دراسة في القانون : المقتضيات القانونية الجديدة للتقييد الاحتياطي

الأمر الرئاسي الصادر برفض طلب التقييد قاطع فمن خلال المقارنة بين هذه الحالات يتبين أن المشرع متى أراد إضفاء الوصف النهائي على أمر قضائي في هذا الشأن، إلا ونص على ذلك صراحة ومتى سكت عن ذلك، فإن سكوته قد يفيد ضمنيا الشيء ونقيضه أي المنع والجواز في آن واحد. فنحن في خضم هذا الطرح نرى بأنه إذا كانت الأوامر الصادرة بقبول طلبات التقييد الاحتياطي يمكن العدول عنها عبر سلوك مسطرة التشطيب وهي المسطرة التي تفتح مناقشة الدعوى وفق إجراءات عادية أي جلسة علنية ومسطرة تواجهية وبحضور كتابة الضبط، مع حق الطعن في الأوامر الصادر على النحو الذي يستنتج من أحكام المادة "86" في فقرته الأخيرة، فإنه وفي المقابل هذه الإمكانية غير قائمة البتة في الحالة التي تصدر فيها أوامر الرئيس برفض طلب التقييد الاحتياطي.الواضح أن المشرع في المادة المذكورة قد استحضر الجانب المتعلق بمصلحة صاحب الرسم العقاري الذي بإمكانه الرجوع إلى مؤسسة الرئيس لإلغاء التقييد الاحتياطي، دونما استحضار الجانب المتعلق بصاحب المصلحة في إجراء التقييد الاحتياطي.فهل يبقى مع ذلك من الممكن التماس مبررات لهذا الأخير للطعن ضد الأوامر الصادرة برفض التقييد الاحتياطي؟نعتقد أن الجواب عن هذا التساؤل يمر عبر تفكيكه إلى سؤالين، حاصل السؤال الأول هو هل مقتضيات المادة 148 (ق م م) تسعف لإيجاد مبرر للطعن؟ ومفاد السؤال الثاني هل مقتضيات الفصل 86 في فقرته السابعة حاسمة في عدم جواز أي طعن؟فبخصوص ما يتعلق بالمقتضيات الواردة في الفصل 148 (ق م م) فقد نصت على أن كل الأوامر المبنية على طلب تقبل الطعن بالاستئناف في حالة الرفض، ما عدا حالتين هما إثبات الحال أو توجيه الإنذار. فمتى اعتبرنا أن الأوامر الصادرة في طلبات التقييد الاحتياطي، تأخذ حكم الأوامر المبنية على طلب جاز لنا القول بإمكانية الطعن فيها في حالة صدورها بالرفض.غير أن هذا الموقف في رأينا لا يبدو صحيحا بالاستناد إلى فحوى منطق الفصل نفسه (أي 148 ق م م)، ذلك لأن مقتضياته تنسحب فقط على المواد التي لم يرد بشأنها نص خاص، والحال أن طلب التقييد الاحتياطي يندرج ضمن المواد التي ورد بشأنها نص خاص.ومؤدى هذا المعطى أن بالإمكان الاستعانة بأحكام الفصل 148 (ق م م) للطعن في أوامر رئيس المحكمة الصادرة في نطاق الفصل 85 و86 من (ظ ت ع) هي مستبعدة جدا إن لم نقل مستحيلة بل قراءة خاطئة للنص. وبخصوص ما يتعلق بمقتضيات الفقرة السابعة من الفصل 86 (ظ ت ع) والتي نصت على عدم جواز تقديم طلب جديد بناء على أسباب جديدة، فهذه المقتضيات توحي بأن الأمر الصادر برفض الطلب يحوز حجية الشيء المقضي به في حدود الأسباب التي يبنى عليها، بحيث لا يمكن معاودة تقديم أي طلب جديد متى قام على الأسباب نفسها التي تم الحسم في مسألة جديتها أو صحتها من قبل الأمر الصادر.والذي يبدو من خلال هذا المقتضى أن الأمر الرئاسي الصادر برفض طلب التقييد أمر قاطع لا معقب عليه ولا يتأتى لصاحب المصلحة في التقييد أي سبيل أخر لتقديم طلب جديد إلا في حالة وحيدة، وهي أن يستظهر أسبابا جديدة غير تلك التي حسم فيها الأمر السابق، كما لم يمكن له في الوقت نفسه تقديم الطلب نفسه أمام المحافظ، وذلك من باب أولى، مع العلم أن ثمة صعوبات قد تعترض معالجة الوضع عمليا في هذه الحالة من طرف المحافظ، على اعتبار أن هذا الأخير يصعب عليه الاطلاع في كل الأحوال على وقائع طلبات التقييد على مرحلتها القضائية إلا من خلال تبليغه بكل الأوامر قصد تقييدها بالمحافظة للرجوع إليها عند الضرورة، ومن هنا ندعو إلى ضرورة تفعيل مثل هذه الإجراءات لقطع دابر التحايل وسوء النية.وعلى أي فإن المتضرر من أي قرار في هذا السياق مخول له سلوك مسطرة التشطيب فضلا عن مقتضيات الفصل 86 مكرر من ظ ت ع. خاتمة:نسجل في الأخير بأن التعديلات الأخيرة التي مست مادة التقييد الاحتياطي المأمور به من طرف رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع العقار المحفـظ بدائرة نفوذها، ستؤدي إلى حد كبير إلى تجاوز مجموعة من الإشكالات التي صاحبت تطبيق القانون السابق.وتكفي الإشارة إلى أن أهم ما يحسب للقانون الجديد في إطار هذه التعديلات هو ربط هذا النمط من التقييد الاحتياطي بمعيار الجدية وقيام الأسباب الصحيحة ثم ضبه من حيث المدة بجعلها قصيرة، هي ثلاثة أشهر، وكذا تقنينه من حيث تمديد هذه المدة بجعل المسألة مشروطة بوجود دعوى لم يصدر فيها حكم نهائي بعد. كل ذلك بهدف القطع مع التحايل في إصدار التقييدات الاحتياطية الكيدية أو على الأقل الحيلولة دون استمرارها ومن ثم استمرار آثارها.كما أن المشرع نص صراحة ضمن هذه المقتضيات على مسطرة واضحة للتشطيب على التقييدات الاحتياطية وأسند لرئيس المحكمة صلاحية البت في إطار مسطرة استعجالية وسريعة، بخلاف الأمر الذي كان معمولا به في السابق، وهذا المقتضى الجديد يأتي ضمن تحقيق الغاية نفسها، أي الحد من كل تقييد احتياطي لم تكن أسبابه أو لم تعد صحيحة.لكن وفي المقابل نسجل استمرار بعض الثغرات التي كان من السهل تفاديها، وذلك بتبني صياغات أكثر وضوحا وأقوى جرأة حتى لا تظهر التأويلات المتباينة في تفسير هذه الثغرات، ولعل أبرز مثال نقصده هو ما تعلق بمسألة الطعن في الأوامر الصادرة بالتقييد الاحتياطي أو برفضه، فعدم التنصيص على عدم جواز الطعن فيها، ثم عدم التنصيص في الوقت نفسه على جواز ذلك يثير ولا شك بعض الغموض على مستوى التطبيق، وهو الغموض الذي قد يتخذ مطية لتقديم طعون في هذا الصدد، وما قد يترتب عن ذلك من إطالة للمساطر وضياع للوقت، وهدر للطاقات، هذا من منطلق الموقف القائل بغياب كل إمكانية للطعن في الأوامر القضائية بإجراء التقييد الاحتياطي المتعلق بالتحفيظ العقاري أو برفضه طبقا لمقتضيات المادتين 85 و86 من القانون رقم 14-07.بقلـم : ذ. نجيب شوقي رئيس الغرفة العقارية بمحكمة الاستئناف بالناظور

دراسة في القانون : المقتضيات القانونية الجديدة للتقييد الاحتياطي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تفكيك عصابة ترويج المخدرات والخمور بالبيضاء

متابعة جزارين بفاس بتهمة الذبيحة السرية

مقالات ذات صلة