لحسن العاملي الباحث الاقتصادي أكد أن التمويلات تتمركز في أنشطة ذات قيمة مضافة محدودة أصدر لحسن العاملي، الباحث الاقتصادي، كتابا حول النظام البنكي المغربي، تطرق فيه إلى نشأة القطاع وتطوره وشخص واقعه ومساهمته في تنمية البلاد. وأفاد العاملي في حوار مع "الصباح" أن الرأسمال البنكي عرف تراكما بمواكبة من الدولة، لكن مساهمته في النمو تظل محدودة، بالنظر إلى تمركز التمويلات في أيدي قلة من المقاولات وطبيعة المشاريع الممولة بهذه القروض. وفي ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: عبد الواحد كنفاوي / تصوير:(عبد المجيد بزيوات) أصدرتم كتابا حول النظام البنكي المغربي، ما هي الجوانب التي تطرقتم إليها في هذا المنشور الجديد؟ يتناول الكتاب تطور وديناميكية تثمين الرأسمال البنكي بالمغرب، ويتضمن ثلاثة أجزاء، يتطرق الأول منها للمحطات الأساسية والوقائع التي طبعت تاريخ البنك بالمغرب، منذ ظهور أولى المؤسسات البنكية مع نهاية القرن التاسع عشر إلى الوقت الراهن. ويتناول الجزء الثاني تحليل تراكم الرأسمال البنكي ومحاور تثمينه خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2021، بالتركيز على وتيرة نمو الرأسمال وتنمية المجموعات البنكية الكبرى، وتطور هيكلة الملكية (رأسمال خاص مغربي، وأجنبي وعمومي)، كما يتناول هذا الجزء، أيضا، عملية التمركز التي عرفها القطاع في مختلف تجلياتها، والقوة الاقتصادية لمختلف المؤسسات البنكية، ووزن هذه المؤسسات، من خلال تحليل إجمالي الأصول مقارنة مع الناتج الداخلي الإجمالي وأهمية وهيكلة التمويل البنكي داخل الاقتصاد، كما يتناول هذا الجزء موضوع تصدير الرأسمال وإيرادات هذه العمليات. ويتطرق الجزء الثالث من الكتاب إلى النتائج المسجلة وحصيلة تثمين الرأسمال البنكي، من خلال تحليل نتائج تدبير المؤسسات البنكية بدراسة الإنتاجية والمردودية، والتفاوتات الموجودة، في هذا الجانب، بين مختلف المجموعات البنكية، عبر المقارنة بين الكتل الثلاث التي تشكل القطاع البنكي، والمتمثلة في البنوك التي يهيمن عليها الرأسمال الخاص المغربي، وتلك التي يسيطر عليها الرأسمال الأجنبي، والبنوك التي يساهم فيها الرأسمال العمومي. ما هي أهم المراحل التي مر منها القطاع البنكي؟ على غرار كل البلدان التي عرفت الاستعمار، فإن نشأة القطاع البنكي تعود إلى الرأسمال الأجنبي، خاصة الفرنسي، ما طبع هذا القطاع طيلة مراحل تطوره حتى الآن، إذ ظل هذا الرأسمال مهيمنا، طيلة فترة الحماية، قبل أن يتراجع مع عملية المغربة، بعد حصول المغرب على استقلاله، ليعود، بعد ذلك، خلال سنوات الثمانينات، إثر سياسة التحرير، خاصة مع صدور القانون البنكي في 1993، إذ عمدت المجموعات البنكية الفرنسية الثلاث "BNP Paribas" والشركة العامة "SG" والقرض الفلاحي، مساهماتها في فروعها بالمغرب. وشهدت سنوات التسعينات عملية هيكلة واسعة للقطاع، إذ بالإضافة إلى العودة القوية للرأسمال الفرنسي، التي تمت الإشارة إليها سابقا، عرف المشهد ثلاثة أحداث كان لها الأثر الكبير على النسيج البنكي، يتعلق الحدث الأول بخوصصة البنك المغربي للتجارة الخارجية لفائدة مجموعة عثمان بنجلون، والثاني بعملية اندماج بنك الوفاء، الذي تعود ملكيته لعائلة الكتاني والبنك التجاري المغربي، المملوك من قبل المجموعة الاقتصادية الأولى بالمغرب "أونا"، وهي العملية التي تمخضت عنها المجموعة البنكية الأولى بالمغرب "التجاري وفا بنك"، الذي يمتلك الهولدينغ الملكي "المدى" أغلب أسهمها. ويتمثل الحدث الثالث في تصفية البنك الوطني للإنماء الاقتصادي، وهي مجموعة بنكية تمت تنحيتها في وقت كان المغرب في أمس الحاجة إليه كآلية إستراتيجية للتنمية وتمويل الاستثمار، الذي ما زال يمثل إشكالا حتى الآن. وساهمت هذه الأحداث في تراكم الرأسمال البنكي وبروز مجموعات بنكية كبرى، إذ منذ ذلك التاريخ تهيمن ثلاث مجموعات على المشهد، ويتمركز بيدها القسط الأكبر من الرأسمال والقروض والودائع، ويتعلق الأمر بالتجاري وفابنك وبنك أفريقيا "بنك أوف أفريكا" (مجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية) ومجموعة البنك الشعبي. ماهو الدور الذي لعبته الدولة في إعادة هيكلة المشهد البنكي؟ لعبت الدولة دورا أساسيا في مسلسل الهيكلة، من خلال دعم وحث رجال الأعمال على الاستثمار في القطاع البنكي، وخوصصة البنوك العمومية، ما ساهم في تراكم وتمركز الرأسمال البنكي، كما دعمت القطاع من خلال الاستثمار في القطاع عبر المستثمرين المؤسساتيين، الذين يعتبرون الذراع المالي للدولة، كما أنشأت الدولة بنوكا عمومية جديدة، ما مكن من تطوير القطاع والمساهمة في تطويره إلى أن وصل إلى مرحلة النضج. وهكذا أصبح النسيج البنكي يتشكل، خلال 2021، من 25 مؤسسة بنكية، مقابل 20 مع بداية الألفية الثالثة، إضافة إلى 5 بنوك تشاركية، التي انطلق نشاطها في 2017، لكن هناك ستة بنوك فقط مدرجة في البورصة. وتوجد سبعة بنوك تحت سيطرة الرأسمال الأجنبي، الذي يمثل 25 في المائة من الرأسمال الاجتماعي الإجمالي للبنوك، وتمثل فيه المجموعات الفرنسية الثلاث ما يناهز 55 في المائة. وعرف الرأسمال البنكي، ما بين 2000 و2021، تراكما كبيرا، إذ انتقل من 326 مليار درهم إلى أزيد من 1565، وتجاوز، لأول مرة، الناتج الداخلي الإجمالي مع متم 2004. تمويل الاقتصاد كيف انعكس الارتفاع الملحوظ للرأسمال البنكي على تمويل الاقتصاد؟ يمثل التمويل البنكي ما يناهز 97 في المائة من مصادر التمويل الخارجية للمقاولات. وإذا كانت القروض البنكية للزبناء انتقلت، ما بين 2004 و2020، من 203 ملايير درهم إلى 841 مليار درهم، فإن وتيرة النمو عرفت بعض الفتور، ابتداء من 2010، إذ انتقلت نسبتها، مقارنة بإجمالي أصول البنوك، من 49 في المائة إلى 64، ما بين 2004 و2011، قبل أن تعرف تراجعا في ما بعد، لتستقر عند حدود 59 في المائة. كما أن حجمها مقارنة بالناتج الداخلي الإجمالي عرف بدوره تذبذبا، خلال الفترة ذاتها، إذ ارتفع من 46 في المائة، في 2004، إلى 79 في المائة، خلال 2012، قبل أن يتراجع إلى 71 في المائة، خلال 2016، ليرتفع إلى 73 في المائة في 2019، ثم 80 في المائة مع متم 2020. إقصاء المقاولات الصغرى هل توجد علاقة بين نمو القروض البنكية والنمو الاقتصادي؟ من الناحية الإحصائية ليست هناك علاقة سببية قوية بين نمو القروض البنكية والنمو الاقتصادي، الممثل في تطور الناتج الداخلي الإجمالي، إذ أن انعكاس نمو القروض البنكية على النمو الاقتصادي يظل ضعيفا، لأسباب متعددة، من أبرزها أن شرائح واسعة من المقاولات، خاصة الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، تظل مقصية من التمويل البنكي، في حين تتمركز القروض الممنوحة في أيدي قلة من المقاولات، بناء على معطيات هيآت تقنين القطاع المالي، إذ تشير التقارير الصادرة عن هذه الهيآت إلى أن القروض الممنوحة للمقاولات الكبرى تناهز 369 مليار درهم، ما يمثل بين 230 في المائة و360 من أموالها الذاتية، علما أن 38 في المائة من المبلغ يتمركز في أيدي عشر مجموعات الأولى غير المالية، ويتضح تجاهل البنوك للمقاولات الصغرى، التي تمثل القسط الأكبر من النسيج الإنتاجي، أكثر بتحليل قروض برنامج "انطلاقة"، الذي كان موجها، بشكل خاص، إلى هذا الصنف من الوحدات الإنتاجية، إذ من أصل 552 ألف وحدة مستهدفة من البرنامج لم يتجاوز عدد المستفيدين 15085 وحدة، ما يمثل 3 في المائة، فقط، من إجمالي عدد المقاولات المستهدفة. وقد سبق لوالي بنك المغرب أن اعتبر أن معدل رفض ملفات طلب القروض بغير العادي. وهكذا، فإن حرمان شرائح واسعة من المقاولات من التمويل البنكي لا يساعد على تحقيق نمو ملحوظ للإنتاج، ومن ثم للناتج الداخلي الإجمالي. وتعد طبيعة المشاريع الممولة بالقروض البنكية من ضمن الأسباب، أيضا، التي تجعل مساهمة القروض في تحقيق النمو ضعيفة، إذ أن التمويلات تهم مشاريع العقار والتجارة وأنشطة المضاربة، أي المشاريع ذات القيمة المضافة الضعيفة، كما أن عدم مواكبة المشاريع واستعمال القروض في أغراض غير تلك التي منحت من أجلها، يجعل تأثيرها في النمو محدودا، إذ أن جزءا كبيرا منها يستعمل في تمويل أنشطة المضاربة، أو غيرها من الاستعمالات ذات القيمة المضافة الضعيفة. ريع بنكي ألا يشكل حصول البنوك على موارد مالية مجانا وإعادة إقراضها بسعر مرتفع أحد أوجه الريع البنكي؟ بالفعل، إذ أن الموارد المجانية التي تحصل عليها البنوك عرفت ارتفاعا متواصلا طيلة عقود، منتقلة من 70 مليار درهم، خلال 1995، إلى 710 ملايير درهم، مع متم 2021، وانتقلت حصتها في الودائع البنكية الإجمالية، من 49 في المائة إلى 67، ما مكن البنوك، بإعادة إقراضها للأسر والمقاولات بأسعار فائدة مرتفعة، من تنمية أرباحها، ما يعتبر مصدرا مهما للريع البنكي. بالموازاة مع ذلك، فإن الفوائد التي تؤديها البنوك على الودائع لأجل والحسابات على الدفتر عرفت، خلال الفترة ذاتها، تراجعا متواصلا، إذ تراجعت الفوائد المؤداة على ودائع الحسابات على الدفتر من 7 في المائة، خلال 1995، إلى 1.17، مع متم 2021، وتقلصت، بالنسبة إلى الودائع لأجل 12 شهرا، من 11 في المائة إلى 2.70، ومن 6 في المائة إلى 2.48، بالنسبة إلى الودائع لستة أشهر. وانتقل معدل الفائدة العام المؤدى للزبائن على ودائعهم من 10 في المائة إلى 2.44، مع نهاية 2021، ما يمثل تراجع ناقص 75.6 في المائة. بالمقابل، فإن تراجع معدلات الفائدة المحصلة من البنوك على زبنائها كان بوتيرة أقل من تلك المؤداة على ودائع الزبناء، إذ انخفضت الفوائد المطبقة على قروض الخزينة من 6.56 في المائة إلى 4.08، وتقلصت تلك المستخلصة على قروض التجهيز من 6.64 في المائة إلى 4.42، وتراجعت نسبة الفوائد المطبقة على القروض العقارية من 6.11 في المائة إلى 4.74، وتلك المطبقة على قروض الاستهلاك من 8.66 في المائة إلى 6.50. وتراجع المعدل العام المطبق على الزبناء من 6.70 في المائة إلى 4.45، ما يمثل انخفاضا بناقص 33 في المائة. وهكذا يتضح أن معدلات الفائدة المؤداة من قبل البنوك على ودائع الزبناء تراجعت بنسبة أعلى من تراجع الفوائد المستخلصة على القروض الممنوحة للزبناء، ما مكن من زيادة هامش الربح. في سطور: < حاصل على دكتوراه في الاقتصاد في 2004 بميزة مشرف < حصل على الجائزة الأولى لأفضل أطروحة في الاقتصاد < مدير دراسات سابق بمجموعة القرض الفلاحي < أستاذ الاقتصاد بمدارس التعليم العالي < أستاذ زائر حاليا بعدد من مؤسسات التعليم العالي