ساوباولو البيضاء…خط جوي من كوكايين

يستحق الخط الجوي الرابط بين البيضاء وساو باولو أن يحمل اسم "خط من الكوكايين" بالنظر إلى أن كل رحلة واحدة من أصل الرحلتين المبرمجتين في الأسبوع الواحد، تحمل معها كمية من الكوكايين القادم من دول أمريكا الجنوبية، وكذا لأن عدد المعتقلين من مهربي المخدرات الصلبة تجاوز المائة خلال العام الجاري فيما قاربت الكميات المحجوزة 300 كيلوغرام... رائحة الكوكايين تشتم من داخل الطائرة القادمة من البرازيل نحو البيضاء، رغم أن بعض المهربين حرصوا على إخفائها بشكل محكم وسط الحقائب أو مواد تجميل أو حتى ابتلاعها داخل بطونهم و إخفائها في أجهزتهم التناسلية، حتى لا يكشفها رجال أمن الحدود الذين كانوا في انتظار المسافرين بكلاب بوليسية مدربة وجهاز سكانير وأجهزة فحص بالصدى... عمل استباقي... الحاجز الأول انتصب على مقربة من الطائرة التي حطت بمطار محمد الخامس الدولي بعد ثماني ساعات من الطيران، رئيس الشرطة القضائية بأمن المطار ورئيس فرقة محاربة المخدرات وعنصران آخران في الفرقة، كانوا يدققون النظر في المسافرين وبين الفينة والأخرى يهمسون بكلمات في آذان بعضهم.تكلفت عناصر الشرطة القضائية بمراقبة الجوازات في هذه الرحلة الخاصة، عكس ما عليه الأمر بالنسبة إلى باقي الرحلات حيث يكون التفتيش عاديا من قبل رجال شرطة بزيهم الرسمي، كل واحد منهم كان يحمل في يده ورقة تتضمن قائمة بأسماء المسافرين القادمين من البرازيل ومهنتهم والدول المنتمين إليها وعدد الحقائب التي يحملونها."ننسق مع شركة الخطوط الملكية المغربية من أجل جمع معلومات عن المسافرين" يقول عبد الهادي السيبة، رئيس الشرطة القضائية بأمن مطار محمد الخامس، قبل أن يضيف وهو يدقق النظر في أحد المسافرين الذي بدا غير عاد في طريقة وقوفه وملامح وجهه التي يعلوها عياء واضح " نحصل على المعلومات الخاصة بالمسافرين، ومن خلالها نحدد لائحة بأسماء المسافرين المشتبه فيهم". تحديد اللائحة يخضع لمجموعة من المعايير، كما أكد السيبة، من بينها البلد الذي ينتمي إليه المسافر، إذ أن هناك قائمة بأسماء بعض الدول التي يتحدر منها مهربو الكوكايين من البرازيل من بينها نيجيريا وغينيا بيساو وسيراليون، وكذا مهنة المسافر وعدد المرات التي زار فيها البرازيل.يتفحص رجال الشرطة جوازات السفر وبمجرد أن يظهر الشخص الوارد اسمه في اللائحة يطلبون منه الوقوف جانبا، ثم يواصلون عملية البحث عن باقي أعضاء اللائحة المشتبه فيهم.اصطادت"الشبكة" في ذاك اليوم ستة أشخاص يتحدرون من دول غينيا بيساو وبوركينافاصو وغانا ونيجيريا وأنغولا، بدت على بعضهم ملامح القلق، فيما كان آخرون يستفسرون عن سبب إيقافهم. الفحص بالصدى بحثا عن كوكايين داخل الأمعاء طلب ياسين الشواي، رئيس فرقة محاربة المخدرات بأمن مطار محمد الخامس، من المشتبه فيهم الستة مرافقته إلى الوحدة الصحية لعرضهم على طبيب، بعد أن أخبروا من قبل عناصر الأمن أن هناك شكوكا تحوم حول تهريبهم للكوكايين، لم يمانعوا ورافقوا عناصر الشرطة برؤوس مطأطئة.داخل الوحدة الصحية الموجودة بالمطار كان هناك طبيب واثنان من مساعديه في انتظار المشتبه فيهم، تكلف رشيد راكشو، مفتش شرطة بالفرقة نفسها، بالنداء على كل واحد منهم من خلال اسمه المدون بجواز السفر المحجوز، ومطالبته بالدخول ليكشف عنه الطبيب، يتمدد فوق سرير طبي بعد أن يكشف عن بطنه لتضع عليه مساعدة الطبيب مرهما ثم يتم الكشف عليه بالصدى. لا تتعدى عملية الكشف بضع دقائق، بعدها يقرر الطبيب ما إذا كان الشخص مشتبها فيه بحمل كوكايين داخل بطنه أم لا، غير أن النتائج جاءت صادمة للمشتبه فيهم الستة بعد أن أكد الطبيب أن هناك شكوكا حول بلعهم كوكايين ويجب عرضهم على طبيب بمستشفى ابن رشد المتوفر على التجهيزات الضرورية للتأكد من الأمر."الوحدة الصحية لا تتوفر على التجهيزات التي يمكن أن تحسم في بلع مشتبه فيه لكوكايين أم لا، لذا فنقل بعض الحالات إلى مستشفى ابن رشد ضروري" يقول عبد الهادي السيبة رئيس الشرطة القضائية.أخبر المشتبه فيهم بأنهم سيعرضون على طبيب مختص، وعبر بعضهم عن قلقه من أن لا يتمكن من السفر حسب الوقت المحدد إلى بلده، وهو احتجاج يكون أحيانا في محله، خاصة بعد أن يكشف الفحص الثاني أن المشتبه فيه لا يحمل كوكايين في أمعائه.كلاب بوليسية وسكانير "بعد الفحص بالصدى ننتقل إلى مرحلة أخرى تتمثل في التفتيش اليدوي أوبالاستعانة بالكلاب البوليسية المدربة" يقول محمد الشادلي، ضابط شرطة بفرقة محاربة المخدرات، قبل أن يضيف "هذه المرحلة مهمة على اعتبار أنها غالبا ما تساعد على إيقاف مهربي الكوكايين بعد ضبط المخدرات في حقائبهم".انتقلت عناصر الشرطة رفقة المشتبه فيهم إلى مكان الأمتعة، وتوجهت بشكل مباشر إلى الأمتعة الخاصة بالرحلة القادمة من مدينة ساو باولو البرازيلية، وجه الضابط الشادلي سؤالا "فخا" إلى المتهمين حول عدد الحقائب التي يتوفرون عليها "إذا كان المتهم حاملا للكوكايين في حقيبته فإنه غالبا ما يحاول أن يتخلى عن الحقيبة بعدم التصريح بها، غير أننا ندرك هذا ونقوم بحصرعدد الحقائب الخاصة بكل مسافر مشتبه فيه قبل وصوله".حمل كل مشتبه فيه حقائبه من بين عشرات الحقائب، ووضعها على مقربة من جهاز السكانير، تكلف رجال الشرطة القضائية بالتدقيق في أرقامها وعددها، قبل أن يعرض كل واحد حقيبته للتفتيش.التفتيش يكون يدويا في البداية، يعمل خلاله رجال الشرطة على فتح الحقائب، بالاستعانة بأحد عناصر مسرح الجريمة، والتنقيب عن الكوكايين في الأماكن التي يحتمل أن يخبئ فيها المشتبه فيهم المخدرات الصلبة.علامات الفرح تبدو على محيا كل مشتبه فيه لم تعثر عناصر الشرطة على كوكايين في حقيبته، قبل أن يتقدم ويعيد جمع أغراضه بمساعدة من بعض العاملين بالمطار، ليتواصل تفتيش حقائب الشخص الموالي."إذا راودتنا شكوك نعمل على الاستعانة بجهاز السكانير" يقول الشواي، رئيس الفرقة، وهو يحمل قطعة قماش شك في إخفاء كوكايين داخلها، قبل أن يضعها في جهاز "السكانير" لفحصها، غير أن النتيجة كانت سلبية. واصل رجال الشرطة القضائية بحثهم عن الكوكايين في مختلف الحقائب، قبل أن تقع أعينهم على علب مواد تجميل خاصة بالنساء، راودتهم شكوك خاصة أنهم سبق أن أوقفوا أشخاصا حاولوا تهريب الكوكايين داخل مواد تجميل، امتدت يد أحد عناصر الشرطة نحو علبة من العلب، فتحها فعاين مواد تجميل قبل أن تمتد يده إلى الداخل ليكتشف شيئا غريبا موضوعا في كيس بلاستيكي أسود.حمل رجل الأمن الكيس الصغير وقربه من أنفه، ثم شمه بعمق، قبل أن يردد "هذا كوكايين" ليلتف حوله باقي عناصر الشرطة القضائية، ويعملوا جميعا على فتح الكيس لتظهر المادة البيضاء المبحوث عنها.غير بعيد عن المكان كان صاحب الحقيبة، المتحدر من أنغولا، التي ظهر بها الكوكايين يتابع ما يجري، قبل أن يتغير لون وجهه ويبدأ العرق يتصبب من جبينه، توجه نحوه مفتش الشرطة وألقى القبض عليه، ليتواصل بعدها تفتيش الحقائب الأربع التي كانت بحوزته، فيما كلف عنصر مسرح الجريمة بإخضاع الكمية المحجوزة لاختبار أولي من أجل معرفة ما إذا كان الأمر يتعلق فعلا بكوكايين، لتأتي النتيجة إيجابية بعد أن تغير لون السائل وأصبح ازرق.أخرجت عناصر الشرطة القضائية العديد من علب مواد التجميل، وفي كل مرة كانوا يعثرون على كيس بلاستيكي وضعت به 250 غراما من الكوكايين، ليبلغ وزن الكمية المحجوزة خمسة كيلوغرامات ونصف.لم تتوقف عملية البحث عن الكوكايين، فبعد التفتيش اليدوي عرضت الحقائب على الكلب البوليسي ومروضه اللذين كانا يقفان غير بعيد في انتظار إشارة من قبل عناصر الشرطة القضائية، قبل أن ياذن العميد السيبة للشرطي المكلف بالكلب ببدء عملية التفتيش عن الكوكايين.عرضت الحقائب على الكلب الذي كان يلتف حولها باحثا عن الرائحة الكوكايين المتخصص في التنقيب عنها، لم يتبين من خلال حركاته وردود أفعاله أن هناك كوكايين بالحقائب، وهو ما أكده مروضه "صافي ما بقاش الكوكايين" قبل أن يضيف محاولا شرح حركات كلبه "إذا شم الكلب رائحة الكوكايين فإنه يجلس ويعض الحقيبة أو يخدش برجليه الأشياء التي خبئ فيها الكوكايين". حمالة في خدمة مافيات التهريب وضعت الأصفاد في يدي المتهم المتحدر من أنغولا أمام أنظار باقي المشتبه فيهم، ونقل إلى مركز الأمن بشرطة الحدود من أجل التحقيق، وكانت البداية بالسؤال عن مصدر الكوكايين ووجهته والأشخاص المتورطين في العملية." أنا مجرد حمال طلب مني أحد الأشخاص أن أنقل هذه البضاعة من ساو باولو إلى أنغولا مرورا بالبيضاء مقابل ستة ملايين سنتيم"، قبل أن يضيف "لقد كان في كل مرة يتصل بي شخص ليخبرني بما يجب علي فعله، وغالبا ما يكون الاتصال في آخر لحظة للزيادة في الاحتياط"". علمت عناصر الشرطة من خلال التحقيق أن المتهم سافر إلى ساو باولو حسب ما طلب منه بعد أن تم تمكينه من تذكرة السفر، ووجد بانتظاره في المطار شخصا لا يعرفه ولم يسبق أن تحدث معه، وقد تعرف عليه من طبيعة الملابس التي كان يرتديها والتي غالبا ما تكون مميزة من حيث الألوان، نقله عبر سيارة إلى أحد الفنادق في ضواحي ساو باولو وطلب منه الانتظار. بقي المتهم بالفندق حوالي أسبوع، قبل أن يزوره صباح أحد الأيام شخص لم يلتقه من قبل، وطلب منه الاستعداد للسفر في اليوم نفسه، كما زوده بأربع حقائب بها بعض الهدايا الخاصة بالنساء والرجال من بينها مواد التجميل.لم يعلم "الحمال"، كما أكد لعناصر الشرطة مكان إخفاء الكوكايين ولا وزن الكمية المراد تهريبها، ولا حتى اسم الشخص الذي سيسلمها له في حال ما إذا عبر إلى "بر الأمان" ليحمل الحقائب ويتوجه رفقة أحد أفراد العصابة إلى المطار قبل أن يغادر الأخير عند مدخله ويدلف هو إلى الداخل." لا يقدم المتهمون الموقوفون من قبل شرطة الحدود في الغالب أي اسم أو معلومة من شأنها أن تساعد على تفكيك شبكات مافيا التهريب الدولي للكوكايين" يقول عميد الشرطة السيبة، قبل أن يضيف "الحمالة غالبا ما يجهلون أسماء الأشخاص الذين يكلفونهم بتهريب الكوكايين، وحتى الأشخاص الذين سينتظرونهم بالمطار لايعرفون عنهم شيئا".لم يفض التحقيق مع المتهم من قبل عناصر الشرطة إلى أي معلومات جديدة عن شبكات التهريب، مثل ما يقع مع أغلب المتهمين، باستثناء بعض المعلومات عن طرق التهريب و"تجنيد" "حمالة"، وفي أحسن الحالات جنسيات بعض الأشخاص الأفارقة الذين يشتغلون مع أفراد العصابات الدولية، والذين يتحدرون في أغلبهم من نيجيريا كما كشفت الأبحاث. إنجاز: الصديق بوكزول

ساوباولو البيضاء…خط جوي من كوكايين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

77 في المائة من المقاولات ترغب في الاستثمار بالخارج

السجن لا يمنع عاطلي الرباط من التصعيد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات