هارمونيا الأصالة والرقي

رومانسيات من دفاتر سيرة ذاتية 4 بصمة الأم كانت حاضرة في البيت الذي غدا روضة مهية ندية تشع بدفء صوفي هي المرة الأولى التي يبوح بها قاض، عن طفولته ويتقاسمها بكل تفاصيلها. طفولة رسمت شخصية عبد العزيز فتحاوي، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالبيضاء، التي جعلت منه ذلك المسؤول القضائي، الذي يجمع بين حنكة القاضي والمسؤول والشاعر، طفولة بصمها والداه بكل تفاصيلها. في كل حلقة تجد انجذابا من نوع آخر، يأخذك بين سرد لشاعر اختار كلماته للتعبير عن مرحلة مهمة في حياته، كانت البداية في كل شيء وشهدت العديد من الأحداث المهمة، بلورت حياته بجزئياتها، وأكدت أن القدر دائما يحدث الشيء الجميل، حتى وإن تخللته بعض العثرات. كريمة مصلي في هذه الحلقة يحكي فتحاوي، عن والدته بالقول إن حليمة استقت عراقتها من الخدر والخباء، الذي رصعته الجدات بهالة فردوسية من القداسة، حتى بدا أسطوريا كليالي شهريار وثمالة شهرزاد. استقت أصالتها من حياء عذري يحاكي زنابقا تهيض لقبس ذكا ضحو النهار والشروق، ومن انحناء السنابل وإن حبلى، ومن كبو الجياد وإن في أشد، ويضيف واستقتها من تورد وجنات الليلك لوقع لثمات الطل الفائرة، ومن عطر التراب لما تمحكه زخات أنواء متغطرسة، ومن رائحة المخابز في ليال شتوية دجا غيهبها، كما استقتها من ليال قمرية أنهكها القيض وأسهدها رباب الفلاحين، ونوح النايات. تلكم هي البيئة التي نحتت كاريزما حليمة على صفائح من زمن بلوري، فأحالتها إلى فسيفساء من عراقة وإباء وحياء وتدين، لم يكن لهذه العراقة والأصالة أن تستغرقها جيرة حليمة من الفرنسيين والإسبان، أو أن تنآها عن عالمها الجميل، بل خضرمتها، وطبعتها من غير إسراف، فتفننت في طهيهم وأناقتهم وذوقهم الأرستقراطي، فتجلى ذلك في بيتها ومظهرها وهندام أبنائها. وكان لهذه الهارمونيا من الأصالة والإيتيكيت أثر في تميز حليمة بين ذويها وأخواتها، وانطلى ذاك على بيتها الذي غدا روضة مهية ندية تشع بدفء صوفي. بصمة الأم كانت حاضرة أيضا في ديكور البيت الذي يصفه بالقول إن "هذا البيت المنتقاة قطعه البسيطة بذوق كورود برية تمازجت بعفوية فشكلت باقة عرس، ورصت بعناية كحروف تعانقت لترسم وصلة شعر، هذا البيت كان هو الذكرى العبقة بأريج الزمن الوردي الذي ترسخ في وجدان الولد من حي بوسيجور، فظل في كل إغفاءة حنين، وفي كل نزوع أخيلة يتمثل قطعه الأسطورية وكأنها نوادر وتحف فرعونية، خصوصا مجسما كبيرا لأسد من البورسولين الأخضر القاني، وهو هدية من أحد الفرنسيين". ويذكر أيضا المتجر الذي على يمين البيت، والذي اختزله في قطع شهية من الحلوى كانت تذوب في فمه كشهد الرضاب لما يلامس شفاه عنبية، وظل مذاقها في فيه إلى الحين لما يستبد به جلال الذكرى. ولما كان يسري إلى ما دون الباب، كان يطالعه على الناصية المقابلة، مقر عمل محمد، وما علق منه في مخياله الغض، هو سياج خشبي طلاه أحمر وأبيض، يعانق شجيرات رمان وليمون، تنتصب في زهو وأنفة كغواني تتيه لممشوق قدها وقوامها. كانت هذه هي الأصص والمزهرية التي رعت الولد إرواء وطروا، فأينع كشتلة للزينة حاشاها النتوء والفطر واللازهريات، كان ذاك عالمه الذي أرتع شخصيته وشكلها. لكن ما إن طاب الحي وزكا للفتى حتى شيء له أن يبتعد عنه. علاقة عزيز ببوسيجور، كانت لها نهاية بسبب سفريات والده المتكررة، والتي لم تعد حليمة تتحمل وجودها بمفردها، يسرد فتحاوي بالقول " لم تستمرئ حليمة سفريات محمد بحكم عمله، وهي التي يدغدغها دفء اللمات الوردية، وتطربها أسمار المواقد الشتوية، ويرديها صقيع الوحدة كشجرة للكريسماس في أعياد الميلاد السيبيرية . ناشدت حليمة أن تنتقل للحي المحمدي، تتوق جوار أخيها وأختها، فكان أن رضخ محمد لرغبتها منتشيا بالرضى يشرق باسما على ثغرها الجميل".

هارمونيا الأصالة والرقي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"ليزمو" يصدم الفتح

نفرت من السياسة بسبب الاغتيالات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات