رئيس المحكمة المدنية الابتدائية بالبيضاء قال إن رضا المتقاضي عن الأحكام الصادرة يصل إلى 95 في المائة قال الدكتور سمير أيت أرجدال، رئيس المحكمة المدنية الابتدائية بالبيضاء، إن المحكمة استطاعت أن تحقق إنجازات مهمة خلال 2023 لم تبلغها منذ 15 سنة خلت، بدليل أن نسبة المحكوم من المسجل قاربت 106 في المائة. وأضاف في حوار مع "الصباح" أن من هواجسه الأولى وضع ضوابط سلوكية لولوج المرتفق والمتقاضي إلى المحكمة لإبعاد كل المتربصين ممن يحاولون إيهام المتقاضين بامتلاك آليات التدخل لدى المحكمة لتسريع الإجراءات بها أو التأثير على مسار الملفات الرائجة لديها. وفي ما يلي نص الحوار: أجرت الحوار: كريمة مصلي/ تصوير: (عبد اللطيف مفيق) مرت سنة وخمسة أشهر على وجودكم على رأس المحكمة المدنية الابتدائية بالبيضاء، ما هي الأولويات التي وضعتموها في مخططكم؟ منذ التحاقي بهذه المحكمة، منذ ما يقرب عن سنة وخمسة أشهر، وبعد فتح النقاش مع مختلف الفاعلين بمنظومة العدالة من قضاة ومحامين وموظفين وغيرهم من مساعدي القضاء، حاولت رصد مكامن الخلل في النشاط الإداري و القضائي للمحكمة، وعلى ضوئه تم رسم إستراتيجية تدبيرية انطلاقا من مختلف الإكراهات البنيوية التي تعيشها المحكمة، وعلى ضوئه أعطيت الأولوية لمسألة الولوج إلى المحكمة حيث تم وضع قواعد سلوكية تجعل ولوج المرتفق والتقاضي إلى المحكمة محكوما بضوابط تنظيمية صارمة تجعله في حماية من كل المتربصين ممن يحاولون إيهامهم بامتلاك آليات التدخل لدى المحكمة لتسريع الإجراءات بها أو التأثير على مسار الملفات الرائجة لديها. ويأتي هذا الإجراء من جهة تفعيلا للقانون بمثابة ميثاق المرافق العمومية والذي يجعل من تسهيل الولوج إلى هذه الأخيرة من المبادئ الضامنة لتجويد السلوك الوظيفي، ومن جهة ثانية ضمانا لتخليق فضاء المحكمة كمدخل من مداخل تخليق منظومة العدالة. ومن الأولويات التي تم الاشتغال عليها كذلك هو تذليل الصعوبات ذات الصلة ببعض المسارات الإجرائية، سيما وأن المحكمة سجلت رقما قياسيا في عدد الملفات الرائجة بها خلال 2023 والذي بلغ حوالي 300 ألف، الأمر الذي تم التفكير معه في حوكمة المسار الإجرائي لمختلف الخدمات الإدارية والقضائية بالمحكمة لا سيما في جانبها المتعلق بالتبليغ أو التنفيذ أو في الشق المرتبط بإجراءات الخبرة. ومن جانب آخر فإنه تم إيلاء عناية خاصة لتوحيد العمل القضائي داخل المحكمة، كمظهر من مظاهر الأمن القضائي والذي يعد إلى جانب حماية الحقوق وضمان الحريات من الالتزامات الدستورية الملقاة على عاتق السلطة القضائية وذلك من منطلق أن المحكمة عندما تنتج أحكاما قضائية موحدة فإنها بذلك سوف تساهم في تعزيز الثقة في العدالة و في ضمان الجودة المطلوبة في الممارسة القضائية. نبقى دائما في مسألة الأحكام القضائية التي يعاب عليها أنها لا تنطق وهي محررة ما يساهم في هدر الزمن القضائي... مسألة عدم تحرير الأحكام القضائية يمكن تصورها قبل نفاذ القانون الجديد للتنظيم القضائي، أما اليوم فالقاضي ملزم بالنطق بالأحكام وهي محررة كالتزام قانوني وأخلاقي يترتب عن عدم احترامه إثارة المسؤولية في حقه. غير أنه قد يقع في حالات حصرية صدور الأحكام محررة لكنها غير موقعة لثبوت بعض الأخطاء المادية خلال المراجعة، مما يتعين معه معالجتها بالشكل الذي لا يؤثر في الحماية الموضوعية للحقوق. تحدثم عن إنجازات أحدثتموها بالمحكمة، هل تحققت نتائج في الواقع؟ إذا كان تقييم الأداء من اختصاص المؤسسات القيادية التي أولاها المشرع تتبع مؤشرات نشاط المحاكم، فإنه ومن باب المواكبة والتقييم الذاتي لنشاط المحكمة، يتضح بأن هذه الأخيرة قطعت أشواطاً مهمة في تجويد خدماتها و في ارتفاع مؤشرات أدائها وفي توحيد العمل القضائي لدى مختلف هيآتها بدليل أن هناك تحولا عميقا في مسار الإجراءات المتبعة بالمحكمة بشكل ساهم في تصفية الملفات المزمنة والتي تعود في بعض الحالات إلى تسع سنوات وبلوغ نسبة تصفية خلال سنة 2023 بحساب 106 %، وهو رقم لم تشهده المحكمة منذ 15 سنة خلت، ومرد ذلك بدون شك إلى تضافر جهود كافة مكونات المحكمة من مسؤولين و قضاة وموظفين، من أجل تجويد الخدمة القضائية وإنتاج عدالة صلبة قادرة على حماية الأمن بمختلف تجلياته القضائية الاقتصادية والاجتماعية. ولكن ألا تلاحظون أن ذلك قد يؤثر على الجودة؟ بتاتا، لأن تجويد مسار إجراءات التبليغ أو الخبرة مثلا لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن يؤثر بصفة إيجابية في الجودة المطلوبة في الخدمة القضائية، ويكفي أن نستحضر في هذا المقام أن نسبة الطعون بالمحكمة الابتدائية المدنية، ولأول مرة لم تتجاوز 15 في المائة من مجموع المقررات الصادرة، وهو ما يترجم بصفة فعلية رضا المتقاضي عن المنتوج القضائي بنسبة تتجاوز 85 في المائة. كثيرا ما يتم الحديث عن معضلة التبليغ، هل تظنون أنها الوحيدة التي تعيق العمل داخل المحكمة؟ لا شك أن التبليغ يعد معضلة كبيرة في مسار الإجراءات القضائية، وهو من المعيقات والقواسم المشتركة بين مختلف محاكم المملكة وإن كانت بدرجات متفاوتة، بدليل أن جل الملفات المزمنة خاصة في القضايا المدنية والعقارية وبنسبة تصل إلى حوالي 70 في المائة تتوقف على التبليغ بصفة أساسية، وهو ما جعلنا نولي اهتماما كبيرا للتبليغ رغم الإكراهات ذات الصلة سواء بالنقص الحاصل في مأموري إجراءات التبليغ أو بشساعة النفوذ الترابي للمحكمة، أو بعدم إقرار إلزامية التبليغ بواسطة المفوض القضائي إسوة بالمحاكم التجارية والإدارية، وهو ما يتعين معه التسريع بوتيرة مراجعة قانون المسطرة المدنية بالشكل الذي يضمن الإلزامية كوجه من أوجه الجاذبية الأجرائية وتتحقق معه النجاعة القضائية من خلال البت في الملفات داخل آجال معقولة. وجدير بالبيان أن من الأسباب الجوهرية التي تعيق تجهيز القضايا خاصة منها العقارية وذات الصلة بقضايا المسؤولية التقصيرية، هي عدم إنجاز الخبرات داخل الآجال المحددة. لماذا ما يزال مشكل الخبرات قائما؟ عدم تحيين جداول الخبراء القضائيين كان ولا يزال من الإكراهات التي تعيق نجاعة أداء المحكمة لا سيما مع استحضار العدد الكبير من الأوامر التمهيدية التي تصدر باستبدال الخبراء بشكل يومي وأسبوعي، الأمر الذي يؤدي لا محالة إلى إطالة أمد المنازعات القضائية وعدم البت فيها داخل الآجال المعقولة. وتجاوزا لهذا المؤشر السلبي، نشير إلى أنه في الآونة الأخيرة بادرت وزارة العدل إلى تحيين الجداول المعتمدة، كما أنه تم الحرص على خلق بنية للتنسيق والتخابر مع الخبراء القضائيين عهدت إليهامهمة المواكبة والمراقبة في مباشرة إجراءات الخبرة وفق مسار إجرائي متكامل يحدد المسؤوليات منذ صدور الحكم التمهيدي إلى غاية تنفيذ المهمة واستخلاص الأتعاب المستحقة عنها. ومن جانب آخر، فإن تجويد خدمات المحكمة يتأثر ببعض الإكراهات البنيوية، سواء على مستوى البناية (أشغال الترميم والإصلاح) أو على مستوى النقص الحاصل في بنية الموارد البشرية (قضاة وموظفون من ذوي المعارف التقنية) وفي بعض التجهيزات المعلوماتية والمكتبية.. نتعامل مع شركات التأمين على قدم المساواة يشتكي العديد من ضحايا حوادث السير بشأن البطء في تنفيذ أحكامهم، من قبل شركات التأمين التي تعتمد على "الكوطا"، كيف تدبرون الأمر؟ لا يمكن الحديث بصفة مطلقة عن وجود "الكوطا" في تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهة شركات التأمين، على أساس أنه بمجرد فتح ملفات التنفيذ بالشعبة المعنية وتضمينها، تتم إحالتها على شركات التأمين بصفة تراتبية وبحسب تاريخ ورودها على الشعبة ضمانا للشفافية. الحديث ليس عن المحكمة ولكن عن شركات التأمين التي تتقاعس عن تنفيذ تلك الأحكام... من باب الإحاطة فإنه منذ التحاقي بهذه المحكمة، وضعت إستراتيجية عمل حول تنفيذ هذه الأحكام وذلك بعقد اجتماعات تواصلية مع ممثلي شركات التأمين، بالشكل الذي تم تحسيسهم بضرورة تضافر الجهود من أجل تنفيذ المقررات النهائية التي تصدر في مواجهتهم باسم جلالة الملك وطبقا للقانون، على أساس أن عدم تنفيذها يمس بصورة العدالة المغربية ويجر المرء إلى التفكير في انحلال الدولة، كما أشار إلى ذلك المرحوم الملك الحسن الثاني تغمده الله بواسع مغفرته، وبالتالي فهذه المسألة كانت ولازالت من الاهتمامات الأساسية والتي تم اتخاذ مجموعة من التدابير الكفيلة بمواكبتها وبتبديد كل الصعوبات المرتبطة بها حيث عرفت نسبة المنفذ في مواجهة شركات التأمين تطورا ملموسا حيث بلغت 124 في المائة، بشكل يؤكد انعدام أي تعامل تمييزي اتجاه شركات التأمين. هذا فضلا على أن عدم التنفيذ يعطي لمن له الصفة الحق في مباشرة الإجراءات القانونية المتاحة والتي لا تتوانى المحكمة في التعامل معها بالصرامة اللازمة. الأخلاقيات أولوية لدينا تتوصل رئاسة المحكمة بين الفينة والأخرى بشكايات تخص بعض الإخلالات المنسوبة إلى القضاة، كيف تتعاملون معها؟ بداية أؤكد بأن المقاربة الوقائية ظلت من انشغالاتي في تدبير الشأن القضائي، إذ أن السهر على تطوير السلوك المهني للقضاة في الاجتماعات الدورية ساهم بشكل كبير في تكريس الوعي الجماعي بضرورة الانصياع للمبادئ الأخلاقية للسلوك القضائي، باعتباره جوهر العمل القضائي ولشروط الفعالية الإجرائية والنجاعة القضائية باعتبارها الضامنة للأمن المهني، غير أنه و رغم ذلك فإن عمل القاضي كأي عمل إنساني قد يطوله الإخلال والقصور الشيء الذي قد يكون موضوع شكايات من طرف المتقاضين أو دفاعهم. وفي هذا الصدد فإن تدبير هذه الأخيرة كآلية لمواكبة وتقويم أداء المحكمة يتم بالجدية اللازمة وذلك بفتح تحقيق في شأنها، وجمع المعلومات حول الملف المرتبط بها بشكل تتضح معه الرؤية لاتخاذ الإجراءات المناسبة، في احترام تام لاستقلال السلطة القضائية وبالشكل الذي لا يؤثر على حسن سير العدالة لا سيما في الملفات التي تكون لازالت رائجة. غير أنه إذا تعلق الأمر بشكاية لها ارتباط بتجاوز الحدود المرسومة للسلوك القضائي في مدونة الأخلاقيات القضائية، فإن إجراءات البحث والتحري تتم بتنسيق وتحت إشراف الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف باعتباره مستشارا للأخلاقيات، وذلك ضمانا لمعالجة شفافة قادرة على تقديم أجوبة مقنعة ومناسبة للمرتفق أو المتقاضي، والذي بقدر ما تتكون لديه صورة إيجابية حول المناعة الأخلاقية للقضاة، بقدر ما تتكون لديه قناعة وثقة في المحكمة وفي أداء العدالة بصفة عامة. رقابة المسؤول واجبة يثار نقاش حول تبعية كتابة الضبط، في إطار ازدواجية السلط، كيف تفسرون ذلك؟ في حقيقة الأمر فإن قرار المحكمة الدستورية رقم 19/89 كان واضحا للغاية على أساس أن اختصاصات كتابة الضبط سواء في الشق المتعلق بالتبليغ أو التنفيذ أو تحرير المحاضر أو غيرها من الاختصاصات الموكولة إليها تدخل في مجال الإدارة القضائية وهي بذلك تخضع لإشراف المسؤولين القضائيين. أما إشراف السلطة الحكومية المكلفة بالعدل على كتابة الضبط فإنه ينصرف إلى تدبير الوضعية المهنية للموظفين وتسيير الممتلكات والموارد المالية للمحاكم، وبالتالي فالمسألة أصبحت محسومة وغير قابلة للمناقشة والمساومة. وإقرار هذا المبدأ على النحو المذكور من قبل المحكمة الدستورية يتعين أن ينظر إليه من زاوية تمكين المسؤول القضائي من الآليات الكفيلة بتفعيل النجاعة القضائية والإجرائية الضامنة لتجهيز القضايا والبت فيها داخل آجال معقولة. المداومة داخل المحكمة لا أعتقد بأن هذا الموضوع يكتسي أهمية بالنسبة لقضاة الحكم بالمحكمة المدنية، على أساس أن وجودهم بالمحكمة يدور وجودا وعدما مع أداء مهامهم القضائية الموكولة إليهم بموجب برنامج تنظيم عمل المحكمة المعد، من قبل مكتب المحكمة والمصادق عليه من قبل الجمعية العامة، وبالتالي فوجودهم بالمحكمة يكون بمناسبة أداء مهامهم الوظيفية ولا يمكن تصور وجود القاضي المدني بالمحكمة خارج أوقات الجلسات النظامية إلا من أجل الدراسة القبلية للملفات ومراقبة تنفيذ الإجراءات وغيرها من الالتزامات ذات الصلة بتدبير الجلسات. أما المداومة فمكانها الطبيعي لدى قضاة النيابة العامة والتحقيق سواء بمحاكم أول أو ثاني درجة. القضاء على الملفات المزمنة تشكل تصفية الملفات المزمنة من الأولويات التي نشتغل عليها منذ التحاقنا بهذه المحكمة، إيمانا منا بأن صدور الأحكام داخل آجال معقولة يعد من الالتزامات الدستورية الملقاة على عاتق السلطة القضائية. وعلى هذا الأساس، فإنه تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات القادرة على تبديد الصعوبات الإجرائية، كما أنه تم خلق هيئات قضائية أسند لها اختصاص النظر في هذه الملفات المزمنة، وهو ما كان له الفضل في تحقيق نتائج إيجابية، حيث بلغت نسبة التصفية لدى بعض الغرف مائة في المائة، ولدى غيرها من 50 إلى 55 في المائة، وهي مجهودات سيتم تحصينها ومواصلة تجويدها من خلال المواكبة اليومية والدائمة لهذه الملفات والسعي نحو القضاء عليها في متم هذه السنة القضائية. بورتري حلم أب كانت سنة 1999 حاسمة في حياة الدكتور سمير أيت أرجدال، رئيس المحكمة المدنية الابتدائية بالبيضاء، إذ هي السنة التي التحق بها بسلك القضاء، رغم أن الأمر لم يكن يستهويه كثيرا، لكن تحقيق رغبة والده الذي شاءت الأقدار أن يغيب عن الحياة في الفترة التي تجرى فيها الاختبارات الشفوية للملحقين القضائيين زادت من عزيمة الابن المكلوم في اجتيازها والنجاح، وحمل الخبر إلى قبر والده ليؤكد له وفاءه بالعهد الذي قطعه على نفسه. أيت أرجدال الذي ولد في 4 فبراير 1973 بدمنات من أصول أمازيغية، كان يرى نفسه أكثر في المحاماة التي حصل في 1997 على شهادة الأهلية لمزاولتها، لكن رغبة الوالد كانت أكبر. تلقى تعليمه الأولي بالكتاتيب القرآنية، وتعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي بالمدرسة العمومية، وحاصل على شهادة الباكلوريا في1992، وعلى دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني في 1999، وعلى شهادة الدكتوراة في الحقوق بجامعة القاضي عياض مراكش في2014. بدأ مساره المهني قاضيا بالمحكمة الابتدائية بسطات مع الإقامة بمركز البروج ابتداء منذ 2002، تقلد مهام نائب رئيس المحكمة الابتدائية بسطات منذ 2006 إلى غاية 2011، وقاضيا بالمحكمة الابتدائية بآسفي في 2012، ورئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالبيضاء في 2014. في 2016 التحق بركب المسؤولية التي تقلدها وكانت البداية برئاسة المحكمة الابتدائية بوادي زم ابتداء من 2016 إلى غاية غشت 2021، وبعدها رئاسة المحكمة الابتدائية بسلا ثم رئيس المحكمة المدنية الابتدائية بالبيضاء، وأستاذ بالمعهد العالي للقضاء، وأصدر عدة مؤلفات، ومقالات علمية في مواضيع قانونية وحقوقية مختلفة منشورة بمجلات متخصصة.