وزارة الداخلية ووالي الجهة يحفزان المتدخلين ومشاريع قيد الإنجاز وأخرى تتعثر لغرض في نفس يعقوب تقف جهة البيضاء-سطات، وتحديدا البيضاء الكبرى التي تضم عمالات المدينة والضواحي، على حافة مرحلة شديدة الصعوبة من العطش، والنقص الحاد في الماء الصالح للشرب، بسبب التراجع الملحوظ في احتياطي المخزون المائي، بفعل قلة التساقطات المطرية وتوالي مواسم الجفاف. ويصل متوسط استهلاك المياه بالبيضاء الكبرى إلى 600 ألف متر مكعب في اليوم، علما بأن الماء الذي توزعه "ليدك" (الشركة الفرنسية المفوض لها)، يأتي من موردين أساسيين، هما سد سيدي محمد بن عبد الله على وادي أبي رقراق، وسد دورات وسد سيدي سعيد معاشو الموجودين على وادي أم الربيع. إعداد: يوسف الساكت يعود محمد مهيدية، والي جهة البيضاء-سطات، فبراير المقبل، إلى القاعة نفسها الملحقة بمكتبه بمقر الولاية، للاطلاع على تقدم برنامج العمل المتفق عليه نهاية السنة الماضية، على ضوء التوجيهات الصارمة الواردة في مذكرة صادرة عن وزير الداخلية، ودقت ناقوس الخطر حول احتمال تعرض عدد من مناطق المغرب، ضمنها البيضاء الكبرى، إلى خطر العطش وفقدان الماء الصالح للشرب. في الاجتماع نفسه، الذي حضره ممثلون عن جميع المصالح والإدارات والمؤسسات والجماعات الترابية المعنية، اطلع الوالي على تقارير تهم الوضعية الحالية للمخزون المائي الحقيقي في عمالات وأقاليم والجهة، كما اطلع على وضعية السدود، وبعض المشاريع الخاصة بالتزود بالماء الصالح الشرب، سواء تلك التي تشرف عليها شركة ليدك، أو المكتب الوطني للكهرباء والماء، أو مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (تحلية مياه البحر بالجرف الأصفر). الوالي غاضب أرغى محمد امهيدية، والي جهة البيضاء-سطات، وأزبد، وخبط الطاولة عدة مرات في اجتماع عاصف عقد، قبل أيام، بمقر الولاية، وجمع عمال الأقاليم والعمالات الـ16 وعمدة المدينة ورئيس مجلس الجهة، ومسؤولين في شركة "ليدك" والمكتب الوطني للماء والكهرباء والحوض المائي، ووزارة التجهيز والماء وشركة البيضاء للبيئة وعدد من المتدخلين الآخرين. وجاء الاجتماع بعد يومين من المذكرة شديدة اللهجة التي أرسلها وزير الداخلية إلى الولاة والعمال حول مخاطر النقص الحاد في الموارد المائية، وكشف فيها النقاب عن إرهاصات أزمة كبرى في التزود بالماء، تستدعي التشدد في تنفيذ إجراءات غير مسبوقة لمواجهة النسب الحرجة لملء السدود والمستويات المرتفعة لتجفيف الفرشات المائية. ودق والي الجهة ناقوس الخطر عن الخصاص الكبير في الماء في مجموع الأقاليم والعمالات وخص بالذكر أقاليم سيدي بنور وبرشيد وسطات وبوسكورة والجديدة، داعيا إلى تفعيل إجراءات تحويل مياه التحلية بالجرف الأصفر إلى هذه الأقاليم، لإنقاذ سكانها من العطش. وضرب الوالي الطاولة بقوة، حين علم أن هناك عددا من المشاريع والبرامج غير المنجزة في عدد من الأقاليم، رغم وجود تصورات حولها، ووجود الموارد المالية الخاصة بها، محملا المسؤولية إلى رؤساء الجماعات والعمال ورؤساء الجماعات الترابية في استمرار هذا العبث، الذي قد يضع أكبر جهات المغرب على حافة عطش حاد. استهلاك ضخم في 2021، وزعت شركة "ليدك" 219 مليون متر مكعب من الماء الشروب، إذ يتراوح الاستهلاك بالبيضاء الكبرى بين 500 ألف متر مكعب يوميا، و450 ألف متر مكعب، مع تسجيل فارق في المعدلات الشهرية. وسجلت أقوى مستويات الصبيب والحاجيات الشهرية للماء بشكل خاص بين أبريل و أكتوبر، كما سجل أكبر صبيب (714.162 مترا مكعبا/اليوم) في عيد الأضحى. وتوقعت الدراسات أن تشهد المنطقة انحسارا كبيرا في هذه المادة، إذ استبقت "ليدك" ذلك منذ 2022 ببرمجة عدد من المشاريع، للحد من خطورة الانقطاع النهائي لهذا المادة الحيوية، سواء بالنسبة إلى الاستعمالات اليومية للسكان، أو الاستعمال الصناعي، ناهيك عن توجيه جزء منه لسقي المساحات الخضراء. وفي هذه المرحلة، أنجزت "ليدك" مشروعا ضخما لتزويد المنطقة الجنوبية للمجال الترابي للتدبير المفوض التي يتزايد فيها التوسع الحضري (جماعات بوسكورة، أولاد صالح، مديونة، المجاطية، أولاد الطالب، لهراويين…)، عبر تحويل الإمداد انطلاقا من منشآت المكتب الوطني للماء الصالح للشرب. وأنجزت العملية بناء على اتفاقية مبرمة بين وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة التجهيز والماء وولاية جهة البيضاء سطات والسلطة المفوضة لها والمكتب الوطني للماء والكهرباء. وشمل مشروع إمداد المنطقة الجنوبية بالماء الشروب إنجاز قناة للربط بخزان مديونة 140 وخزان مرشيش 240 على طول 12.5 كيلومترا بقطر يبلغ 1000 ميليمتر، كما ضم إنجاز محطة للضخ باستثمار في حدود 108 ملايين درهم للمساهمة في الحد من آثار الإجهاد المائي. وفي السياق نفسه، وضعت الشركة مخطط عمل تفصيليا يهدف إلى تدبير ندرة الماء في المجال الترابي للتدبير المفوض، كما تم إطلاق منظومة تحسيسية لتحفيز مختلف فئات المواطنين على ترشيد استهلاكاتهم للماء. وإلى جانب هذا المشروع، أنجزت "ليدك" عملية أخرى لفائدة سكان بجماعة سيدي حجاج واد حصار، شملت محطة للضخ وسردابا على مستوى موقع مطار تيط مليل، إضافة إلى قناة تزويد مشروع رياض تبلغ أقطارها 1000 ميليمتر على طول 7000 متر و800 ميليمتر على طول 3300 متر. كما شمل المشروع إنجاز خزان شبه مطمور وصهريج وجهاز رفع ضغط الماء، بـ144 مليون درهم، إضافة إلى مشروع لتأمين إمداد جماعة المنصورية بالماء الشروب الذي بلغت تكلفته الاستثمارية 78.6 مليون درهم بتمويل من صندوق الأشغال للتدبير المفوض. ويهدف المشروع إلى تقوية البنيات التحتية لإمداد هذه المنطقة بالماء الشروب انطلاقا من قنوات التزويد عبر رافد أبي رقراق، إذ تساهم هذه المنشأة في تعزيز الاكتفاء الذاتي بواسطة الطاقة الاستيعابية للخزان التي تبلغ 15 ألف متر مكعب، ثم إنشاء قناة طولها 6 كيلومترات يتراوح قطرها بين 400 و600 ميليمتر وسرداب عابر للطريق السيار "البيضاء- الرباط". الجهة تنخرط رصد مجلس جهة البيضاء- سطات، ضمن برنامج التنمية الجهوية 2022-2027، ميزانية مهمة لتدبير إشكالية الموارد المائية على مستوى الجهة وصلت إلى 16 مليار درهم لمعالجة إشكالية الماء وخصوصا بالبيضاء الكبرى. ووفق معطيات أوردها مجلس الجهة، في عدد من لقاءاته، سيتم التركيز على تدبير وحل إشكالية الماء، من خلال تزويد المدينة والمناطق المجاورة بالماء الصالح للشرب انطلاقا من سد الوحدة، والمساهمة في مشروع المحطة الكبرى لتحلية مياه البحر، التي