الجيش في خدمة أمن القرب

أطلق المغرب مخطط "حذر" من أجل تعزيز الإجراءات الأمنية في مواجهة التهديدات الإرهابية. وقد انتشرت فرق الجيش والأمن في أهم المواقع الحساسة في مدن البيضاء والرباط ومراكش، في انتظار تعميمها على ثلاث مدن أخرى. وجاء المخطط الأمني في إطار تطوير السياسة الاستباقية، التي تشمل جوانب أمنية وسياسية وقانونية ودينية، وذلك بالاعتماد على خبرات طويلة في هذا المجال.كما تتسم السياسة الأمنية بالمغرب بالفعالية والاستباق والتكيف المستمر مع تحولات الظاهرة الإرهابية، لمواجهة أخطارها منذ بدايتها. بحركة رشيقة، تندس طالبة المعهد الخاص بشارع مولاي يوسف بالدار البيضاء وسط الجنديين المدججين برشاشين، وتسحب هاتفها المحمول لالتقاط صورة لها بطريقة "سيلفي" أمام ذهول صديقاتها اللواتي فغرن أفواههن، وقد هالهن جرأتها الزائدة. وقبل أن تستوي في "بوزها"، حدجها رجل الأمن ذو القامة الطويلة، وطلب منها الابتعاد بحركة من يده، دون أن يتخلى عن ملامحه الجافة.تطوي الطالبة هاتفها وتضعه في جيب سروالها "جينز"، وتنسحب مطأطاة الرأس وسط قهقهات مخنوقة لصديقاتها، قبل أن تنفجر إحداهن ضحكا "غزا فيك الله، حتى نتي كطيري أصاحبتي"، وتعالجها أخرى "بغيتي فوطو سيلفي أساطة مع العساكرية باش تعيقي بيها علينا في فيسبوك". تطلع وفضول وانبهاركانت عقارب الساعة تشير إلى الخامسة من عصر أول أمس (الخميس)، حين اختفت الطالبات وسط حديقة الجامعة العربية وتلاشت قهقهاتن.في زاوية الحديقة المقابلة للطريق المؤدي إلى القنصلية الأمريكية، يقف عنصرا القوات المسلحة بلباسهما الأخضر المميز متمنطقين برشاشين، يتوسطهما رجل أمن، ويحمل الثلاثة شارة "حذر" ملتفة حول أذرعهن مكتوبة بخط أزرق واضح على خلفية برتقالية، تمييزا لهم عن باقي تشكيلات حفظ الأمن الأخرى التي تعج بها العاصمة الاقتصادية منذ زوال اليوم نفسه.لم يمر الظهور المفاجئ لعناصر من قوات الجيش بأسلحة أوتوماتيكية، دون انتباه عدد من المارة الذين يخففون من خطاهم حين يمرون من أمام الفريق الثلاثي، ويتطلعون إلى أفراده خلسة، دون أن يجرؤ أحد على الاقتراب أو السؤال.أصحاب السيارات والشاحنات وسيارات الأجرة يتطلعون من خلف الزجاج إلى المنظر الغريب وسط شوارع الدار البيضاء الأساسية. حالة من الفضول تنتاب سائق دراجة نارية كبيرة من نوع "سكوتر" الذي يوقف محركه على بعد خطوات من رجل الأمن الجنديين المرابطين قرب ساحة الحمام. يترجل، ثم يسير لاستراق النظر على مسافة قريبة. يلقي التحية على الثلاثة، دون أن ينتظر ردا عليها، يمتطي دراجته ويضع خوذته ويطير بمحاذاة الطرامواي الذي يستعد للوقوف في المحطة القادمة."ياك الإضراب سالا البارح، علاش عادو جابوهم هنا"، تقول الموظفة بالمركز التجاري "توين سانتر" وهي تهم بعبور شارع الزرقطوني، إلى الجهة المقابلة، حيث ينصت الجنديان ورجل الأمن لضابطين كبيرين بولاية أمن الدار البيضاء، يلقانانهم آخر التعليمات.- واش نتي خدامة هنا ومعارفاش علاش جابوهم"، تسألها "الصباح".-والله ما عرفت أخويا، أنا عاد نزلت من الخدمة وشفتهم واقفين.-واقيلا داك شي ديال الارهاب وداعش.-ناري اخويا متخلعنيش، حنا خدامين في توين سانتر غادي يبداو بينا حنا لولين.تبتسم الشابة، التي يبدو من لباس عملها (وزرة بيضاء) أنها عاملة نظافة بأحد مكاتب العمارتين التوأم، ثم تستأذن بالانصراف للالتحاق بالحافلة التي لاحت من بعيد. عيون الجيش في كل مكانوجود فرق "حذر" في منطقة حساسية مثل مثلث "توين سانتر" وشارعي الزرقطوني والمسيرة الخصراء كان متوقعا ضمن برنامج ولاية أمن الدار البيضاء والقيادة الجهوية للقوات المسلحة والدرك الملكي والقوات المساعدة، كان كما هو الشأن بالنسبة إلى امتداد شارع المسيرة في اتجاه منطقة عين الذئاب، مرورا بجميع المواقع الحيوية بعمالة أنفا إلى حدود شاطئ سيدي عبد الرحمان، حيث يستريح المركب التجاري "موروكومول" الذي أضحى منذ افتتاحه قبل ثلاث سنوات أحد رموز العاصمة الاقتصادية. بشارع الزرقطوني، وشارع موسى بن نصير والأزقة المتفرعة عنهما في اتجاه وسط المدينة، تبدو الحركة غير عادية. الأعصاب مشدودة عن آخرها، ومنسوب الحذر واليقظة الأمنية مرتفعة بدرجات قصوى، تؤكدها بين الحين والآخر مشاهد رجل الأمن فارع القامة الذي يتوسط جنديين يتمنطقان برشاشيين أوتوماتيكيين، وهم يتخذون مواقع وزوايا محددة جرى اختيارها بدقة قرب المراكز والمؤسسات والمرافق الحيوية. "حذر" في الطراموايالحراسة على أشدها أيضا، بشارع الحسن الثاني، حيث تتمركز أغلب المؤسسات البنكية وإدارات التأمين ومكاتب المقاولات الخاصة، وتعبر عشرات عربات الطرامواي في اتجاه عين الذئاب والكليات، أو العكس في اتجاه وسط المدينة والحي المحمدي وسيدي مومن.بالقرب من ساحة الحسن الثاني، يقف الطفل الصغير مشدوها أمام الرشاش الأوتوماتيكي الذي يقبض عليه الجندي بكلتي يديه وأصبعه على الزناد، ويقول لوالدته "شري ليا بحال هادا في عيشور"، يتخلى رجل الأمن عن صرامته ويفرج عن ابتسامة صغيرة، ويطلب من زميليه السير قليلا، تفاديا لمواقف حرجة مماثلة ولم يمر على وقوفهم بهذا المكان سوى أربع ساعات.قرب محطة الطرامواي المقابلة لفندق حياة ريجينسي، لم يكف الشاب بنظارات طبية سميكة و"ساكادو" على الظهر، عن الكلام بصوت مرتفع:- "واو...جاو عندنا العسكر ما عمرني شفت "ميترايوز" ديال بصح ماشي ديال الميكة، كنشوفها غير في الأفلام".يواصل الشاب نشر ضجيجه في المكان، منبهرا لوجود عنصرين من الجيش يحملان رشاشين غير بعيد عن محطة الطرامواي.صديقه الذي يتظاهر بأن هذه المشاهد عادية، يطلب منه أن يتحدث بصوت منخفض:"- شوهتينا أصاحبي، مالك معمرك دزتي من حدا القشلة ديال الحي المحمدي.. العسكر تم بحال البطاطا شكون لي بغاه".يرد عليه بالصوت الصاخب نفسه:- "لا ما شي بحال هادو، هادو واعرين ومسلحين وباين عليهم ما شي ولاد لبلاد".يمر الطرامواي، ويختفي الشابان من المشهد، ويعود الهدوء نسبيا إلى المحطة.قرب محطات القطار بعين السبع والبيضاء للمسافرين والبيضاء الميناء والوازيس، تبدو الأمور أكثر جدية بالنسبة إلى المسافرين الذين يسرعون الخطى للالتحاق بمواعد قطاراتهم، دون اهتمام بما يجري حول محيط هذه المحطات من إنزال أمني مكثف لعناصر من القوات المسلحة والأمن والقوات المساعدة وقوات الصقور والبوليس بلباس مدني."اه شفت شي حركة غير عادية ديال البوليس والعسكر، واش كاين شي ماتش ديال الكرة اليوم"، يجيب الرجل الكهل الذي يجر خلفه حقيبة سفر على سؤال "الصباح" بسؤال جديد، ثم يستأذن في الانصراف.رجل الحراسة الخاص المتذمر بمحطة الوازيس يدخل على الخط:- "أش من ماتش ولاسيدي زكري..هادا ما فراسو والو أش واقع في العالم، مفيراسوش واقيلا داعش، مكبوبة عليه الخابية"، يقول ذاك ويلتفت إلى زميله وينخرطان في موجة من الضحك.يوسف الساكت

الجيش في خدمة أمن القرب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

دوريات بجامع الفنا

"الكونكبيناج"...الوجه الآخر لاستغلال الفتيات جنسيا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات