fbpx
خاص

‭”‬دخول‭ ‬الشام‭ ‬ماشي‭ ‬بحال‭ ‬خروجو‭”‬

تفاصيل‭ ‬مأساة‭ ‬ثلاث‭ ‬طفلات‭ ‬من‭ ‬أبوين‭ ‬مغربيين‭ ‬معلقات‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬بدون‭ ‬وثائق‭ ‬ثبوتية

ما‭ ‬زالت‭ ‬أسرة‭ ‬الزبير‭ ‬الحسناوي،‭ ‬عالقة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عجز‭ ‬الأبوان‭ ‬عن‭ ‬إدخال‭ ‬طفلاتهما‭ ‬اللواتي‭ ‬ولدن‭ ‬بين‭ ‬سوريا‭ ‬وتركيا،‭ ‬إلى‭ ‬المغرب،‭ ‬بدعوى‭ ‬ألا‭ ‬وثائق‭ ‬ثبوتية‭ ‬لهن‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الخاص‭ ‬تستعيد‭ “‬الصباح‭”‬تفاصيل‭ ‬مأساة‭ ‬هاته‭ ‬الأسرة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بحلم‭ ‬مساندة‭ ‬الثوار‭ ‬في‭ ‬سوريا‭. ‬

إنجاز‭: ‬عزيز‭ ‬المجدوب

في‭ ‬البدء‭ ‬كان‭ ‬الحماس‭ ‬والتعاطف‭ ‬اللذان‭ ‬انتابا‭ ‬شابا‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬عمره‭ ‬الرابعة‭ ‬والعشرين،‭ ‬في‭ ‬خريف‭ ‬2013‭. ‬حرّكته‭ ‬مشاهد‭ ‬سوريا‭ ‬وهي‭ ‬تتمزق‭ ‬وتحترق‭ ‬وتسقط‭ ‬نهبا‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬المتربصين‭ ‬بالبلد‭ ‬الذي‭ ‬شكل‭ ‬مهدا‭ ‬لحضارة‭ ‬الشام‭.‬

كانت‭ ‬انتفاضات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أوجها،‭ ‬وامتدت‭ ‬نيرانها‭ ‬لتلهب‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المشرق‭ ‬العربي،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا،‭ ‬بؤرة‭ ‬التوترات‭ ‬والقلاقل،‭ ‬فكانت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والتواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تنقل‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬صور‭ ‬ومشاهد‭ ‬وفظاعات‭ ‬بلدان‭ ‬بحضارات‭ ‬عريقة،‭ ‬صارت‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬الثوار‭ ‬أو‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬أو‭ ‬الأنظمة‭ ‬المتسلطة،‭ ‬كلّ‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬تركيب‭ ‬المشهد‭ ‬وفق‭ ‬رؤيته‭ ‬الخاصة،‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الأرواح‭ ‬والبنيان‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬الشاب‭ ‬الزبير‭ ‬الحسناوي‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الحماس‭ ‬والتعاطف‭ ‬اللذين‭ ‬سيدفعانه‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬الالتحاق‭ ‬بسوريا،‭ ‬ومساعدة‭ ‬شعبها‭ ‬على‭ ‬التحرر،‭ ‬حسب‭ ‬اعتقاده،‭ ‬سيفضيان‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬سيناريو‭ ‬معقد‭ ‬مليء‭ ‬بالأحداث‭ ‬والمنعرجات،‭ ‬ستجعل‭ ‬لسان‭ ‬حاله‭ ‬يقول‭ “‬دخول‭ ‬الشام‭ ‬ماشي‭ ‬بحال‭ ‬خروجو‭”‬،‭ ‬وفي‭ ‬عهدته‭ ‬ثلاث‭ ‬طفلات،‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬عمر‭ ‬أكبرهن‭ ‬تسع‭ ‬سنوات،‭ ‬معلقات‭ ‬بين‭ ‬الحدود‭ ‬التركية‭/ ‬السورية،‭ ‬منذ‭ ‬أربع‭ ‬سنوات،‭ ‬لا‭ ‬يملكن‭ ‬حق‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬بلد‭ ‬والديهن،‭ ‬بحكم‭ ‬أنهن‭ ‬ولدن‭ ‬في‭ ‬بؤر‭ ‬التوتر‭ ‬ولا‭ ‬يملكن‭ ‬أي‭ ‬وثائق‭ ‬ثبوتية‭.‬

خطابات‭ ‬الشحن

خلال‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬قرر‭ ‬فيها‭ ‬الزبير‭ ‬الحسناوي‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬الالتحاق‭ ‬بسوريا،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مدفوعا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سوى‭ ‬بمخلّفات‭ ‬خطابات‭ ‬الشحن‭ ‬والتحميس‭ ‬والتهييج‭ ‬والتحريض،‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها،‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الشيوخ‭ ‬والدعاة‭ ‬وبعض‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭.‬

الزبير‭ ‬الحسناوي‭   ‬(خاص)

لم‭ ‬يكن‭ ‬الحسناوي‭ ‬شخصا‭ ‬متدينا‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يجعله‭ ‬يتأثر‭ ‬بسهولة‭ ‬بخطابات‭ ‬التطرف،‭ ‬يقول‭ ‬مصدر‭ ‬مقرب‭ ‬منه،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬تكوينه‭ ‬الشخصي‭ ‬والدراسي‭ ‬كان‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يصطدم‭ ‬بها،‭ ‬خلال‭ ‬دراسته‭ ‬الجامعية‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ ‬بفاس،‭ ‬حيث‭ ‬درس‭ ‬الأدب‭ ‬الإنجليزي،‭ ‬وفضّل‭ ‬أن‭ ‬ينأى‭ ‬بنفسه‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬صراعات‭ ‬الفصائل‭ ‬الطلابية‭.‬

الحسناوي‭ ‬المتحدر‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬ميسور‭ ‬كان‭ ‬يجرّ‭ ‬خلفه‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬المآسي،‭ ‬منذ‭ ‬طفولته،‭ ‬التي‭ ‬عانق‭ ‬فيها‭ ‬اليتم‭ ‬مبكرا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقد‭ ‬والدته‭ ‬في‭ ‬السادسة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬لذلك‭ ‬اضطر‭ ‬إلى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مراحل‭ ‬حياته،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المرحلة‭ ‬الجامعية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يوازي‭ ‬بين‭ ‬العمل‭ ‬والدراسة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتعرف‭ ‬على‭ ‬زميلة‭ ‬دراسة‭ ‬تدرس‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬بالكلية‭ ‬نفسها،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لا‭ ‬متدينة‭ ‬ولا‭ ‬متحجبة،‭ ‬فقررا‭ ‬الاقتران‭ ‬خلال‭ ‬سنتهما‭ ‬الجامعية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ويواصلا‭ ‬تمدرسهما‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬تخرجهما‭.‬

يقول‭ ‬مصطفى‭ ‬شقيق‭ ‬الزبير،‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬مع‭ “‬الصباح‭”‬،‭ ‬إن‭ “‬المجال‭ ‬كان‭ ‬مفتوحا‭ ‬لمن‭ ‬أراد‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالثورة‭ ‬السورية‭ ‬دون‭ ‬تجريم‭ ‬لذلك،‭ ‬فأصبح‭ ‬الملتحقون‭ ‬بسوريا‭ ‬أبطالا‭ ‬عابرين‭ ‬للحدود‭”.‬

وأضاف‭ ‬أن‭ ‬شقيقه،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الجو‭ ‬المشحون،‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬قنوات‭ ‬فضائية‭ ‬معروفة،‭ “‬سيتأثر‭ ‬بما‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وسيشعل‭ ‬فتيل‭ ‬تأثره،‭ ‬جيران‭ ‬وأصدقاء‭ ‬وزملاء‭ ‬له،‭ ‬سبقوه‭ ‬إلى‭ ‬هناك،‭ ‬وسيقرر‭ ‬الذهاب‭ ‬أيضا‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الشعب‭ ‬السوري،‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه‭ ‬ومساعدته‭”.‬

ويضيف‭ ‬أن‭ ‬الزبير‭ ‬خلال‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬قرر‭ ‬فيها‭ ‬الرحيل‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭ “‬لم‭ ‬تكن‭ ‬عنده‭ ‬أدنى‭ ‬فكرة‭ ‬عن‭ ‬الخطوة‭ ‬التي‭ ‬هو‭ ‬مقبل‭ ‬عليها،‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬خريطة‭ ‬الجماعات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬ولا‭ ‬أفكارها‭ ‬ولا‭ ‬إيديولوجيتها‭.”‬و‭”‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرف‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬ومشاريعها،‭ ‬ولا‭ ‬مهتما‭ ‬بها،‭ ‬ولا‭ ‬عنده‭ ‬ميول‭ ‬لأفكار‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬تطبيق‭ ‬الشريعة‭ ‬أو‭ ‬تطبيق‭ ‬الحدود،‭ ‬أو‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬خلافة‭ ‬إسلامية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عنده‭ ‬مشكل‭ ‬مع‭ ‬مؤسسات‭ ‬بلاده‭ ‬وقوانينها،‭ ‬ولم‭ ‬يعرف‭ ‬عنه‭ ‬انتماء‭ ‬لأي‭ ‬فصيل‭ ‬أو‭ ‬جماعة‭ ‬إسلامية‭ ‬معتدلة‭ ‬أو‭ ‬متطرفة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬دعوية‭”.‬

في‭ ‬براثن‭ “‬شام‭ ‬الإسلام‭ ‬المغربية‭”‬

كانت‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬تؤطر‭ ‬الزبير‭ ‬وهو‭ ‬يتوجه‭ ‬إلى‭ ‬سوريا،‭ ‬أنه‭ ‬ذاهب‭ ‬لمساعدة‭ ‬شعبها،‭ ‬وسيكون‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الثوار‭ ‬المدنيين،‭ ‬يقول‭ ‬قريبه،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬بتوجيه‭ ‬من‭ ‬المهرّبين،‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬التركية،‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬جماعة‭ ‬تدعى‭ “‬شام‭ ‬الإسلام‭ ‬المغربية‭”.‬

أثار‭ ‬اسم‭ ‬الجماعة‭ ‬وقعا‭ ‬خاصا‭ ‬في‭ ‬نفسية‭ ‬الشاب،‭ ‬مع‭ ‬ارتياح‭ ‬خفيف‭ ‬لكلمة‭ “‬المغربية‭”‬،‭ ‬معتقدا‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬وسط‭ ‬رفاق‭ ‬لن‭ ‬يشعر‭ ‬معهم‭ ‬بالغربة،‭ ‬وسيحقق‭ ‬حلمه،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬زوجته‭ ‬ستلتحق‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭.‬

لم‭ ‬تمض‭ ‬سوى‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬حتى‭ ‬انقشعت‭ ‬الغشاوة‭ ‬عن‭ ‬الأبصار،‭ ‬وتبخر‭ ‬الحلم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وجد‭ ‬الزبير‭ ‬وزوجته‭ ‬نفسيهما،‭ ‬بين‭ ‬تنظيم‭ ‬متطرف‭ ‬لا‭ ‬يناقش‭ ‬أفراده‭ ‬سوى‭ ‬مفاهيم‭ ‬الغزو‭ ‬والسبي‭ ‬والتكفير‭ ‬وتطبيق‭ ‬الحدود‭ ‬والخلافة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فبدآ‭ ‬يفكران‭ ‬في‭ ‬الانسحاب،‭ ‬لكن‭ ‬دخول‭ “‬الشام‭”‬ليس‭ ‬كخروجه‭.‬

شرع‭ ‬الزبير‭ ‬في‭ ‬التذرع‭ ‬بأن‭ ‬زوجته‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬العلاج‭ ‬والتطبيب،‭ ‬فتسللا‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭ ‬إلى‭ ‬تركيا،‭ ‬حيث‭ ‬قضيا‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬كانت‭ ‬كافية‭ ‬أن‭ ‬يختلي‭ ‬بنفسه‭ ‬ويواجهها‭ ‬ويفكر‭ ‬باستقلالية‭ ‬وحرية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬ضغوطات‭ ‬الجماعة‭ ‬والمحيط‭ ‬والواقع‭.‬

‭ ‬ففكر‭ ‬الزبير‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬يستقر‭ ‬هناك،‭ ‬لكن‭ ‬صعوبة‭ ‬الظروف‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬وثائق،‭ ‬جعلته‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬سوريا،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اتخذ‭ ‬قرارا،‭ ‬بعدم‭ ‬الانضمام‭ ‬لأي‭ ‬جماعة‭ ‬إسلامية‭ ‬والقتال‭ ‬معها،‭ ‬كما‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬التركية،‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬قرر‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭.‬

عاد‭ ‬الزبير،‭ ‬يحكي‭ ‬شقيقه،‭ ‬إلى‭ ‬سوريا،‭ ‬وقد‭ ‬أدرك‭ ‬حجم‭ ‬الورطة‭ ‬التي‭ ‬تورط‭ ‬فيها،‭ ‬مع‭ ‬جماعة‭ ‬سلفية،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حينها‭ ‬قد‭ ‬صنفها‭ ‬جماعة‭ ‬إرهابية،‭ ‬فقرر‭ ‬أن‭ ‬يقطع‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التوجهات‭ ‬الإسلامية،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬البقاء‭ ‬معزولا‭ ‬منفردا،‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬تشتعل‭ ‬حربا،‭ ‬سيكون‭ ‬وحيدا‭ ‬ضعيفا،‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬اقتناصه‭ ‬أو‭ ‬الاعتداء‭ ‬عليه،‭ ‬ولن‭ ‬يجد‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬يساعده‭ ‬إذا‭ ‬احتاج‭ ‬ذلك‭.‬

قرر‭ ‬الزبير‭ ‬أن‭ ‬يلتحق‭ ‬بالسوريين‭ ‬أبناء‭ ‬البلد،‭ ‬وليس‭ ‬بالإسلاميين‭ ‬الأجانب،‭ ‬وأن‭ ‬ينضم‭ ‬لمطالب‭ ‬الثوار‭ ‬السوريين‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬مدنية‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬وليس‭ ‬دولة‭ ‬الخلافة‭ ‬والشريعة‭ ‬التي‭ ‬يطالب‭ ‬بها‭ ‬الجهاديون‭.‬

ميلاد‭ “‬ريحانة‭”‬

وهكذا‭ ‬انضم‭ ‬لأحد‭ ‬فصائل‭ ‬الجيش‭ ‬الحر،‭ ‬وهو‭ ‬فصيل‭ ‬أبناء‭ ‬القادسية،‭ ‬وقرر‭ ‬أن‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬الإسلاميين،‭ ‬فذهب‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬مسيحية،‭ ‬تسمى‭ ‬قرية‭ ‬القنِّية،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬2015،‭ ‬وبعد‭ ‬حوالي‭ ‬ثلاثة‭ ‬أو‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر،‭ ‬ستزداد‭  ‬طفلته‭ ‬الأولى‭ “‬ريحانة‭”‬،‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬قاسية‭ ‬جدا،‭ ‬بعملية‭ ‬قيصرية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انعدام‭ ‬أبسط‭ ‬الشروط‭ ‬الصحية،‭ ‬وغياب‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الرعاية‭ ‬وتحت‭ ‬القصف‭ ‬والصواريخ‭ ‬والبراميل‭ ‬المتفجرة،‭ ‬وسيحذر‭ ‬الأطباء‭ ‬الأم،‭ ‬من‭ ‬الولادة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬لأن‭ ‬ظروفها‭ ‬الصحية‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭.‬

ستتدهور‭ ‬صحة‭ ‬الرضيعة‭ “‬ريحانة‭”‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة،‭ ‬بشكل‭ ‬خطير،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬أشبه‭ ‬بالهيكل‭ ‬العظمي،‭ ‬بلون‭ ‬شاحب‭ ‬وعينين‭ ‬غائرتين‭ ‬وشفتين‭ ‬زرقاوين،‭ ‬فأخذها‭ ‬والدها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة‭ ‬للمستشفى،‭ ‬فاعتذروا‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬عن‭ ‬قبولها،‭ ‬وأرسلوه‭ ‬لمستشفى‭ ‬ميداني،‭ ‬وعندما‭ ‬حل‭ ‬به،‭ ‬وجده‭ ‬مجرد‭ ‬خيام‭ ‬منصوبة‭ ‬في‭ ‬ساحة،‭ ‬تفتقد‭ ‬لأبسط‭ ‬شروط‭ ‬الرعاية،‭ ‬فرجع‭ ‬للمستشفى‭ ‬وبعد‭ ‬استجداء‭ ‬وتوسل،‭ ‬قبلوها‭ ‬منه،‭ ‬فوجدوا‭ ‬لديها‭ ‬جفافا‭ ‬حادا،‭ ‬فبقي‭ ‬معها‭ ‬هو‭ ‬وأمها‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬أسبوعين‭ ‬كاملين،‭ ‬بعد‭ ‬خروج‭ ‬المولودة‭ ‬التي‭ ‬عمرها‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المحنة،‭ ‬ستدخل‭ ‬في‭ ‬محنة‭ ‬أخرى،‭ ‬بعد‭ ‬تعرض‭ ‬المنزل‭ ‬للقصف‭.‬

كان‭ ‬الأب‭ ‬بعيدا،‭ ‬وتم‭ ‬إخباره‭ ‬بأن‭ ‬قصفا‭ ‬بالصواريخ‭ ‬ضرب‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬يسكن‭ ‬فيها،‭ ‬فعاد‭ ‬مسرعا‭ ‬مرعوبا،‭ ‬يتخيل‭ ‬أشلاء‭ ‬زوجته‭ ‬وطفلته،‭ ‬ولحسن‭ ‬الحظ‭ ‬لم‭ ‬يصب‭ ‬المنزل،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الدمار‭ ‬كان‭ ‬محيطا‭ ‬به،‭ ‬وعندما‭ ‬دخل‭ ‬وجد‭ ‬صراخ‭ ‬طفلته‭ ‬المرعوبة‭ ‬يملأ‭ ‬المكان،‭ ‬وزوجته‭ ‬منهارة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬رجليها‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬الصدمة‭ ‬والرعب‭ ‬والخوف‭.‬

بعد‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة،‭ ‬بدأ‭ ‬التخطيط‭ ‬جديا‭ ‬للعودة‭ ‬للمغرب،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬2015،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭.‬

ويتابع‭ ‬قريب‭ ‬الزبير‭ ‬أن‭ ‬جواسيس‭ “‬جبهة‭ ‬النصرة‭”‬وأعينها‭ ‬تراقبه‭ ‬وتترصده،‭ ‬وبدأت‭ ‬عمليات‭ ‬تحقيق‭ ‬غير‭ ‬رسمية‭ ‬تجرى‭ ‬معه،‭ ‬حول‭ ‬انفصاله‭ ‬عن‭ ‬جماعة‭ ‬شام‭ ‬الإسلام،‭ ‬وانتقاده‭ ‬للجماعات‭ ‬السلفية،‭ ‬واستقراره‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬مدة‭ ‬طويلة،‭ ‬والتحاقه‭ ‬بفصيل‭ ‬علماني‭ ‬مرتد‭ ‬من‭ ‬فصائل‭ ‬الجيش‭ ‬الحر،‭ ‬واستقراره‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬مسيحية‭.‬

قرار‭ ‬المغادرة‭ ‬إلى‭ ‬المغرب

أحس‭ ‬الزبير‭ ‬بالخطر‭ ‬المحدق،‭ ‬فقرر‭ ‬المغادرة‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬وقت،‭ ‬ولم‭ ‬يتيسر‭ ‬له‭ ‬الأمر،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬2016،‭ ‬حيث‭ ‬غادر‭ ‬رفقة‭ ‬زوجته‭ ‬وطفلته‭ ‬إلى‭ ‬تركيا،‭ ‬عاقدين‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬المغرب،‭ ‬لكنه‭ ‬سيتفاجأ‭ ‬بتعديل‭ ‬قانون‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وأنه‭ ‬الآن‭ ‬أصبح‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬مجرما‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬بأثر‭ ‬رجعي‭.‬

قرر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬وإعطاء‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬لنفسه،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬المناسب‭ ‬والصائب‭ ‬لصالح‭ ‬طفلته،‭ ‬يفكر‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬الرجوع‭ ‬للمغرب،‭ ‬ولكن‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬طفلته‭ ‬ومن‭ ‬سيعيلها،‭ ‬وكيف‭ ‬ستكبر‭ ‬بدون‭ ‬أب،‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬لكن‭ ‬كيف‭ ‬سيبقى‭ ‬بدون‭ ‬وثائق‭ ‬وأوراق‭ ‬هوية،‭ ‬هل‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬سوريا،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يطيق‭ ‬ذلك،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أعين‭ ‬جبهة‭ ‬النصرة‭ ‬الإرهابية‭ ‬تترصده‭ ‬وتطارده‭.‬

لحظة‭ ‬الهروب‭ ‬الأخير‭         ‬(خاص)

بقي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬تارة‭ ‬يهرب‭ ‬من‭ ‬الشرطة،‭ ‬ومرة‭ ‬يهرب‭ ‬من‭ ‬السوريين‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬يكونون‭ ‬مرتبطين‭ ‬بجماعة‭ ‬النصرة،‭ ‬تارة‭ ‬يجد‭ ‬عملا‭ ‬ليعيل‭ ‬به‭ ‬زوجته‭ ‬وطفلته،‭ ‬وتارة‭ ‬لا‭ ‬يجد،‭ ‬أحيانا‭ ‬من‭ ‬يؤجر‭ ‬له‭ ‬غرفة،‭ ‬وأحيانا‭ ‬لا‭ ‬يجد‭… ‬ثم‭ ‬فجأة‭ ‬ستكتشف‭ ‬زوجته‭ ‬أنها‭ ‬حامل،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬سيصعب‭ ‬عليه‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬لأنه‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬الدخول‭ ‬لأي‭ ‬مستشفى‭.‬

فشلت‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬الإجهاض‭ ‬التي‭ ‬سعا‭ ‬إليها‭ ‬الوالدان،‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬يعدم‭ ‬فيها‭ ‬المجهضون‭ ‬مباشرة،‭ ‬وهكذا‭ ‬ستولد‭ ‬طفلة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬ظروف‭ ‬ولادة‭ ‬أختها،‭ ‬قصف‭ ‬وصواريخ‭ ‬ومرض‭ ‬ومعاناة‭ ‬ورعب‭ ‬وانعدام‭ ‬الظروف‭ ‬الصحية‭… ‬هذه‭ ‬الطفلة‭ ‬هي‭ “‬أريج‭”‬،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2017،‭ ‬وبعد‭ ‬أسابيع‭ ‬من‭ ‬ولادتها،‭ ‬كان‭ ‬يحملها‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬فسقط‭ ‬صاروخ‭ ‬قريبا‭ ‬منهم،‭ ‬وتطايرت‭ ‬الشظايا‭ ‬والطوب‭ ‬والحجارة‭… ‬فوضعها‭ ‬أرضا‭ ‬وحماها‭ ‬بجسده،‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬الدجاجة‭ ‬مع‭ ‬فراخها،‭ ‬كان‭ ‬أي‭ ‬جسم‭ ‬طائر‭ ‬سيصيب‭ ‬جسدها‭ ‬الهش‭ ‬الضعيف،‭ ‬سيسبب‭ ‬مقتلها،‭ ‬فلم‭ ‬يجد‭ ‬الأب‭ ‬وسيلة‭ ‬لحماية‭ ‬ابنته،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬جسده‭ ‬درعا‭ ‬يحميها‭.‬

التسلل‭ ‬الصعب‭  ‬‭ 

كان‭ ‬التسلل‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬أصبح‭ ‬صعبا‭ ‬جدا،‭ ‬بل‭ ‬مستحيلا،‭ ‬مع‭ ‬تغير‭ ‬خريطة‭ ‬الفصائل،‭ ‬ومناطق‭ ‬النفوذ،‭ ‬وموقف‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬الفصائل‭…‬،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬القرية‭ ‬هي‭ ‬قرية‭ ‬كفر‭ ‬روحين،‭ ‬وفعلا‭ ‬بدأ‭ ‬بتنفيذ‭ ‬محاولات‭ ‬للتسلل‭ ‬إلى‭ ‬تركيا،‭ ‬خائضا‭ ‬مغامرات‭ ‬مرعبة،‭ ‬يحمل‭ ‬طفلتيه‭ ‬الصغيرتين‭ ‬ويجر‭ ‬زوجته،‭ ‬سالكا‭ ‬الأودية‭ ‬والفجاج،‭ ‬صاعدا‭ ‬الجبال‭ ‬والتلال،‭ ‬ليلا‭ ‬والجو‭ ‬قارس،‭ ‬هاربا‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬جبهة‭ ‬النصرة‭ ‬وعناصر‭ ‬داعش،‭ ‬والأكراد‭ ‬والعصابات،‭ ‬والجيش‭ ‬السوري‭ ‬والجيش‭ ‬التركي‭… ‬لكن‭ ‬محاولاته‭ ‬كانت‭ ‬تفشل،‭ ‬فلا‭ ‬يستطيع‭ ‬مرة‭ ‬تجاوز‭ ‬حاجز‭ ‬تفتيش‭ ‬فيرجع،‭ ‬أو‭ ‬تبدأ‭ ‬بنتاه‭ ‬بالبكاء‭ ‬ليلا،‭ ‬فيخاف‭ ‬أن‭ ‬يكتشف‭ ‬أمره‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق‭ ‬فيرجع‭.‬

ظل‭ ‬الزبير‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحال،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فوجئ‭ ‬هو‭ ‬وزوجته‭ ‬بنبأ‭ ‬حمل‭ ‬ثالث،‭ ‬فشلت‭ ‬معه‭ ‬كل‭ ‬المساعي‭ ‬والوصفات‭ ‬الشعبية‭ ‬لإجهاضه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الجنين‭ ‬كان‭ ‬متمسكا‭ ‬بحقه‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬لتولد‭ ‬طفلة‭ ‬ثالثة‭ ‬اسمها‭ “‬زينب‭”‬،‭ ‬وخلال‭ ‬الفترة‭ ‬نفسها‭ ‬توصلت‭ ‬عناصر‭ ‬جبهة‭ ‬النصرة‭ ‬إلى‭ ‬الزبير‭ ‬فاختطفته،‭ ‬وعرضته‭ ‬لتعذيب‭ ‬فظيع،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬وبتهم‭ ‬ثقيلة‭ ‬آخرها‭ ‬التجسس‭ ‬لفائدة‭ ‬المخابرات‭ ‬المغربية‭.‬

وبعد‭ ‬تسع‭ ‬محاولات‭ ‬للتسلل‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬تمكن‭ ‬الزبير‭ ‬وأسرته‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬المرة‭ ‬العاشرة‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬وعندما‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬تركيا،‭ ‬اعتقدت‭ ‬الأسرة‭ ‬أن‭ ‬مشاكلها‭ ‬انتهت،‭ ‬وأنهم‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬يسلموا‭ ‬أنفسهم‭ ‬للقنصلية‭ ‬التركية،‭ ‬سيتم‭ ‬ترحيلهم‭ ‬جميعا،‭ ‬فيذهب‭ ‬الأب‭ ‬إلى‭ ‬السجن،‭ ‬تعتني‭ ‬السلطات‭ ‬بالطفلات،‭ ‬فتواكبهم‭ ‬نفسيا‭ ‬واجتماعيا،‭ ‬وتحتضنهم‭ ‬وتهتم‭ ‬بهم‭ ‬لأنهم‭ ‬أبناؤها،‭ ‬وتمكنهم‭ ‬من‭ ‬حقوقهم‭ ‬كأطفال،‭ ‬وتعوضهم‭ ‬سنوات‭ ‬الرعب‭ ‬والحرمان‭ ‬والضياع‭ ‬والمعاناة‭ ‬والخوف‭.‬

لكن‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الحسبان،‭ ‬تفاجأ‭ ‬الأب‭ ‬بأن‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬القنصلية‭ ‬يقولون‭ ‬له‭ ‬يمكنك‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬أنت‭ ‬وزوجتك،‭ ‬لكن‭ ‬البنات‭ ‬لايمكنهن‭ ‬ذلك،‭ ‬لأنهن‭ ‬لايمتلكن‭ ‬أي‭ ‬وثيقة‭ ‬تثبت‭ ‬أنهن‭ ‬مغربيات‭.‬

بقيت‭ ‬الأسرة‭ ‬تحاول‭ ‬وتراسل‭ ‬وتتواصل‭ ‬وتطرق‭ ‬الأبواب‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬مدة‭ ‬أربع‭ ‬سنوات،‭ ‬من‭ ‬نهاية‭ ‬2019،‭ ‬إلى‭ ‬بداية‭ ‬2024،‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬وخلال‭ ‬هذه‭ ‬المدة‭ ‬كلها،‭ ‬كانت‭ ‬الطفلات‭ ‬محرومات‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬حقوق‭ ‬الطفلة‭ ‬العادية،‭ ‬كالحق‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭.‬

الأسرة‭ ‬تعيش‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬وثيقة،‭ ‬معرضة‭ ‬للترحيل‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة،‭ ‬وتسليمها‭ ‬إما‭ ‬للنظام‭ ‬السوري،‭ ‬أو‭ ‬للجماعات‭ ‬الإرهابية‭.‬

لحظة‭ ‬طيش‭ ‬وسذاجة

خص‭ ‬الزبير‭ ‬الحسناوي‭ “‬الصباح‭” ‬بهذا‭ ‬النداء‭ ‬الذي‭ ‬يلخص‭ ‬فيه‭ ‬معاناته‭ ‬قائلا‭:‬

‭”‬لم‭ ‬تكن‭ ‬عندي‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬ولا‭ ‬الآن،‭ ‬لا‭ ‬أفكار‭ ‬متطرفة‭ ‬ولا‭ ‬عنيفة،‭ ‬ولا‭ ‬أفكار‭ ‬إرهابية‭ ‬ولا‭ ‬أفكار‭ ‬ثورية‭ ‬ولا‭ ‬انقلابية‭.‬

ولا‭ ‬يربطني‭ ‬لاسابقا‭ ‬ولا‭ ‬حاليا،‭ ‬بهذه‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية،‭ ‬المتطرفة‭ ‬ولا‭ ‬المعتدلة‭ ‬ولا‭ ‬الوسطية،‭ ‬ولا‭ ‬الدعوية‭ ‬ولا‭ ‬التربوية‭ ‬ولا‭ ‬السياسية،‭ ‬ولامشاريعها‭ ‬ولا‭ ‬أدبياتها‭ ‬ولاتراثها‭… ‬أي‭ ‬رابط‭.‬

تأثرت‭ ‬فقط‭ ‬بأجواء‭ ‬الشحن‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يمارسها‭ ‬الجميع‭ ‬آنذاك‭.‬

وبسبب‭ ‬صغر‭ ‬سني‭ ‬وقلة‭ ‬تجربتي،‭ ‬كنت‭ ‬أنا‭ ‬الضحية‭.‬

اعتقدت‭ ‬أنني‭ ‬أقوم‭ ‬بعمل‭ ‬إنساني‭ ‬خيري،‭ ‬وأنني‭ ‬ألبس‭ ‬نداء‭ ‬الاستغاثات،‭ ‬ونداء‭ ‬السماء‭.‬

لكنني‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬كنت‭ ‬ضحية‭ ‬مؤامرات‭ ‬وأجندات‭ ‬وأفكار‭ ‬وفتاوى‭ ‬متطرفة‭ ‬وشحن‭ ‬إعلامي‭ ‬متواصل‭… ‬فدفعت‭ ‬الثمن‭ ‬غاليا‭ ‬جدا،‭ ‬من‭ ‬حياتي‭ ‬وحياة‭ ‬زوجتي‭ ‬وحياة‭ ‬بناتي‭.‬

لحظة‭ ‬طيش‭ ‬وسذاجة‭ ‬وبساطة‭ ‬وسطحية،‭ ‬جعلت‭ ‬بناتي‭ ‬يدفعن‭ ‬الثمن‭.‬

تعرضت‭ ‬للاتهام‭ ‬والسجن‭ ‬والتعذيب‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬بتهمة‭ ‬العمالة‭ ‬والتجسس،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التهم،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬وطني‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يستقبل‭ ‬فلذات‭ ‬كبده،‭ ‬بناته‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بناتي‭.‬

أنا‭ ‬لست‭ ‬عدوا‭ ‬لبلدي‭ ‬ولا‭ ‬لشعبي،‭ ‬ولا‭ ‬عندي‭ ‬أي‭ ‬مشكل‭ ‬مع‭ ‬القوانين‭ ‬والمؤسسات‭.‬

لست‭ ‬عدوا‭ ‬لأحد،‭ ‬أريد‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬بناتي‭ ‬لحضن‭ ‬وطنهن،‭ ‬لنعيش‭ ‬بسلام‭ ‬كعامة‭ ‬الناس‭”.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.