جرائم قتل وضرب واشتباكات في الشهر الفضيل وأسباب تافهة وراء ارتكابها كلما حل شهر رمضان، إلا وحل معه الحديث عن جرائم ترتكب لمناسبته، أو ما يصطلح عليها بجرائم "الترمضينة". تبدأ بخلافات بسيطة وتتحول إلى جرائم قد تصل إلى القتل، كما حدث في أول أيام رمضان الجاري، الذي عرف جريمتي قتل في طنجة وراحت ضحية الأولى أم على يد ابنها والثانية في سيدي علال التازي، إذ أنهى شقيق حياة شقيقه بسبب خلاف في جلسة تقطيع "الكيف". ولا تقل جريمة القتل المزدوج التي شهدتها وجدة، السبت الماضي، بشاعة عن سابقاتها، بعد أن قتل شاب زوجة أبيه بسبب خلاف بينهما وسدد لها طلقة من بندقية قنص، ليقرر في اللحظة نفسها اقتراف جرم ثان في حق نفسه والانتحار برصاصة ثانية. هذه الجرائم هي واحدة من أخرى ارتكبت في العديد من المدن في الأيام الماضية، واختلفت في شأن ما أحدثته من أضرار في حق ضحاياها، والتي يعود معها التساؤل حول مسبباتها التي لا تخرج عن المخدرات وما يعانيه مدمنوها بسبب الصيام، أو ما يعرف بأنه "مقطوع"، وكأنها صك الغفران الذي يحتمي به مقترفو تلك الجرائم لتبرير ما قاموا به، في شهر يفترض أنه للعبادة والتسامح. "الترمضينة" أضحت السمة الغالبة في السلوك اليومي للعديد من المواطنين، إذ أن الانفعال والشجار لأتفه الأسباب، هما ما يؤثثان يومهم الرمضاني، وهي أمور عادة ما يربطها الوعي الجمعي لكثير من المغاربة بأثر الصوم أو الإحساس بالجوع أو الإمساك عن التدخين. كريمة مصلي احتقانات لأسباب واهية بعضها يتحول إلى ضرب وسباب متبادل والطرقات نموذج حي أصبح العديد من المواطنين يلزمون بيوتهم بعد الرابعة والنصف مساء، لإدراكهم أن أمزجة البعض لا تكون على ما يرام منذ هذه اللحظات إلى حين أذان المغرب، أو الذهاب بعيدا عن فضاءات الاحتكاك مع العموم، لاتقاء شر غير منتظر، فالأسواق والطرقات لا تكون آمنة، وقد تتطور الأحداث لمجرد نظرة أو رفض اقتناء، بل في أحيان تتم عرقلة السير وتبادل السباب والقذف والتهديد، لمجرد الضغط على المنبه لإشعار شخص يوجد في حالة سهو متوقف في مدارة رغم إشارة الضوء الأخضر. في اليوم الثاني من رمضان، لم تنته مباراة في كرة القدم احتضنها ملعب القرب الموجود قبالة مركز الطب الشرعي بالرحمة قبيل أذان المغرب، بفوز فريق ضد الآخر، بل تحول الملعب إلى حلبة، البعض يحاول الاعتداء والآخر يحاول فض النزاع واختلط الجمهور باللاعبين، لتتحول الحديقة إلى فرجة ليس في كرة القدم بل في الملاكمة وتشنيف الأسماع بأنواع من السب والقذف، لم يمنع الصيام من إتيانها. ما وقع في ملعب الرحمة يتكرر في العديد من ملاعب الأحياء الشعبية بالعاصمة الاقتصادية، إذ يتحول احتكاك بسيط بين لاعبين إلى قذف وسب ثم شجار، ما يلبث أن ينخرط فيه الباقون بين مناصر لمن تعرض للسب أو الضرب، أو محاول لفض النزاع. ولا تتوقف صور "الترمضينة" فقط على الملاعب وعلى اللحظات الأخيرة من يوم الصيام، بل تتعداه إلى الحافلات والطرقات، ففي لحظات، سيما بعد الرابعة عصرا يتوقف السير إجباريا لإلزام مستعملي الطريق بمشاهدة عنتريات "مترمضن" وقف وسط الطريق وفتح باب سيارته وشرع في لوم سائق آخر بصوت مرتفع يختلط بالتهديد وبدروس في تعليم السياقة، إذ ينسب كل الأخطاء للآخر، رغم أن خطأه المتجلي في توقيف السيارة وسط الطريق وعرقلة السير، يستوجب خفر الناقلة إلى المحجز وأداء مخالفة عرقلة السير، بل إن ما يتفوه به من تهديدات يرقى إلى جنحة قد تسبب الحبس والغرامة. احتقان بالطريق لأتفه الأسباب، تعنيف لفظي لسائقات أو شجار بعد ملاسنة، وغيرها من المشاهد التي تتكرر كل يوم خلال رمضان، وتتجدد كل سنة في الشهر المبارك نفسه. الأسواق، سيما الشعبية التي ينتشر فيها الباعة الجائلون، بدورها تكون حلبة للملاسنات والشجارات الرمضانية، ففي بعض الأحيان يكون مجرد طلب إنقاص ثمن في إطار عملية المساومة، إشعالا لفتيل الاحتقان، بل نظرة قد تسائل صاحبها عن سببها، ففئات من الناس مستعدة في أي وقت للانفجار، سيما المدمنين الذين يكونون تلك اللحظات من المساء، في حالة استعداد للاعتداء والعربدة. صور وأخرى في مشاهد وإن تكررت، فإنها تبقى معزولة، لكنها تطرح في الآن نفسه استفهامات حول الجدوى من الصوم، إن لم يكن عبادة ترمي إلى تهذيب النفس وتطويعها للشعور بالفقير والمحتاج، وموسما دينيا للتعبد والإكثار من الدعاء، ففيه ابتدأ نزول القرآن. المصطفى صفر