الكاتب والروائي السعودي قال لـلصباح إن جذب الشباب للكتاب يتطلب جهدا ونزولا من الأبراج العاجية خطف حضور الكاتب والروائي السعودي أسامة المسلم للمعرض الدولي للكتاب والنشر المقام حاليا بالرباط الأضواء، بعد أن حج المئات من قرائه إلى الرواق الذي كان يحتضن حفل توقيع أعماله لدرجة أن إدارة المعرض ألغت حفل التوقيع بسبب التدافع والازدحام. في هذا الحوار الذي خص به الكاتب السعودي "الصباح" يتحدث عن انطباعه لزيارته الأولى للمغرب وظروف الاستقبال، كما استحضر الكاتب الشاب مجموعة من القضايا تتعلق بعلاقة الكاتب بالقارئ وأزمة القراءة التي يرى أنها مفتعلة، ودور مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج للكتب وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي. أجرى الحوار: عزيز المجدوب وإيمان رضيف ـ تصوير: (عبد المجيد بزيوات) نبدأ معك من الاستقبال/ الحدث الذي حظيت به في معرض الكتاب.. هل كنت تتوقعه بهذه الكيفية؟ توقعت ولم أتوقع، خاصة أنني على تواصل دائم مع قرائي في مختلف الأقطار العربية، ومنها المملكة المغربية الشقيقة، وهم يعرفون منذ حوالي شهرين أنني سأكون حاضرا بالمعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط، لكن المفاجأة جاءت من الوسط الأدبي أو خارجه، لدرجة أنني منذ وصلت إلى المطار لمست مظاهر الحفاوة والترحيب، ولم أتوقع هذا العدد الكبير من القراء بالمعرض. ورغم أنني كاتب إلا أني وجدت نفسي عاجزا عن التعبير عن انبهاري بحجم الترحاب الذي لقيته والأكيد أنها لن تكون الزيارة الأخيرة فقد وعدت القراء أن أعيد الزيارة مرارا وتكرارا، حتى يتسنى لقاء الجميع، وأحمد الله على هذه المحبة الغامرة التي نمت منذ سنوات بيني وبين القراء، والتي أظهرت أن الحديث عن أزمة القراءة والقراء وأن الشباب لا يقرؤون هو حديث مجانب للصواب، فمن يحسنون التواصل مع القراء يعرفون أنهم موجودون وبالآلاف، فقط هناك من يختلف ويفتعل هوة بين بعض الأوساط الأدبية والقراء أو قراء هذا الجيل تحديدا. تحدثت عن الهوة بين الكاتب والقارئ.. ما هي الوصفة التي اعتمدتها من أجل تذويبها؟ مبدئيا لجأت إلى تجديد القوالب الأدبية وطريقة الكتابة، واتخاذ أسلوب السهل الممتنع، والبعض يعتقد أن السهولة والبساطة تعني السطحية وهذا غير صحيح، فالقراء يريدون حوارات محبوكة وقصص جذابة وشخصيات قريبة لهم، ومواضيع تحاكي ليس بالضرورة همومهم ولكن لا تقارب خيالات ومثاليات زائدة عن اللزوم، كما حاولت أن أنهج نوعا من "الكتابة الآمنة" التي تبتعد عن الثالوث المحرم: الدين والسياسة والجنس، فأنا لا أتطرق لها، ولست مستهدفا لفئة عمرية معينة، بالعكس أريد أن يقرأني الجميع، فالنص الأدبي يكون جذابا بمحتواه وبشخصياته وبقوة حبكته، لذا أسعد كثيرا بأن أجد من قرائي فئات عمرية صغيرة السن فأجعل نصوصي آمنة لهم ولا تعبث بقيمهم. ارتكز منجزك الأدبي في جزء كبير منه على الفنتازيا والغرائبية إلى أي حد استفدت من مخزون الحكايات الشعبية بشبه الجزيرة العربية؟ > من مبادئي في الكتابة في هذا المجال ألا أستعين بمواضيع من خارج القطر العربي، كل الأساطير التي كتبت عنها ووظفتها هي عربية تنتمي إلى المجال ما بين الخليج والمحيط، فأنا عاشق لكل ما هو عربي وأكتب عنه لكي أحبب الشباب في أبطالنا العرب، بل إنني استحضرت جبال الأطلس المغربية في إحدى رواياتي وهي "خوف". لا أريد أن أكتب في مواضيع وأساطير غربية ليس تحقيرا لها، ولكن اقتناعا مني بأنه لدينا في تراثنا العربي ما يكفي منها. خاصم الأدب والرواية العربية المعاصرة والحديثة، نوعا ما، الإرث العربي المتعلق بالجانب الخيالي، فلماذا اخترت التشبث به؟ بدأت الفانتازيا من الشرق مثلا "ألف ليلة وليلة" و"كليلة ودمنة"، ونحن أصل الفانتازيا، لكننا أهملناها، للأسف، ولم يعد يكتب فيها الكثير. ولأنني عاشق للفانتازيا منذ الصغر، أحببت أن أساهم بقدر المستطاع في المكتبة العربية في مجال الفانتازيا العربية، لأنها تعد من الفئات الأدبية التي نجيدها منذ القدم. لكن لماذا الفانتازيا التاريخية العربية، لأنه كان من الممكن الانفتاح على ثقافات أخرى؟ الشباب العربي في حاجة إلى أن يعرف تاريخه قبل التعرف على تاريخ غيره، لذلك أحرص على مساعدته على استكشاف تاريخه. ورغم أنني لا أستطيع تغطية كل التاريخ، لكن لدي بعض التجارب في هذا الصدد منها سلسلة "ملحمة البحور السبعة" التي تغوص في مجال حوريات البحر والقراصنة. على امتداد 32 إصدارا لم أنحصر في الفانتازيا العربية، لكن أحاول أن أزرع كل شيء عربي فيها، منها القيم والعادات والتقاليد حتى قبل الجاهلية. لن يقرأ الشباب كتابا تاريخيا مملا لاستكشاف التاريخ العربي، لكنهم سيستكشفونه في رواية، التي لا تركز على قصص الخيال والفانتازيا، فقط، إنما أيضا على قيم وعادات. كان بعض القراء الشباب يعتقدون أن الأماكن التي أذكرها في مؤلفاتي خيالية، لكن الحقيقة أنني أستعين بالواقع الذي أغلفه بشيء من الخيال الممتع، لتشجيعهم على القراءة، فلن يكون سهلا على الفتيان والفتيات أن يقرؤوا كتابا من 500 صفحة في هذا الزمن دون وضعه في قالب ممتع. ما هي سلبيات حضورك القوي على مواقع التواصل الاجتماعي؟ هناك سلبيات كثيرة، منها الترويج لمغالطات لا أساس لها من الصحة، مثلا حادث معرض الكتاب الرباط، والذي كان السبب في انتشار أخبار وأكاذيب، وأن إدارة المعرض أهملت الزوار الذين حجوا إلى المعرض لحضور حفل توقيع اصداري، لكن كل ذلك لم يكن صحيحا، والحقيقة أن إدارة المعرض كانت مهتمة، وتواصل معي الوزير مهدي بنسعيد وقال لي بالحرف إنه على استعداد لتوفير كل ما أحتاج إليه لإرضاء الشباب الذين جاؤوا إلى المعرض من أجل حفلي، وللأسف ما تم تداوله بعيد عن الواقع، وهو ما اعتبره من سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما دفعني أيضا إلى الخروج بتوضيح حول الموضوع، والتأكيد أن ما تناقلته بعض المواقع بعيد عن الحقيقة. هل تستغل تنقلاتك إلى العواصم العربية لتنويع مصادر كتاباتك في الفانتازيا؟ أحرص على اقتناء الكتب من كل معرض، والتواصل مع عدد من الأشخاص، علما أن لدي اصدارات تتحدث عن الحضارة المصرية وعن الفراعنة. بدأت من الخليج وانتقلت إلى مصر والآن بصدد تغطية شمال إفريقيا. ما هي الانطباعات الأولية التي تشكلت لديك من خلال الاطلاع على بعض النماذج من القصص العربية؟ هناك تشابه وتداخل بين أساطيرنا، فعلى سبيل المثال، لديكم أسطورة "عيشة قنديشة"، وهي أيضا موجودة أيضا في الخليج ومصر لكن بأسماء أخرى ومختلفة، من أجل ذلك هناك تشابه في الأساطير لكن مع اختلاف المسميات. انا بصدد البحث في هذه الأساطير ووضعها في روايات قادمة. لست ظاهرة أنا حالة جديدة هناك من يقول إنك "ظاهرة" بما تحمله هذه الكلمة من معان قد تحيل على سرعة الانحسار والزوال... لست بظاهرة، ربما حالة جديدة من الأدب المعاصر، فأنا لم آت من خارج الأدب بل متخصص فيه، والأدب عموما عبر التاريخ يتطور ويتغير ويواكب الأجيال التي تتعاقب معه، وبعض أنواع هذا الأدب يقف به الزمن في لحظة الماضي، وهذا الجيل لا يريد إلا من يحاكيه ويكتب له بطريقة تفكيره العالية والذكية، وبشكل يجذبه من مواقع التواصل الاجتماعي وعالم الألعاب الالكترونية لتجعله يمسك الكتاب الورقي مجددا، فهذه العملية تتطلب جهدا وتطويرا في الأسلوب الأدبي، وهذا لا يعني أن من يكتب بالأسلوب التقليدي متجاوز أو قاصر، لكن لا بد من التطوير والتغيير، لهذا اتخذت هذه الخطوة واستعنت بقوالب حديثة، والحمد لله تقبلها القراء ووجدت صدى لديهم. القوالب الأدبية ليست قرآنا منزلا أنك كاتب سعودي يدفعنا إلى استحضار أسماء سعودية مكرسة في الأدب مثل عبد الرحمن منيف وعبده خال ورجاء عالم وهاني نقشبندي وغيرهم، أين تضع نفسك وسط هؤلاء وهل تجوز مقارنتك بهم؟ لا أعرف في أي مجال قورنت بهم إلا إذا كان الأمر يتعلق بالانتماء إلى القطر نفسه، فهؤلاء الكتاب مرموقون وكتاباتهم رائعة جدا، لكنني أضع نفسي في فئة مختلفة ومغايرة، فلا أحد منهم خاض ما خضته ولانكتب على صعيد واحد، فالقوالب هي التي تحدد الإقبال عليك وجمهورك، لكن هناك من يتعامل معها وكأنها قرآن منزل لا يمكن الخروج عليه، فقد قررت أن أسلك طريقا آخر مختلفا تماما قد لا تجد من حاكاني فيه منهم، والكل حر في ما يختار في أسلوب للكتابة، لكن الشباب الحالي لا يكترث بالوزن بل يكترث بما يجذبه ويحاكي عصره وعوالمه الخاصة، ويجب على البعض أن ينــــــزل من بروجه العاجية ويختلط بالناس ويفهم ما يريدون قراءته، ولا أرى في الأمر شعبوية، ولكن مقتنع أننا أمة "لا تكتب" لكنها في المقابل أمة تقرأ، فالكل يريد أن يقرأ ويستمتع بالقراءة، لذا علينا أن نخرج قليلا ونطور أساليبنا وقوالبنا إن أردنا أن نصل للناس. ليس كل ما يروج يباع الملاحظ أنك تروج لإصداراتك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، لماذا هذا الاختيار وهل هو في إطار استهداف القراء الشباب؟ الحقيقة الغائبة هي أنني لا أروج لإصداراتي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. فولوجي لهذه المواقع كان صدفة. أكتب منذ 2015 وحينها لم تكن تلك المواقع بالقوة التي عليها اليوم. صحيح أنه كانت لي حسابات عليها، أعلن من خلالها عن مواعيد توقيع اصداراتي، لكن بعد جائحة فيروس كورونا، وبعدما حبس الناس في بيوتهم، أصبحت هذه المواقع أكثر اختراقا للبيوت، علما أنني حينها كنت موجودا منذ سنوات والجمهور أيضا كان موجودا والتزاحم علي كان موجودا أيضا. كما أن التعامل مع متابعي حسابي على "تيك توك" كان مختلفا، وحرصت على أن أكون بمثابة الأخ الأكبر، وكنت أتحدث كأنهم إخواني وأبنائي دون التركيز على اصداراتي، فحببهم هذا التواصل بيننا، في شخصي ودفعهم الفضول إلى قراءة إصداراتي وأحبوها. ليس كل ما يروج يباع، لكن إذا كان الشيء في الأصل جيد، فالترويج له يزيده انتشارا. أعتقد أن العملية كانت متكاملة ومتراكبة عبر السنوات، ولا أنكر أن مواقع التواصل الاجتماعي، أعطتني دفعة، لكن ما شهده المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، حدث في 2017 و2018، وما حدث في الرباط، حدث أيضا في القاهرة والكويت وأبو ظبي والرياض وجدة. ولا يعتبر حفل الرباط أول حفل يلغى بسبب الحضور الكبير، لكن الإعلام كان غائبا ومغيبا، والوسط الأدبي لا يرغب في رؤية هذه الأمور. أتفهم أن البعض متفاجئ واعتبر أن الأمر يتعلق بظاهرة جديدة، لكن ما اعتبره، فعلا، ظاهرة، أن الناس انتبهت للمجتمع القرائي الذي يكاد لا يظهر للبعض، وأثبتنا أننا موجودون ومنتشرون. على الكتاب أن يلمسوا حاجات الشباب ومواضيعهم، لأنني لا أرغب في حمل هذا المشعل وحيدا. في سطور < من مواليد 1977 في محافظة الأحساء بالعربية السعودية. < أكمل تعليمه الجامعي بجامعة الملك فيصل في الهفوف، ليتخصص في دراسة الأدب الإنجليزي. < من أشهر أعماله: > رواية "خوف" (جزآن) > سلسلة "بساتين عربستان" (خمسة أجزاء) > ملحمة "البحور السبعة" (أربعة أجزاء) > مجموعة "صخب الخسيف" (ثلاثة أجزاء) > رواية "وهج البنفسج" صدر في (2017) > "مخطوطات دفينة" مجموعة قصصية مشتركة مع الكاتب عبد الوهاب الرفاعي. > "الدوائر الخمس" رواية رعب فنتازيا"