يرتقب إنجازها في السنوات الثلاث المقبلة. وإلى جانب ذلك، تم رصد 3 ملايير درهم في مشروع برنامج التنمية الجهوية 2022-2027، لأشغال ربط سد خزان حوض سبو مع سد سيدي محمد بن عبد الله لتزويد المدينة والمناطق المجاورة بمياه الشرب. الطريق السيار لم تستعد البيضاء الكبرى، خصوصا المنطقة الجنوبية، بما فيه الكفاية لاستقبال التدفقات المائية القادمة من الطريق السيار للماء الذي تتأسس فكرته على تحويل فائض مياه حوض سبو (التي كانت تصب في المحيط الأطلسي) إلى حوض أبي رقراق، من أجل تأمين تزويد نحو 12 مليون نسمة في محور الرباط- البيضاء بالماء الصالح للشرب، وتخفيف الضغط عن سد المسيرة، الذي يزود العاصمة الاقتصادية من احتياجها من المياه. ويتكون مشروع الطريق السيار الضخم من منشأة فنية لأخذ الماء على مستوى سد المنع بإقليم القنيطرة على حوض سبو، و67 كيلومترا من القنوات الفولاذية بقطر 3200 ميليمتر، ومحطتين للضخ بتدفق 15 مترا مكعبا في الثانية، وحوض لإيصال الماء لبحيرة سد سيدي محـمد بن عبد الله بالرباط، ومنها إلى البيضاء. ويزود حوض سبو بحيرة سيدي محمد بن عبد الله بـ800 ألف متر مكعب في اليوم، إذ ارتفع منسوب المياه من 136.4 مليون متر مكعب في 21 شتنبر الماضي إلى 138.7 مليون متر مكعب في 10 أكتوبر الماضي، حسب آخر الإحصائيات الصادرة عن الوزارة الوصية، في الوقت الذي لا تصل كل هذه المياه إلى المناطق السكانية المعنية، بسبب ضعف شبكات الربط. في انتظار محطة التحلية تأخر مشروع تحلية مياه البحر بالبيضاء الكبرى الذي كان مفترضا أن ينتهي في بداية 2021، ما نبه إليه وزير التجهيز والماء في تقرير، عرض أمام مجلس النواب، وصف بالأسود، وحمل المسؤولية إلى الحكومة السابقة. وخطت البيضاء أولى الخطوات في هذا المشروع بالإعلان عن مجموعة الشركات الوطنية والدولية التي حازت على صفقة عمومية بالملايير لإنجاز هذه المحطة الضخمة، الأولى من نوعها في إفريقيا. وتروم المحطة تأمين تلبية الحاجيات المستقبلية من الماء الصالح للشرب بهذه الجهة، خاصة في ظل محدودية الموارد المائية الطبيعية وتفاقم ظاهرة ندرة المياه بسبب تأثير التغيرات المناخية. وحسب المديرية العامة لهندسة المياه بوزارة التجهيز والماء، تصل سعة المرحلة الأولى من محطة تحلية مياه البحر إلى 200 مليون متر مكعب، بينما ستصل سعتها النهائية 300 مليون متر مكعب في 2030، منها 250 مليون متر مكعب مخصصة لمياه الشرب و50 مليون متر مكعب لسقي أراض فلاحية. ومن المتوقع أن يبدأ تنفيذ المشروع بداية السنة الجارية، وسيستغرق تنفيذه حوالي ثلاث سنوات، على أن تكون المحطة جاهزة للعمل في نهاية 2026، إذ يعمل المشروع على توفير مصدر مستدام للمياه الصالحة للشرب والري وتقليل الضغط على موارد المياه الاعتيادية خاصة على مستوى حوض أم الربيع، ما سيمكن من الحفاظ عن هذه الموارد للاستعمالات الأخرى خاصة سقي المساحات الفلاحية المجهزة. وستمنح محطة تحلية مياه البحر للجهة، القدرة على التعامل مع التحديات المائية المتزايدة نتيجة لتغير المناخ وقلة التساقطات المطرية في السنوات الأخيرة، والتي ترتب عنها انخفاض كبير في مستوى الموارد المائية السطحية، خاصة بالحوضين المائيين أبي رقراق وأم الربيع.