المنياري فاضح الفساد بمؤسسات العمل الاجتماعي بوكالات وشركات التوزيع طالب بربط المسؤولية بالمحاسبة أكد رشيد المنياري، عضو مجلس المستشارين السابق وأحد فاضحي الفساد بمؤسسات المشاريع الاجتماعية بوكالات وشركات توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل، أن الوقت حان للانتقال من وقف النزيف إلى تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتطبيق القانون ضد كل من أساء لآلاف العمال والمتقاعدين وذوي الحقوق. وأطر المنياري الواقع الحالي لجمعية الأعمال الاجتماعية والتعاضدية والصندوق التكميلي بخلفية تاريخية، مؤكدا أن مذكرة وزارة الداخلية مهمة، لكنها غير كافية، موجها نصائحه إلى الحراك الاجتماعي بالبيضاء، ورسائل إلى الأمانة العامة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل. فيما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: يوسف الساكت/ تصوير: (أحمد جرفي) خضت، منذ سنوات، مسارا مضادا لما يجري في مؤسسات العمل الاجتماعي بوكالات وشركات توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل، كيف بدأ ذلك؟ بدأت الحكاية في 1998، حين انتخبت كاتبا عاما للمكتب النقابي التابع للاتحاد المغربي للشغل بشركة "ريضال" بالرباط، ومرت العملية بطريقة ديمقراطية وشفافة، ما أزعج البعض ربما، وكانت له تداعيات لاحقة. في 1999، إثر نتائج انتخابات المشاريع الاجتماعية، حضرت اجتماع المجلس الإداري لجمعية المشاريع الاجتماعية لأمثل زملائي، باعتبار شركة "ريضال"، هي ثاني أكبر تمثيلية من حيث المساهمات وعدد المنخرطين، بعد شركة "ليدك". وكان حدثا مهما بالنسبة إلي. لماذا؟ لأنني تعرفت على طريقة إدارة الأمور داخل الجمعية، وأدركت أنه لا معنى للديمقراطية ولحرية التعبير في مثل هذه اللقاءات، وأن الآمر والناهي هو "الحاج". وعلمت حينها أنني بصدد الدخول في مغامرة. وكان علي حينها التصرف بحزم. وهو ما قمت به، وواجهت كل محاولات تقزيم دوري إلى مجرد مستشار بالمجلس الإداري، وانتخبت نائبا أول للرئيس. بعدها، ورغم التحرشات التي مورست علي، حاولت النأي بنفسي عن دائرة الصراع والمناورات، وتفرغت للعمل لتحقيق مكاسب للمستخدمين والعمال الذين انتخبوني لهذه المسؤولية، وما كادت تنتهي 2004، حتى كان إخواني في شركة "ريضال" يتوفرون على واحد من أحسن النوادي بشهادة الجميع. كما واصلت القيام بواجبي، في انتقاد الطريقة العتيقة التي تدار بها الجمعية، ماليا وإداريا، وكنت أخبر الرئيس، رسميا، عن طريق المراسلات. وكانت تلك هي الخطوات الأولى في محاربة الفساد وفي مواجهة منطق تدبير المحمية، أو ضيعة العائلة. واستمر الصراع بهذه الوتيرة بإبلاغ الرئيس بكل اختلالات التدبير عبر مفوضين قضائيين، حتى 2018، حين تفجر الملف ووصل إلى الرأي العام، بعد أن توصلت عدة جهات مسؤولة والوزارة الوصية بعدد من الشكايات المفصلة عن الخروقات التي تنخر إدارة الجمعية كما ينخر السوس الخشب. ماذا كان رد فعل الرئيس.. اتصل بالأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الذي لم تمنعه العلاقة الجيدة التي كانت تربطني به من مناصرة "الحاج"، ما خلق لدي إحباطا دفعني إلى تنظيم ندوة صحافية، كشفت فيها المستور وفضحت الفساد وبعض المنتفعين منه. في ذلك الوقت انطلقت الحرب.. بالفعل، تم تجميد عضويتي بالأمانة الوطنية ضدا على القانون الأساسي للاتحاد المغربي للشغل، ثم بعد ذلك تم تجريدي بشكل غير قانوني من مسؤوليتي كاتبا جهويا للاتحاد المغربي للشغل، وتم الهجوم على المقر الجهوي بالرباط تحت إشراف الأمين العام، وبتنسيق مباشر مع أحد أعضاء الأمانة الوطنية وتوظيف مجموعة كبيرة من الأشخاص التابعين لـ "الحاج" وتم تكسير الأقفال والأبواب، وتعرض بعض المناضلين للضرب والجرح، كل ذلك موثق صوتا وصورة. بعدها جاءت مسرحية طردي من فريق الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين، كما تم طردي بشكل تعسفي من العمل بشركة "ريضال". بالموازاة مع ذلك، وبعدما وجهت رسالة مفصلة للوكيل العام بمحكمة النقض ورئيس النيابة العامة آنذاك، تم استدعائي من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالبيضاء. في الجلسة الأولى، أكدت شكايتي في حيز زمني قصير، وفي الجلسة الثانية، سلطت الضوء على جميع الملفات موضوع الشكاية بالأرقام والحجج، التي تدعم ما تضمنته شكايتي. تحدثت عن ملفات الفساد، هل هناك أمثلة؟ كثيرة هي ملفات الفساد الذي ينخر بنيان الجمعية ويقوض حقوق ومكتسبات المستخدمين والمتقاعدين والأرامل، نذكر منها الشطط في استعمال السلطة، فلا أحد يجرؤ على الحديث أمام "الحاج" الذي أعطي بطاقة بيضاء، ووفرت له الحماية الأمنية والإدارية والنقابية، يفعل ما يحلو له. وبسبب هذا الشطط يتحكم أبناء الرئيس وأصهاره وبعض أقاربه في ممتلكات الجمعية من نواد ومراكز الاصطياف، بأجور وتعويضات خيالية، وإقامات وسيارات فاخرة، حتى وصل الشطط إلى درجة أصبح معها أحد أبنائه يمارس مهمة مدير مديري مراكز الاصطياف في التراب الوطني. هل تابعت الدورية الصادرة عن وزارة الداخلية لوقف النزيف؟ طبعا، وأعرف التفاصيل والسياقات، خصوصا في ظل الحديث عن الشركات الجهوية متعددة الخدمات. وأؤكد أن الدورية جاءت لتصحح وضعا بات كارثيا، وكان ضروريا تدخل المديرية المعنية بوزارة الداخلية ولو أنه جاء متأخرا جدا. الآن تم تجريد الجمعية والتعاضدية مؤقتا من التدبير المالي والإداري وتم منحه إلى شركتي "ليدك" و"ريضال". لكن بعد تدقيق الحسابات وتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات، وإصلاح القوانين والمساطر المعتمدة، وتفعيل آليات المراقبة، يجب الرجوع إلى الديمقراطية وتسليم مسؤولية تدبير الجمعية إلى من حاز على ثقة المستخدمين. بالموازاة مع هذا المسلسل، لابد من إيجاد الصيغة القانونية لحل المجلسين، وتنظيم انتخابات استثنائية لانتخاب مجلسين جديدين للقيام بالإصلاح الضروري مع الإدارات المخول لها تدبير المشاريع الاجتماعية والتعاضدية، وإرجاع القطار إلى سكته الصحيحة. وهنا، يجب الاعتراف أن الخطوة التي قامت بها الوزارة الوصية كانت مهمة وحاسمة في وقف النزيف. افتحاص وتدقيق أكيد أن مذكرة وزارة الداخلية أوقفت النزيف، لكنها لم تفعل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة... أعتبر أن وقف النزيف خطوة مهمة وأساسية في ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأكيد أن لها ما بعدها. فالوزارة الوصية تملك كل المعطيات والملفات يفوق في عددها ما عبرت عنه في الشكايات. وأكيد أيضا أنها ستقوم بعملية الافتحاص وتدقيق الحسابات، ونحن ننتظر ما ستسفر عنه هذه العملية، دون أن ننسى الملف الذي بين يدي الفرقة الوطنية. من جهة أخرى أريد أن أعرف علاقتك اليوم بالاتحاد المغربي للشغل، وماذا يمكن للأمين العام أن يفعل؟ أولا، أنا اتحادي منذ أزيد من 30 سنة، وقد اتخذ قرار طردي، مساندة وإرضاء لـ "الحاج"، بسبب فضحي للفساد المستشري بجمعية المشاريع الاجتماعية التي يرأسها منذ حوالي 40 سنة. اليوم بعد مذكرة الداخلية، اتضح للجميع أنني تعرضت للظلم، وأن من كان يجب أن يطرد من الاتحاد هو "الحاج" ومن معه. ثانيا، من المؤكد أن الأمين العام يتابع الحراك، ووصل إليه صدى الشعارات ورسائل المناضلين، وجلس مع بعض منهم، وهو مسؤول عن احتواء المشكل قبل أن يأخذ أبعادا أخرى. فإذا كان مطلوبا من الوزارة الوصية إيجاد الصيغة القانونية لإعادة انتخابات مناديب العمال، فلقد أصبح ملحا على الأمين العام تنظيم انتخابات نزيهة للممثلين النقابيين بـ"ليدك" وبباقي الوكالات والشركات، ثم السهر على تنظيم مؤتمر وطني استثنائي لإعادة الحياة لهذه الجامعة الميتة، وفرز أجهزة قادرة على تبني الإصلاح والمساءلة والمحاسبة بشكل فعلي ورسمي من الداخل. هذا هو دور الأمانة الوطنية وليس دورها تهييج الشباب للاستمرار في الاحتجاج بدون أفق واضح. أضعنا عددا من الفرص هل تتابع حراك الشباب، وما موقعك وموقفك منه؟ في الحقيقة أنه منذ أن رفضت منهجية اشتغال "الحاج" وواجهت واقع الفساد، لم تنقطع صلتي بالمناضلين. فالأطر والمستخدمون بـ "ريضال" وغيرها من الوكالات ناس محترمون ومنضبطون رغم خوفهم من التعبير عن مواقفهم جهارا تجنبا للوقوع في شرك التواطؤ الإداري والنقابي. وأعتقد أنه بمذكرة المديرية المعنية بوزارة الداخلية رفع الحرج عن الجميع. أما عن موقفي، فأنا من جهة حزين لأننا أضعنا العديد من الفرص بسبب خيانة البعض وانحيازه للفساد، وبتخاذل وخوف البعض. ومن جهة أخرى أنا سعيد لأن وزارة الداخلية وصلت إلى ما نبهت إليه وكنت أحذر منه، والجميع الآن اقتنع بعدالة قضيتي. فلذلك فموقعي الطبيعي هو إلى جانب الإخوان والرفاق المحتجين بـ"ليدك" وكل الوكالات والشركات من أجل الضرب بيد من حديد على المتلاعبين بحقوق الأرامل والمتقاعدين وبمصالح المستخدمين وبمكاسبهم الاجتماعية والصحية، والرجوع إلى المنهجية الديمقراطية للحفاظ على الحقوق والمكتسبات. أطلب إنصافي من خلال تجربتك البرلمانية والنقابية، ماذا يمكنك أن تعطي لشباب الحراك؟ أود التذكير بأنني مناضل تم طردي بشكل تعسفي من شركة "ريضال" منذ 26 ماي 2021، رد فعل من الإدارة على وقوفي ضد "الحاج". ومن سخرية القدر أن الأسباب التي ناضلت لأجلها، هي تلك التي دفعت المديرية المعنية بوزارة الداخلية إلى سحب بساط تدبير تلك المصالح من يد المعني بالأمر. لذلك، أعتقد أن المنطق والأخلاق والقانون تقتضي اليوم أن يتم إنصافي من المديرية نفسها التي غضت الطرف عن طردي التعسفي، حتى لا أقول شيئا آخر، بتمكيني من الرجوع إلى العمل وتعويضي عن الأضرار التي لحقتني. نصيحتي للحراك لا أملك إلا النصيحة والدعم بالوسائل المتاحة. ونصيحتي للمناضلين هي: لقد أضعنا عددا من فرص الإصلاح في السابق بتخاذلنا واختيارنا المهادنة والاستسلام، أعتقد أن الزملاء في "ليدك" وغيرهم، قاموا اليوم بما يكفي من واجب فضح الفساد والمطالبة بالمحاسبة، من خلال عدة وقفات احتجاجية، لكن لا يمكن أن يستمر الوضع على هذا المنوال، احتجاج يتلوه احتجاج إلى ما لا نهاية. هذا يقلص من فرص الإصلاح ويتيح مجال المناورة للمفسدين ولرعاة الفساد. يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن هؤلاء منظمون وتربطهم مصالح شخصية ولهم قدرات هائلة على المناورة، في حين أننا كمناضلين مشتتين أفرادا وجماعات. أعتقد اليوم أن قضية جمعية المشاريع الاجتماعية أصبحت مسألة رأي عام وطني وهذا يكفي، ويجب أن يمر المناضلون إلى الخطوة التالية بداية بالتنظيم والتخطيط للقيام بالإصلاح والمساءلة والمحاسبة. يجب الإلحاح على الأمين العام لعقد جمع عام استثنائي للتوافق على انتداب "لجنة تنظيمية " لوقت معلوم ولمهام انتقالية محددة، وهذه مهمة عسيرة يجب الحرص فيها على سيادة الديمقراطية وإبعاد كل من تلوثت يده من قريب أومن بعيد في هذا الملف حتى لا نعيد عقارب الساعة إلى الوراء. وهم بالمناسبة ليسوا ثلاثة كما يصرح الشباب، وإنما هم أكثر من ذلك أضعافا مضاعفة. ويجب أن تكون مهمة "لجنة اليقظة " هي تدبير مرحلة انتقالية والحرص على التتبع والمشاركة في الإصلاح مع الإدارات المعنية، والتحضير لمؤتمر استثنائي للجامعة. دور الأمانة الوطنية التقى المحتجون مع الأمين العام. هل من أصداء لذلك؟ ما توصل إليه الزملاء مع الأمين العام خطوة إيجابية، ويجب مواصلة التواصل معه لحل الإشكالية التنظيمية بالقطاع. ولأجل ذلك يجب الانطلاق من الحقيقة والتأسيس لعلاقات مبنية على الصدق، وليس على المجاملة والمرور على الحقائق الدامغة التي عشناها ومازلنا، حتى لا تكرر الأخطاء نفسها. أقدم هذه التوضيحات حتى لا يظن أحد أن النضال "بدا غير اليوم"، ونبخس ما قامت به مجموعة من المناضلين الذين واجهوا "الحاج". أما اليوم، فقد قامت وزارة الداخلية بنصف الواجب وأوقفت النزيف، وعلى الجميع اليوم الاستثمار في ما تم تحقيقه وتصحيح المسار النقابي. وهذا هو دور الأمانة الوطنية، الذي يجب أن يقتصر على تصحيح الوضع النقابي وانتخاب أجهزة. وهذه الأجهزة هي التي يتعين عليها أن تقوم بالإصلاحات الضرورية، إلى جانب المديرية المعنية بوزارة الداخلية، وباقي إدارات الوكالات والشركات. في سطور: < من مواليد الرباط في 22 أكتوبر 1969. < متزوج وأب لثلاثة أبناء. < رئيس المرصد الوطني للحكامة والتماسك الاجتماعي والمجالي. < مستشار بالاتحاد الدولي لنقابات آسيا وإفريقيا < ماجستير في تدبير وضبط المخاطر (المدرسة الوطنية العليا للمعادن). < الديبلوم الجامعي للتكنولوجيا، شعبة الهندسة الكهربائية. < مكلف بإعداد الدراسات لتزويد المشاريع الكبرى والمتوسطة بالكهرباء بين 1992 و1998. < نائب رئيس الجامعة الوطنية لعمال توزيع الماء والكهرباء. < نائب رئيس جمعية المشاريع الاجتماعية لوكالات وشركات توزيع الماء والكهرباء. < قيادي سابق في الاتحاد المغربي للشغل. < عضو مجلس المفاوضة الجماعية بالمغرب سابقا < عضو مكتب مجلس المستشارين ومحاسب منتخب سابقا. < عضو لجنة الداخلية والجماعات الترابية بمجلس المستشارين سابقا. < عضو لجان الصداقة الفرنسية والكولومبية والمكسيكية والبرازيلية.