الدعم حصلنا عليه حين زرنا بنسعيد لطلب مقر جديد، فكان جوابه أن يدعم تظاهرتين، في انتظار اقتراحنا عليه فضاء تابعا له ليصبح ناديا يليق بالفنان المغربي"، يقول الغاوي، مضيفا بشأن رده عن سؤال حول مبلغ الدعم "نحشم نقول قيمة الدعم المهم يساهم لدفع تكاليف الإنارة والتنقل والقاعة...وباختصار يسد ثقابي كنا كنخرجوهم من جيبنا". "لعبها كبير تبقى كبير" "عزها تعزك ودلها تدلك" عبارة كان يرددها كثيرا الراحل عبد القادر الراشدي ولا يمكن التغاضي عنها في مجالنا الفني، يقول الغاوي، كما يؤمن كذلك كثيرا بمقولة "لعبها كبير تبقى كبير بينما إذا لعبتها صغيرا تبقى صغيرا مدى الحياة". كان هذا رد الغاوي بشأن رفضه لثلاث مرات على التوالي المشاركة في برنامج "جماعتنا زينة" على قناة "الأولى"، الذي تتقاضى الشركة المنتجة له ضعف ما كان يمنح للبرنامج من إنتاج داخلي من قبل وتعرض عليه أجرا بأقل من خمسين في المائة من "الكاشي" المخصص له، ليؤكد في آخر عرض لهم بعدم الاتصال به مرة أخرى. قال الغاوي "بقيت بلدي" حول عدم استعانته بمدير أعمال للتفاوض حول الأجر، الذي يشارك به في سهراته، مشيرا إلى أنه يمكن أن يحيي حفلا مجانا، مثلما يمكن أن يفوق أجره عشرة ملايين سنتيم. واستنكر الغاوي تخصيص إدارة مهرجان موازين إيقاعات العالم للفنانين المغاربة منصة خاصة بهم وليست مشتركة مع نجوم عرب، قائلا "واش حنا فينا الجدام". وتوقف الغاوي في حديثه عند الدور الذي يفترض أن تلعبه النقابات الفنية في هذا الصدد، التي تنشغل برفع عددها بدلا من فتح نقاش حول ملفات تهم الفنانين وترمي النهوض بالساحة الفنية. السب والشتم أكثر من الأعمال الفنية ما سبب رفضك الانخراط في إحدى النقابات الفنية؟ منذ الثمانينات لم تحقق النقابات الفنية أي مكتسب للفنانين، وهذا سؤال موجه إلى جميع النقباء، الذين بات عددهم أكبر من الفنانين، فحاليا نتوفر على 27 نقابة، والتي إن اجتمعت لن يكون عددها ثلث نادي الفنانين. وأتساءل ما الجدوى من 27 نقابة؟، للأسف لم نجد بعد نقيبا يمثلنا. ولهذا أنا "أونتي نقابة" حتى يثبت العكس. ومادامت بين الفينة والأخرى تطالعنا فيديوهات وصور بكاء فنانين بسبب المرض وجمع مساعدات بواسطة "السينية" فهذا أمر مخجل. والأكثر من ذلك أن الهجرة من نقابة إلى أخرى ولدت عداوات كثيرة. هل لديك أعداء؟ الأعداء في كل مكان، فهناك أشخاص يمكن أن يحسدوا غيرهم حتى بسبب حذاء متسخ أو مجرد ابتسامة. هل حاولت أياد خفية إيذاءك؟ في كثير من المرات، وأبرزها حين اتهمتني فنانة بسرقة أغنيتها عن سلا وأنصفتني المحكمة. والغريب في الأمر أنها فاجأتني في جنازة شقيقي الراحل محمد الغاوي باعتذارها وقولها إنها ندمت لأن هناك أشخاصا دفعوها للقيام بذلك. كيف تنظر إلى الساحة الفنية اليوم مقارنة بالأمس؟ لا علاقة للساحة الفنية اليوم بالسابق، فهناك انشغال أكثر بـ "البوز" بحثا عن توسيع القاعدية الجماهيرية. وللأسف ما نشاهده حاليا هو عبارة عن أفلام هتشكوكية وحروب وتطاحنات والبقاء فيها للأقوى وليس للأصلح. وبعد أن كانت الخلافات بين الفنانين في عقود سابقة لا يعرفها إلا المقربون وكان مستواها أرقى من اليوم، أصبح السب والقذف أكثر من الأعمال الفنية.