لغة “التراجيم” و “العمار” و”القرين”

ما أن تنبس بكلمة "جن" إلا ويتململ الجالسون إلى قربك، يبسملون، يلتفتون خلفهم، يمينهم، يسارهم، وكأنهم يبحثون عن شخص ما، ولا يستعيدون هدوءهم إلا بعد لحظات، طالبين منك بما يشبه الجدية، إقفال هذا الموضوع، وعدم إثارته من جديد. "ليس على المسلم طرح مثل هذا السؤال، الجن موجود فعلا، بل إن لكل إنسان قرينه الخاص يولد معه"، يقول مولاي رشيد بوحميدي، فقيه وخبير في الروحانيات، قبل أن يضيف، وقد اتخذ صوته صرامة كبيرة، أن الإنسان يولد مع قرينه من الجن، ومع ملاك، "يكون لكل واحد حياته الخاصة، فالقرين يهتم بأموره، والإنسان كذلك، ولا يولي أحدهما اهتماما بالآخر، لأن الإنسان لا يرى قرينه، والعكس غير صحيح". ويسترسل بوحميدي بالصرامة نفسها، "اختلف علماء الدين حول مسألة زواج الجن من الإنس، ومعاشرة الإنس للجن كأي إنسان، لأن أحدهما خلق من طين والثاني من نار، وبالتالي تستحيل الحياة الزوجية بينهما، لكن هناك فريقا يؤكد أن هذا الأمر ممكن، إلا أنهم لا يعلمون كيف يتم ذلك".وقال الخبير في الروحانيات، إن المغاربة لم يعودوا يهتمون بموضوع الجن، وتسخيره، كما في الماضي، "نادرا ما نسمع عن التراجيم مثلا، وعن العمار"يضيف بوحميدي، قبل أن يشرح "التراجيم تعني تسخير الجن لرشق بيت العدو بالحجارة وحرقه، والاعتداء على سكانه، ولكن هذه عملية سحرية محضة يستغل فيها المردة، ولا يقوم بها القرين، وهي طريقة بدأت أسرارها تتلاشى، ودفنت مع سحرة ماهرين، وإذا ظهرت حالات فغالبا ما يتم اكتشاف أنها مفتعلة ولا علاقة للجن بها". إلا أن بوحميدي لم ينف أن تكون "التراجيم" حالة ممكنة الحصول، "طبعا هناك تراجيم، ولكن كما قلت بدأت هذه الطريقة تنقرض، مع وفاة الفقهاء الذين يعرفون أسرارها، إذ لا يمكن لأي شخص تسخير الجن إلا إذا كان يملك مفتاحه". وفي ما يخص "العمار" أي سكان البيوت المهجورة، فهم "من المردة، وهؤلاء من الجن أيضا، وكانوا قرناء أناس توفوا، لأن الإنسان يعيش أقل من الجني، وهذا الأخير يمكن أن يصل سنه إلى 400 سنة، لذلك حين يموت الإنسان الذي ولد معه، يبقى ماردا هائما، ويمكن أن يصبح شريرا، ويرفض أن يعيش أي شخص آخر في البيت الذي يختاره للعيش فيه، بما فيه ذلك الذي قد يكون عاش فيه قرينه".وإن كان الإنسان يستمد قوته من النور، فإن الجني بعكس ذلك يكون في قمة نشاطه وقوته في الظلام، لذلك يتعمد الفقهاء استدعاء المردة والعفاريت ليلا، ويختارون أماكن مظلمة لهذا الغرض، وقلما يستدعي ساحر جنيا نهارا، لأنه لا يلبي الدعوة بسرعة، يقول بوحميدي الذي يلح على أن المسلم يؤمن بوجود الجن، وبوجود القرين أيضا، "هناك عدة أدلة في القرآن تؤكد ذلك، فلا حاجة لإنكاره، لكن الناس تعلمت العيش دون التفكير في القرين، وهذا الأخير أيضا يمارس حياته بشكل طبيعي، دون أن يولي اهتماما بالإنس"، ومن هنا يشير بوحميدي إلى أن معرفة المغاربة بهذا الواقع، تجعلهم يتجنبون في حياتهم اليومية أذية قرنائهم، "غالبا ما تنصح الأمهات أبناءهن بعدم سكب الماء الساخن، أو الاستحمام ليلا دون ملح، أو غيرها من العادات التي يتوارثها الأجيال".وروى الخبير نفسه تفاصيل عن حياة أشخاص يعاشرون الجن، "هؤلاء يعزفون عن الزواج، بل لا يستقبلون أحدا في بيوتهم، ومنهم أيضا من يتعاطى علاج الناس من قبيل شخص معروف في الصخيرات يعالج الناس من المس، وهو في الحقيقة لا يملك أدنى فكرة عن خبايا عالم الجن أو الشرع، لكنه ممسوس، وحين يستقبل زبناءه يتساقطون أمامه تباعا، لأنهم مسكونون بمردة أقل رتبة من عفريته ويخشون هذا الأخير، ويلبون طلباته بسرعة".تقاسم التفاصيل اليومية للحياة مع جني، سؤال يثير خوف الكثيرين، بل يجعلهم يصفقون الأبواب في وجه هذا السؤال، وإن كان ذلك يسقطهم في حيرة بين تصديق وجود الجن، ووجود ملتقيات طرق يتقاطعون فيها معهم، وعدم وجوده وبذلك يخسرون إيمانهم بما جاءت به تعاليم الدين.ضحى زين الدين

لغة “التراجيم” و “العمار” و”القرين”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أشخاص ابتلوا بحب خيالي غير متكافئ

المس خرافة أحيانا...خلاصة مستقاة من تجربة واقعية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات