الخضراوي: غياب تصور شامل لقانون السلطة القضائية

يرى محمد الخضراوي منسق لجنة الشباب بالودادية الحسنية للقضاة، أن مسودة مشروع قانون السلطة القضائية نال حظا وافرا من النقاش طيلة هذه السنوات الثلاث الأخيرة على مستويات مختلفة، وأكد الخضراوي في حوار مع "الصباح" أن المجلس الحكومي كان عليه أن يبين أسباب تعميق النقاش بدل فتح الباب أمام التأويلات والتخمينات. أثار قرار المجلس الحكومي الأخير بشأن تعميق النقاش في مسودة مشروع قانون السلطة القضائية تساؤلات حول تأثير هذا التأخير على التنزيل الدستوري؟ الأكيد أننا أمام قانون محوري هام جدا في تنظيم العلاقات بين السلط الدستورية، ورسم حدودها وتبيان اختصاصاتها، ويتضمن جوانب مهنية وتقنية وأبعاد مالية واجتماعية وآثارا سياسية وحقوقية مما يقتضي الكثير من التمحيص والتدقيق، ولهذا فإن المشروع نال حظا وافرا من النقاش طيلة هذه السنوات الثلاث الأخيرة على مستويات مختلفة وكان على رأس المحاور التي صدرت بشأنها توصيات الحوار الوطني بل وتم تحديد حتى إجراءات وتدابير التنزيل وجدولتها الزمنية. إذن كنا جميعا ننتظر هذه الأجرأة لإنهاء حالة انتظار طالت مدتها، خاصة أن صاحب الجلالة محمد السادس دعا في خطابه السامي لمناسبة عيد العرش سنة 2011، إلى ضرورة إخراج هذا القانون إلى الوجود في القريب المنظور، وهو الموقف الذي ما فتئت الودادية الحسنية للقضاة تؤكد عليه في مختلف أدبياتها وهي جمعية مهنية لها رصيد نضالي راسخ، وفق منهج علمي موضوعي، يعي حجم التطلعات ويدرك في الآن نفسه طبيعة الإكراهات وتباين التصورات. وقد أكدت الودادية في مختلف المحطات سواء في مشاورات دستور 2011، ومرورا بالحوار الوطني وانتهاء بأوراق العمل التي قدمتها لمناسبة مسودة مشروع هذا القانون، على أن المصلحة الوطنية كانت هي الدافع في المقام الأول بعيدا عن أي مزايدة، لكن يبدو أن هذه المسودة ما زالت تراوح مكانها بعدما قرر المجلس الحكومي تعميق النقاش بخصوصها مرة أخرى. ما هي الأسباب التي تعتقدون أنها كانت سببا في هذا التأجيل على المصادقة؟ أولا أعتقد بصفة شخصية، ومع احترام تام لعمل هذه المؤسسة الدستورية أن هذا التأجيل كان يقتضي توضيح أسبابه وتبيان هل المشروع برمته يحتاج إلى إعادة دراسة أم فقط في بعض محاوره واختياراته؟ وهل الأمر يتعلق بجوانب مهنية تقنية ومالية؟ أم هناك أبعاد أخرى ذات طبيعة دستورية أو حقوقية أو سياسية؟لا شك أن قانون مثل هذا هو شأن مجتمعي عام يقتضي التعامل معه بكثير من الشفافية والتشاركية، والرأي العام ومعه الأسرة القضائية يتطلعان بكثير من اليقظة والاهتمام الإيجابي لكافة تطورات مسار هذا النص وبالتالي كان حريا توضيح الأمور بدلا من فتح الباب أمام التأويلات والتخمينات. بغض النظر عن هذا الجدل، ماهي أهم ملاحظاتكم على المشروع بصيغته الحالية؟ لقد فتحت الودادية الحسنية للقضاة، نقاشا مسؤولا داخل هياكلها وساهمت في بلورة مجموعة من التصورات الواضحة المتكاملة، وقدمتها لكل الجهات المعنية، وقد أكدنا بوضوح ضرورة وضع تصور شامل للسلطة القضائية وليس فقط لمجلسها الأعلى وهو ما يفتقده هذا المشروع إلى الآن. كما أننا نؤمن بشكل راسخ أن عدم توفير الاستقلال المادي التام لهذه السلطة، وإبقاءها بعيدة عن تسيير وإدارة العدالة كما هو مضمن بهذا المشروع يعتبر مسا مباشرا باستقلالها وتحكما لا مبرر له يعكس في نظرنا تبخيسا لقدرة القضاة على التسيير، ويوحي بعدم الثقة ويخالف كل التجارب العالمية الرائدة في هذا المجال. والأكيد أن قضاة المملكة الآن هم قادرون على رفع التحدي وأداء الأمانة مستهدفين بالأساس إيجاد سلطة قضائية مستقلة بضمانات واضحة، وبالابتعاد عن كل مناطق الالتقاء الملتبسة التسيير، التي من شأنها إفراغ هذا الاستقلال من محتواه. فالاستقلال الهدف منه تكريس الحقوق والحريات للأفراد والجماعات وضمان أمنهم القانوني وليس كما يروج لذلك البعض التعسف أو استقواء على باقي السلط. إننا الآن أمام مرحلة مفصلية تطالب كافة السلط الدستورية بالتعاون والتوازن من أجل إنجاح المشاريع الكبرى التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس وحتى تستعيد المكانة التي تستقحها، دولة تنموية صاعدة، إذن لا بد من الابتعاد بصفة قطعية مع التردد والانتظارية اللذين يعتبران معول الهدم لروح المبادرة وزعزة الثقة. وأن الكلمة المفتاح في الأخير هي الضمير المسؤول لأن أي نص مهما بلغت دقته وجودته سيبقى حتما غير قادر على تدبير الحلول لكافة الإشكاليات ولن يتم تلافي هذا النقص إلا بالاحتكام إلى "ضمير مسؤول مواطن" الذي تحدث عنه الملك في خطاب العرش لسنة 2013 ، والذي أكد أنه المفتاح الحقيقي لإصلاح منظومة العدالة، على اعتبار أن أي إصلاح مهما بلغ من الأهمية وتعبئة للنصوص التنظيمية والآليات الفعالة "فسيظل الضمير المسؤول للفاعلين فيه هو المحك الحقيقي لإصلاحه، بل وقوام نجاح هذا القطاع برمته". ماهو إذن تصور الودادية الحسنية للقضاة للمرحلة المقبلة؟ لابد أننا في الودادية الحسنية للقضاة سننتظر توضيحات أكثر بخصوص طبيعة النقاش المزمع فتحه من جديد، وإذا تطلب منا المساهمة الإيجابية المسؤولة فإننا سننخرط كعادتنا، في بلورة مقتضيات هذه المسودة انسجاما مع تصورات وقناعات قضاة المملكة وبما يضمن تحقيقها ونجاعتها، إضافة إلى أننا عاقدون العزم على فتح حوار موسع مع المؤسسة التشريعية بإحالة هذا النص عليها وإسماع صوت القضاة باعتبارهم هم المعنيين مباشرة وبالدرجة الأولى بهذا القانون مؤمنين بأن المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يتشرف بترؤس جلالة الملك له والمنوط به مهام متعددة وانتظارات كبيرة، يتطلب نصا تنظيميا في مستوى التطلعات ويقتضي الموضوعية والنظرة المستقبلية الرصينة، ويستدعي من الجميع تفادي التشويش أو التأثير على عمل هذه المؤسسة الدستورية الهامة والمحورية في البناء الديمقراطي للبلاد.لقد أكدت مختلف الأدبيات العالمية أن الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة يقتضي نصا دستوريا جيدا ونصوصا تنظيمية واضحة وإرادة سياسية تعكس على أرض الواقع أن القضاء سلطة مستقلة ويتم التعامل معها على هذا الأساس. أجرت الحوار: ك . م

الخضراوي: غياب تصور شامل لقانون السلطة القضائية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الثراء غير المبرر للقاضي يقود إلى المساءلة

المجلس الأعلى للسلطة القضائية... ثلاث سنوات من الانتظار

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات