تاونات… مؤهلات سياحية بحاجة إلى استثمار

يمكن لإقليم تاونات أن يتحول إلى وجهة سياحية مفضلة لأعداد من السياح المغاربة والأجانب قد يساهمون في تنشيط دورته الاقتصادية المشلولة، لو أحسن استثمار مؤهلاته ومواقعه السياحية خاصة الطبيعية منها من عيون وشلالات تبهر العين وجبال شامخة تسر الخاطر والناظر ومآثر تاريخية محتاجة لنفض الغبار عنها. لكن ذلك يبقى مؤجلا، في غياب رؤية حقيقية لإقلاع سياحي. إمكانية تحويله إلى "عروس دائمة الجمال والخضرة"، ممكنة لو جهزت مواقعه السياحية بمآو وفنادق، وسوقت بالشكل المطلوب داخليا وخارجيا. لكن يبدو أن استثمار ما وهب الله به الإقليم من ثروة طبيعية، وإخراجه من "وحشته" القاتلة التي بدو أنها توأمت حياتها معه إلى أجل غير مسمى، آخر ما يفكر فيه مسؤولوه، في انتظار "غودو" يلتفت لنقط الجمال به ويخرجه من عزلته السياحية. ينجذب زائر تاونات، القلب النابض لمنطقة ما قبل الريف، الذي تبقى شرايينه "معطلة ولا تضخ إليها الدماء الكافية لتنشيط الدورة وإنعاش الجسد المتهالك"، إلى مناظره الخلابة والرائعة. وسيكتشف المجهول بكل عجائبه وأهواله وكل المعطيات الواعدة التي للأسف لم يبزغ فجرها بعد وما زالت غارقة في غطيطها العميق. ينابيع ومنابع بوعادل وبني بربر وواد ألوان والودكة، بحيرات السدود القائمة، مواسم الخيول والزيتون، والأسواق الأسبوعية، وغابات الصيد الكثيرة، وقلعة أمركو المرابطية القابعة في عش التهميش على رأس أدغال مولاي بوشتى الخمار بقرية با محمد.. كلها كنوز طبيعية خفية، يزخر بها الإقليم، وممكن أن تكون مصدر جذب سياحي لو استثمرت بالشكل اللازم، ولقيت الاهتمام المطلوب. بحيرة سد الوحدة من أكبر البحيرات المائية بالمغرب وشمال إفريقيا، وهي الممتدة على 123 كيلومترا مربعا من تاونات إلى سيدي قاسم، ويمكن أن تشكل أهم محطة استجمام وترفيه وطنيا، كموقع سياحي جميل حباه الله بمناظر خلابة من زرقة ماء ساطع على ملمح البصر وأسماء وهواء نقي وأشجار كثيفة ومآثر تاريخية وتراث شعبي زاخر بالعطاءات الإبداعية، يمكن أن يثير فضول السائح. ولا تقل أهمية عنها بحيرة سد إدريس الأول بإيناون على الطريق بين فاس وتاونات، وحقينات سدود بوهودة وأسفالو والساهل، لما تتيحه من فرص الاستمتاع بمشاهد بانورامية تمتزج فيها زرقة الماء والسماء بخضرة الطبيعة، لترسم لوحات طبيعية لمناظر مغرية بالمشاهدة والاكتشاف، لكن إمكانية استغلالها وتوظيفها في النسيج السياحي الجهوي والوطني، يبقى "مجرد تخمينات وآمال معلقة". جهود غير كافيةيكثر الإقبال على منتجع بوعادل، صيفا ويفوق رقم زواره كل يوم الألفي شخص ممن يستهويهم خرير المياه المتدفقة وجمال الطبيعة وما تزخر به المنطقة من منتوجات فلاحية تسوق به كالبرقوق والتين الأخضر والمجفف والزيتون ومصنوعات تقليدية على الخشب، بمن فيهم أفراد الجالية المغربية، في غياب دور المبيت كمشكل يؤرق الكل ويبرره المسؤولون بغياب الوعاء العقاري وتعنت السكان. المشكل نفسه يطرح بحدة في مختلف المواقع السياحية بالإقليم، المفتقدة للفنادق والمآوي، اللهم من 3 فنادق بالمدينة لا تكفي لاستقبال الأعداد التي قد تفد على بوعادل أو ودكة أو بني بربر أو بحيراته، خاصة من مدن وأقاليم بعيدة حتى الشاطئية منها بالشمال ممن يستهويهم الجبل ويفدون عليه لمدد متفاوتة، أملا في الاستمتاع بجمال طبيعته بمختلف المواقع السياحية المحتاجة إلى إنعاش.مسؤولو الإقليم لم يقفوا مكتوفي الأيدي حيال هذا الوضع، بل أطلقوا مشاريع تخفف قليلا من معاناة الزوار، من قبيل الرفع من القيمة الطبيعية والجغرافية للمنتجع، وتسخيره لصالخ السكان بما يلبي احتياجاتهم النفسية والترفيهية، وتوسيع الممرات المؤدية إليه وتدعيمها بجدار وقائي لتسهيل مرور العابرين في اتجاه منبع الماء، مع تنظيم محطة وقوف السيارات وإحداث تغييرات جوهرية داخل الفضاء.المندوبية الإقليمية للإنعاش الوطني، انخرطت بدورها في جهود تأهيل المنتجع، برصدها 60 مليونا لبناء مسبح للأطفال بجانب ذاك للكبار الذي مولت إعادة تجهيزه وتهيئته بنحو 54 مليونا من ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وجماعة بوعادل، في انتظار مشاريع أخرى تعطي للموقع أهميته وتؤمن راحة زواره طالما أنه "مناسب لصرف الضغط النفسي وتجديد الرغبة". في الطريق إلى منتجع بوعادل يتيح منبع بوعادل وشلالاته، فضاء مكملا للبحيرات في السياحة الجبلية بإقليم تاونات الغارق في هامشيته المفرطة. لكن مؤهلاته لم تستثمر بالشكل المنتظر في غياب البنيات التحتية الكفيلة باستقطابه لأفواج السياح والمستثمرين ووكالات الأسفار، ما يجب تداركه من قبل المسؤولين وأثرياء أهل الدار ممن لم يستجيبوا بعد لنداء الاستثمار بالقطاع، عوض الانكباب على مشاريع ريعها آني وشخصي.يمكن الوصول إلى بوعادل، من وجهتين لا ثالث لهما، إما من جهة عين مديونة أو بني وليد. وفي كلاهما معاناة لا تنتهي مع طرق هشة لا تصلح إلا لمرور "البهائم" خاصة تلك بين جماعة عين عائشة والمنبع المارة عبر أولاد آزم، خاصة مدخلها ومخرجها وفي جزء من قرية بني قرة، فيما تبقى "أحسن حالا" تلك بين المنطقة والقنطرة الجديدة على الطريق المؤدية إلى بني وليد وظهر السوق. ورغم كل العيوب والنواقص، فالمنبع أو "الكنز الطبيعي المنسي" بتعبير أبنائه، يكاد يختنق كل نهاية أسبوع ويعتبر من أكثر المواقع استقطابا للزوار في الصيف جلهم يعودون أدراجهم مساء بعد قضاء يومهم بين واديه، لغياب فنادق أو مآوي للإقامة، إذ يقتصر بعض أبناء المنطقة، على إقامة خيم بالقصب لتأمين راحة الزوار مقابل مبالغ مالية متفاوتة حسب موقع وحجم وتأثيث كل خيمة. مياه متدفقة بسرعة تفوق 600 لتر في الثانية، وأكثر نقاء وعذوبة وأثرا علاجيا لأمراض الكلي والمرارة والقولون والمعدة، تؤثث الوادي الواقع وسط أشجار مثمرة كثيفة قابعة أسفل مرتفعات جبلية، في منتجع سياحي طبيعي جميل يبعد ب40 كيلومترا عن مدينة تاونات، ويعتبر "جوهرة مدفونة في عمق الجبال الشاهقة"، ويحتاج إلى الاهتمام اللازم بإنشاء مركز سياحي بكل التجهيزات اللازمة. خصاص في المسابح والتجهيزات الترفيهية يعد مسبح بوعادل، نقطة ضوء منيرة بتاونات تزيد من نسبة الإقبال على المنتجع، خاصة من قبل سكان مناطق مجاورة، يعانون كثيرا غياب أمكنة للترفيه والترويح عن النفس في صيف قائظ تلسع فيه أشعة الشمس، الأجساد الفتية، بما في ذلك مسابح عمومية تحتضنهم وتحضن آمالهم في إنعاش أبدانهم، بعضها مؤجل إنشاؤه رغم رصد ميزانية هامة لذلك، لأسباب مختلفة ومتباينة. وفي ظل واقع الخصاص البين، لم يعد غريبا أن يفد شاب من تاونات أو عين عائشة أو تيسة أو غيرها، على بني وليد للسباحة في مسبحها المفتخر بإنجازه قبل سنوات قليلة، والمستقطب لمئات الشباب يوميا، على غرار مسبح الورتزاغ الذي انضاف إلى مسابح دشنت بغفساي وتاونات وظهر السوق، لكن افتتاح بعضها ما زال مؤجلا إلى حين غير مسمى في انتظار تسريع جهود الإنجاز.وفي غياب المسابح والمنشآت الكفيلة بالترويح عن النفس والسباحة والاستجمام، تضحي أنهار وحقينات سدود هذا الإقليم، ملجأ مئات الشباب ممن لا يكترث بالإنذارات المنبهة إلى استحالة السباحة بها، إذ يرمي بأجسادهم فيها ما قد يحرمه من نعمة الحياة في رمشة عين كما يحدث بأرقام مخيفة في كل صيف، بل إن بعضهم يتحدى الصخور ويلقي بنفسه في المياه العذبة والضحلة للمتعة والإثارة.لكن تلك المغامرات المحفوفة بالمخاطر، لا تمر بسلام وقد تنتهي بمآسي في أنهار مصنفة ضمن الأماكن غير المسموح فيها بالسباحة وتستقطب شبابا يرغمون للجوء إليها في غياب مراكز الاستجمام والسباحة، والنتيجة حصيلة ثقيلة من عدد الغرقى سنويا، قدرتها مصادر رسمية بأكثر من 200 شاب غرقوا في مختلف أنهار وسدود الإقليم، منذ سنة 2000 آخرهم تلميذة بثانوية الورتزاغ. ليس أجمل من زيارة قلعة أمركو المرابطية ليس أجمل من زيارة أطلال قلعة أمركو المرابطية المشرفة على حقينة سد الوحدة (ثاني أكبر سد بإفريقيا) بجماعة مولاي بوشتى الخمار، خاصة في فصل الربيع الجميل ومع التباشير الأولى لحلول الصيف بحرارته اللافحة، حيث غابات الزيتون منتشرة بكل مكان وبحيرات السدود و"زرابيها الخضراء" توصل الزائر إلى حوض ورغة بعد انعراجات وصعود وهبوط ممتعين. وأنت تنطلق من تاونات أو فاس، في رحلتك لاكتشاف هذه المعلمة الضاربة في عمق التاريخ والتي بناها الرومان والمرابطون بعدهم قبل أن يدمرها الزلزال سنة 1755 ويقوض مبانيها، تحاصرك الطبيعة الخلابة والماء الزلال والخضرة من كل جانب وتتلون بألوان التلال والأحواض والجبال الصخرية التي تأثث مدار الطريق وتشكل لوحات بانورامية تسر العين وينشرح لها الفؤاد.أطلال القلعة التي تراكمت عليها الأتربة لتخفي معالمها قبل التفاتة وزارة الثقافة إليها، محاطة بحزام مائي يستحق التفقد ويتيح فرص الاستمتاع بجمالية بحيرة سد الوحدة المحاطة بمنحدرات مزركشة ببقايا المزارع والحقول ومغارس الزيتون وأصناف الغلال، خاصى إن جهزة بمدارات سياحية ومسالك للنزهة إن على الأقدام أو الخيول والبهائم لتمكين السياح من التنقل من السد نحو هذه القصبة. ويمكن ربط إشعاع القلعة بموسم الشرفاء الصافيين وضريح مولاي بوشتى الخمار القريب منها، المحتفل به كل صيف، لكن كل ذلك رهين بتوفير البنيات التحتية الضرورية من طرق ومنشآت ومصالح عمومية وإقامة وحدات سياحية وفنادق ومآوي في متناول جميع الشرائح الاجتماعية وإنشاء مراكز للترفيه وتشجيع رياضة الدراجات المائية بالسد، قاطرة حقيقية للتنمية المحلية. إنجاز: حميد الأبيض (فاس)

تاونات… مؤهلات سياحية بحاجة إلى استثمار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قانون الولوجيات ما زال حبرا على ورق

مغاربة أمريكا يتدارسون نقل تجاربهم في الاستثمار إلى المغرب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات