فكيـك … واحـة تقـاوم مـن أجـل البقـاء

تمثل قصور فكيك المنتصبة في أقصى الجنوب الشرقي للمملكة على الحدود مع الجزائر، نموذجا متميزا للمعمار «القصوري» كما أنها تزخر بإمكانات تراثية وأركيولوجية ذات أهمية على المستويين الوطني والدولي. وتواجه هذه القصور مشاكل في مجال التعمير والسكن، نظرا للتوسع غير المنظم من الطراز الغربي، الذي لا يناسب المعمار التقليدي المحلي، فالطراز الحضري ينمو، والنسيج القديم يتدهور، وتتنازل قيمة القصور، ويتناقص تجديد وترميم البنايات القديمة.وقد تسببت هجرة سكان فكيك في توقف الصيانة، وتدني قيمة الأبنية القديمة. وأدى هذا التوقف الذي صاحبته تسربات المياه، انطلاقا من القنوات التي تمر من تحت بنايات القصور، والآثار القاسية للطبيعة إلى تدهور سريع للعديد من البنايات القديمة. وبما أن بنايات القصور مرتبطة مع بعضها البعض ومتماسكة فيما بينها، فإن الأضرار تتسع إلى البنايات التي ما زالت قوية مهددة بذلك القصور بأكملها.وسجل سكان واحة فكيك تدهور حالة القصور، وهي الملاحظة نفسها التي سجلها المسؤولون والمنظمات الدولية، وكلهم واعون بضرورة التدخل العاجل للحفاظ، وإعادة الاعتبار لهذا التراث من أجل الحفاظ على نظام السكن الواحاتي والتراث المعماري لفكيك بإعادة الاعتبار للقصور، ومنح السكان فضاءات حضرية جماعية ذات طابع اجتماعي، وثقافي، وتربوي وترفيهي، علما أن قصور فكيك تستجيب للشروط والمعايير المتعلقة بتسجيل التراث الثقافي في لائحة التراث العالمي التي أعلنتها اليونسكو.وفي إطار رد الاعتبار إلى الأنسجة العتيقة لقصور المدينة، وحفاظا على الهندسة المعمارية لها، استفادت واحة فكيك من برنامج مهم للترميم يخص في مرحلة أولى ترميم قصر لوداغير باعتماد مالي قدره 20 مليون درهم، وذلك ضمن البرنامج الذي ترأس جلالة الملك محمد السادس التوقيع على اتفاقية الشراكة الخاصة به، في إطار برنامج شامل يهم مدينتي فكيك وبوعرفة، وتسعة مراكز قروية بالإقليم، رصدت له اعتمادات مالية بقيمة 445 مليون درهم من أجل إنجاز مشاريع تهم التهيئة الحضرية، وإعادة هيكلة الأحياء الناقصة التجهيز، وبناء المركبات السوسيوـ اجتماعية، والرياضية والثقافية وترميم القصور.وبخصوص مشروع ترميم قصر لوداغير، فقد أعد بالتشاور ومشاركة كل الأطراف المعنية، ليتم الإعلان عنه خلال الزيارة الملكية لمدينة فكيك في دجنبر 2009، وانطلقت الأشغال به في يونيو 2013 على شطرين.وقد أكد ممثلون عن سكان القصر لـ«الصباح»، أن هذا المشروع يعتبر إنجازا تشاركيا نموذجيا، إذ قبل الشروع فيه، عرضت الفكرة في لقاءات متعددة ليحظى بمباركة السكان سواء المقيمين بفكيك أو خارجه.كما أشارت المصادر ذاتها إلى أن «سكان القصر يتتبعون عن قرب أشغال إنجاز المشروع من خلال اللجنة المكلفة بالتتبع، إذ يتعاونون مع كافة المتدخلين والمقاولة المكلفة بالإنجاز، وعيا منهم بخصوصياته وأهدافه، التي تتوخى الحفاظ على التراث المعماري والهندسي الأصيل للقصر.وأفادت مصادر «الصباح» أن هذا المشروع سيكون لا محالة نموذجا يحتدى به بالنسبة إلى باقي القصور الأخرى المشكلة لواحة فكيك»، مشيرة إلى أنه ينجز بمشاركة وتأطير لجنة مختلطة (تضم كل الفاعلين من سلطات محلية وإقليمية، وبلدية فكيك، وشركة العمران ومكاتب الدراسات، بالإضافة إلى ممثلين عن جماعة قصر لوداغير) تقوم بدور المراقبة والتتبع لتعالج يوميا ما لا يعد ولا يحصى من المشاكل المختلفة غير المنتظرة، وذلك بتنسيق مع المقاولة المكلفة بالإنجاز، كما أنها تعقد لقاءات أسبوعية من أجل تدارس كل الصعوبات التي قد تعترض المشروع، وإيجاد الحلول لها.وتهم الأشغال المنجزة بقصر لوداغير إعادة ترميم وبناء الأسوار الخارجية وأسقف الممرات وواجهات المنازل، وبناء الممرات بالمواد المحلية، وإعادة بناء المعالم الفنية القديمة للقصر بالأشكال الأصلية نفسها من أقواس وغيرها، زيادة على صيانة مداخل الممرات والدور السكنية وتهيئة الساحات الداخلية للقصر.ويندرج هذا المشروع في إطار الجهود التي تبذلها السلطات الإقليمية، والمحلية والجماعية والمصالح المختصة لمواجهة الإشكاليات والإكراهات العمرانية التي كانت تعرفها مدن ومراكز إقليم فكيك، والتي كانت تتمثل أساسا في ضعف أو غياب البنيات التحتية، والنقص في المرافق العمومية والاجتماعية، وتدني جودة المشهد الحضري وتدهور القصور.وأمام التوسع العمراني الذي عرفته واحة فكيك، بعد فترة الاستقلال بشكل لا يلائم خاصياتها العمرانية، ويتنافي تماما مع التقاليد المعمارية المحلية من جهة، ورحيل العديد من الأسر خارج المدينة من جهة أخرى، أصبحت القصور مهددة بالفقدان النهائي للخصائص العمرانية التقليدية، الشيء الذي انتبه إليه المجلس البلدي والسلطات المحلية والإقليمية وكل المتدخلين، ليتم برمجة مشروع إعادة ترميم قصر لوداغير، والتعجيل بإنجازه باعتباره نواة لتدخلات لاحقة بالنسبة إلى باقي القصور.إن فكيك عبارة عن واحة خلابة مكونة من سبعة قصور مرتبطة في ما بينها بالبساتين الغنية بأشجار النخيل، وقد أحدث السكان معمارا ملائما لحاجياتها، بالمواد والتقنيات المحلية، آخذة بعين الاعتبار للتقاليد والثقافة المحلية، المناخ، وحسن تدبير الفضاء، وتوفر المياه وكذا نوعية نظام السقي المتبع .وبفضل تراثها الغني والمتنوع، والارتباط القوي لأبنائها، والمجهودات المحلية والإقليمية، ورغم عزلتها الجغرافية، وإغلاق الحدود منذ عام 1994، استطاعت واحة فكيك تجاوز عزلتها الاقتصادية لتفرض وجودها.عزالدين لمريني (موفد الصباح إلى فكيك)

فكيـك … واحـة تقـاوم مـن أجـل البقـاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"بولنوار" يفضح الاستغلال الاستعماري للمغاربة

الحبس للأستاذ بطل الفيديو الجنسي بفاس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات