“البوعارة” ينتزعون اعتراف مبادرة التنمية البشرية

اقتحمت مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ميدانا جديدا، بتأسيس مصنع صغير وتجهيزه بآلات، يشتغل فيه ممتهنون سابقا للجمع العشوائي للنفايات المنزلية، أعوان فرز ومستشارين إيكولوجيين في تحسيس المواطنين. قبل اليوم، كان عمل أسامة ورقية وآخرين، عشوائيا وتكتنفه مخاطر كثيرة، وفضاء أدائه شاسع جدا وممتد في أطراف المدينة، أما مواقيته فهي غير محددة، وعدته ليست غير عربة مجرورة بدابة وقضيب حديدي معقوف الرأس، يستعينون به في البحث عن "هوتة"، وتعني في قاموس "البوعارة": الشيء الثمين، وسط أكوام النفايات بالمدينة.أما الآن، فهم وسط مركز رسمي في قلب الحي الصناعي بسيدي البرنوصي بالبيضاء، وعلى غرار بقية العمال، أصبح لهم توقيت عمل رسمي، ولباس رسمي، وموعودون بالحصول قريبا على وثائق ستمكنهم من دخل شهري قار، وسترتقي بصفتهم من مجرد "بوعار عشوائي"، إلى رتبة "أجير" بمركز فرز وإعادة تدوير النفايات.هذا المركز، واحد من ضمن مشاريع محاربة الهشاشة، التي يمولها المشروع الملكي، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ويعد من بنات أفكار اللجنة الإقليمية لهذه الأخيرة بعمالة مقاطعات سيدي البرنوصي، أنشئ في قلب الحي الصناعي بالمنطقة، على مساحة تقترب من ثلاثة آلاف متر مربع. المشروع، الذي حظي بإعجاب الملك محمد السادس، فدلف إليه خلال زيارته الأخيرة للبيضاء من أجل اكتشافه، كلف تشييده وإطلاق العمل به غلافا ماليا ناهز حوالي 10 ملايير، وعدد المستفيدين منه 23 شخصا، وراء كل منهم، مأساة، وكل واحد منهم، يحمل قصة تجربة حياة، عنوانها كسب لقمة عيش، وسط أكوام من النفايات المنزلية للأسر البيضاوية. نظرة من الداخل من الداخل، وباستثناء اتخاذ جزء من الطابق العلوي مكاتب للإدارة، المركز عبارة عن قاعة كبرى، لها بابان، وتتوسطها ثلاثة أحزمة ناقلة، على شكل طاولات صفراء مستطيلة، وعليها يتم فرز "الصالح" من النفايات من قبل العمال وقوفا، وبعد أن يكونوا قد وزعوا المهام: أسامة يلتقط الزجاح، ورقية تلتقط الورق، أما حسن فيتكلف بالبلاستيك.وفيما ينغمس العمال في اصطياد النفايات القابلة للتدوير من تلك الأحزمة الناقلة التي تشبه حركتها نهرا محملا بالأوحال، لا يكف المهندس عماد، مدير المركز، عن التنقل عبر فضاءات المركز، فيلقي تارة نظرة على المخازن، وتارة على العمال الواقفين قرب آلات لإعادة تدوير النفايات.ويقول المهندس عماد، خريج جامعة ابن طفيل الذي اشتغل سابقا في محطة لمعالجة المياه العادمة، إن "الشروع في العمل داخل المصنع ينطلق في الثامنة صباحا، وينتهي في الخامسة بعد الزوال"، ثم يشير بيده نحو زاوية قريبة من باب المصنع، مضيفا "هناك، في ذلك المخزن، تفرغ شحنة النفايات، بعد أن يتم قياس وزنها، وقبل المرور نحو فرزها وإعادة تدويرها". وعند الانتهاء من الفرز، يتم إدخال المواد البلاستيكية إلى آلة زرقاء، حيث يتم ضغطها، ليتم الحصول على رزم مربعة الشكل، أما المواد المعدنية، وأغلبها علب مصبرات فارغة، فيتوفر المركز على آلة من اللون ذاته، وفيها يتم ضغط المعادن، لتتخذ الشكل ذاته الذي اتخذته المواد البلاستيكية، أما الورق و"الكارتون"، فتتولى آلة ثالثة "طحنه" ليوضع في أكياس، وعلى غرار المواد المعدنية والبلاستيكية، يتم قياس وزنها في ميزان ثان، قبل تخزينها في انتظار نقلها من المركز. بالخروج من المصنع نحو باحته، توجد غرفتان للتبريد، يقول عماد إنهما "مخصصتان للنفايات العضوية"، أي بقايا الخضر والفواكه، "وفي انتظار إقامة مركز داخل المصنع، لتحويلها إلى أسمدة، فحاليا نقوم بتبريدها هنا، إلى حين نقلها إلى تعاونيات لتربية المواشي بضواحي المنطقة". بوعار الأمس... أجير في المركز راهنا يشغل المركز 23 عاملا، ويراهن المسؤولون على أن يبلغ العدد 60 قبل متم السنة الحالية، وأيا كان من تسأله منهم عن مهنته السابقة، سيقول لك بالدارجة البيضاوية "كنت بوعار، واليوم التحقت بالعمل هنا، بعدما وعدوني بتوظيفي بشكل رسمي".حسن، السجين السابق، ومصطفى الأب لخمسة أبناء الذي فقد ثروته في ظروف ما، ورقية، الأم لطفلين، وأسامة، الشاب العازب، كلهم كانوا "بوعارة"، يغادرون مساكنهم ليلا، والناس نيام، ليطوفوا بعرباتهم المجرورة أرجاء المدينة، لجمع نفايات قابلة لإعادة التصنيع، ليصبحوا الآن، عمالا بأجرة شهرية محددة رسميا في 2600 درهم لكل واحد منهم. ومع أن "البوعارة" السابقين، يعترفون بأن بينهم من كان ينهي جولته بعربته، بتحصيل مدخول يومي يتراوح بين 200 و400 درهم، فالخطاب الرسمي، يقول إنهم كانوا في وضعية "هشاشة اجتماعية".والخطاب ذاته، الذي يصف هذا المركز بأنه "الأول من نوعه على مستوى العاصمة الاقتصادية للمملكة"، يرى فيه أيضا تكريسا لـ"مبادئ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، سيما في ما "يخص استئصال العجز الاجتماعي بالأحياء الحضرية الفقيرة، والنهوض بالأنشطة المدرة للدخل"، من خلال اعتماد "مبادرات متجددة تهم القطاع غير المهيكل ومساعدة الأشخاص في وضعية هشاشة قصوى".وبالإضافة إلى "تحقيق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للنباشين وجامعي النفايات العشوائيين، وتقنين وإضفاء الطابع المهني على قطاع تدبير النفايات وحماية الصحة العمومية والحفاظ على البيئة"، فإنه جاء أيضا لـ"تحويل النفايات إلى موارد قابلة للتثمين، وإحداث فرص شغل دائمة"، ثم "تقليص حجم النفايات المنزلية والمشابهة، وتخفيض الكلفة المرصودة لخدمات التنظيف وجمع الأزبال". فكرة وجلسات اجتماع داخل مقر عمالة مقاطعات سيدي البرنوصي، توجد مكاتب اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ويشرف عليها محمد مجيب، رئيس قسم العمل الاجتماعي، هذا الأخير، كان من بين الذين وقفوا وراء تحويل الفكرة إلى بناية في قلب الحي الصناعي بالمنطقة."الفكرة يعود تاريخها إلى قبل ثلاث سنوات من الآن"، يحكي محمد، مضيفا "ففي إطار فريق عمل يرأسه السيد العامل، تم رصد مجموعة من السلوكات والظواهر بالمنطقة، منها ظاهرة جامعي النفايات، وطريقة تعاملهم مع حاويات الأزبال، والتنقل على عربات ودواب في المجال الحضري، مع تعاطيهم للمخدرات، فتبين أن علاج الظاهرة، يتطلب مراعاة تحديات المجال".ما أسماه المسؤول بتحديات المجال، لا يمكن إلا أن يقصد به التخلي عن منطق "الحملة" التي كانت دائما حلا بالنسبة إلى السلطات في تعاملها مع الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير المهيكلة، والانتقال إلى مستوى التشخيص وإيجاد بدائل تعالج الظاهرة من منبعها. وفي هذا الصدد، يقول محمد مجيب، "تعمقنا في دراسة الظاهرة من خلال تشخيص مجالي، فتبين أن جامعي النفايات، ليسوا إلا حلقة من سلسلة طويلة، إذ هناك من يسخر هؤلاء، لجمع النفايات وصولا إلى حلقات أخرى، وعموما ظهر أنه قطاع مدر للدخل وتعيش منه عائلات كثيرة".بعد ذلك، انتقل فريق العمل من التشخيص، إلى العمل، فشرع، بالتعاون مع جمعيات، في استقطاب جامعي النفايات، وعقد جلسات استماع إليهم، وانطلاقا من ذلك، بدأ مسؤولو عمالة البرنوصي يتلمسون الطريق نحو نهج استراتيجية، ترتكز على مقاربة من ثلاثة مكونات: تحسيس السكان وتنظيم جامعي النفايات وإعادة فرز وتدوير النفايات.وهكذا، يحكي محمد مجيب، خرجت إلى الوجود فكرة إقامة أكشاك إيكولوجية على مستوى مجموعة من النقط السوداء، وفكرة تنظيم الجامعين في إطار قانوني، ممثلا في تعاونية وتزويدهم بألبسة وأجهزة، وكل ما يضمن أداء عملهم بكرامة، وصولا إلى فكرة بناء مركز الفرز. إعداد : امحمد خيي

“البوعارة” ينتزعون اعتراف مبادرة التنمية البشرية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تفكيك شبكة للدعارة ببني ملال

الإرهاق أهم أسباب التهاب المفاصل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات