سكان “مدينة بادس” ضحايا صراع العمران و”سي جي إي” 

المتضررون يردون على الشركة بتأسيس إطار جمعوي ويحكون لـ «الصباح» تفاصيل قصة بدأت فصولها بصهريج ماء مازال فريق التحقيق الذي يقوده عبد المجيد الحنكاري، العامل مدير مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية، يتجول في عدد من الإدارات والمصالح والمؤسسات بالحسيمة التي لها علاقة بما أضحى يسمى محليا ووطنيا «مدينة بادس»، كما يواصل الاستماع، في سرية تامة، إلى عدد من المسؤولين القريبين من الملف، وغيره من الملفات العقارية الأخرى التي يتكلف بإنجازها صندوق الإيداع والتدبير عبر ذراعه العقاري الشركة العامة العقارية التي يبدو أن «بادس» كان آخر مسمار في نعشها بهذه المدينة الريفية التي لا تقبل «المزاح». الرجل الذي أخرجه محمد حصاد من «كراج» وزارة الداخلية وكلفه بمهمة التحضير للحوار الوطني حول الأراضي السلالية، تحول إلى «بعبع» وسط المدينة، حيث تتابع العيون والكلام الهامس تحركات سيارته السوداء المرقمة في الرباط، التي ما إن تغادر إدارة أو مرفقا أو مشروعا قيد البناء أو انتهى العمل به حتى يتجه صاحبها وفريقه إلى مقر العمالة أو الولاية لعقد سلسلة من الاجتماعات وإجراء اتصالات هاتفية للاستشارة ووضع المسؤولين الكبار بوزارة الداخلية ووزارة المالية في صورة التطورات التي يعرفها ملف تجنب جلالة الملك الزج به، منذ الوهلة الأولى في متاهات القضاء والتحقيقات الأمنية المباشرة.التحقيقات تسير بحذر وتعتمد على الاستماع والاطلاع على الملفات والوثائق والتصاميم والتراخيص والتدقيق فيها وإجراء مقارنات بينها وإعداد محاضر بشأنها بمهنية عالية، تجنبا للأخطاء التي طبعت الملفات السابقة التي شهدتها المدينة نفسها قبل ثلاث سنوات، وانتهت بالزج بأبرياء في السجن بتهم غير دقيقة، في الغالب، تسير مع منطق «الحملة» التي قطع معه المغرب. أخطاء «سي جس إي» علمت «الصباح»، من مصادر مختلفة، أن التحقيقات تتركز بشكل كبير على الأخطاء الكبرى «للشركة العامة العقارية» التي ذكرت بالاسم في التوجيهات الملكية الموجهة إلى وزيري الداخلية والمالية والاقتصاد.وما أغاض فريق عبد المجيد الحنكاري ما لاحظه خلال الزيارات الميدانية التي قام بها إلى الشطر الأول من مجموعة السكن الفاخر الذي انتهى به العمل منذ 2010، دون أن يرقى إلى المواصفات المعمول بها في مثل هذا السكن الموجه إلى فئات معينة من المجتمع، أغلبهم من المغاربة المهاجرين الذين وثقوا في الحكومة، عبر الشركة العامة العقارية المكلفة بالمشروع، واشتروا شققهم بأسعار باهظة فوق «الماكيت» وهم في بلدان المهجر بهولندا وبلجيكا وألمانيا.أحد المستفيدين من الشقق الفاخرة بمدينة بادس، أكد لـ «الصباح» أن طريقة تحرك فريق التحقيق واللجان المختلفة التي تعاقبت على المكان منذ وصول الشكاية الى جلالة الملك، كانت تركز على الاختلالات الكبرى للشركة صاحبة المشروع وعلاقتها بالمستفيدين وآليات المراقبة والتتبع التي كانت تعتمدها في علاقتها بشركات البناء وشركات المناولة التي تكلفت بالأشغال داخل الشقق.وقال المتحدث نفسه إن الأسعار الباهظة التي اشترى بها المستفيدون الشقق ودفاتر التحملات والالتزامات والتصاميم الداخلية ونوعية المواد المستعملة لا توازي ما هو موجود على أرض الواقع، «إذ فوجئ عدد من القاطنين بشقق لا تختلف كثيرا عن السكن الاجتماعي، بل أقل أحيانا، علما أن الشقة الصغيرة بهذا المشروع بيعت بأكثر من 90 مليونا».وأكد المصدر ذاته، الذي اضطر، منذ سنتين لإجراء عدد من الإصلاحات بشقته على حسابه الشخصي، «أن الطامة الكبرى التي بدا أنها أفاضت كأس الغضبة الملكية، حسبه، هي أن بعض المهاجرين بهولندا وبلجيكا توصلوا بوعود بالبيع ودفعوا شيكات بملايين السنتيمات مقابل شقق كبيرة بأرقام ومواصفات وموقع محدد ضمن الوثائق الموقع عليها من قبل الشركة العامة العقارية، قبل أن يفاجؤوا فور وصولهم إلى الحسيمة بشقق مختلفة وصغيرة الحجم وبأرقام ومواقع أخرى، بل إن أحدهم اشترى شقتين، وحين وصل وجد شقة واحدة فقط». التنظيم الذاتي طريقة للرد كان المتضرر الذي تحدث لـ «الصباح»، يحضر، مساء الاثنين الماضي، اجتماعا تأسيسيا للمصادقة على القانون الأساسي لإطار جمعوي يدافع عن حقوق ومصالح السكان بـ «مدينة بادس» اختاروا له اسم «جمعية مدينة بادس».وحسب السكان، فإن المبادرة جاءت لسد الطريق على الشركة العامة العقارية التي قد تستغل عودة أصحاب الشقق إلى مقرات عملهم بأوربا وغياب «السانديك» وتقوم بسحب فريق حراسها من الأمن الخاص بالمشروع وتوقف عدادات الماء والكهرباء.وقال أعضاء في الجمعية إن الأخيرة ستغطي هذه الفترة الانتقالية لانسحاب الشركة من مهامها وتأسيس «السانديك»، لكن في خلفية المشهد، تبدو أطلال جدار الثقة الذي تهدم بين الشركة صاحبة المشروع وبين أصحاب الشقق على خلفية وصول نزاعاتهم ومشاكلهم التي بدأت من 2011 إلى «السدة العالية بالله».«الصباح» استمعت الى وجهة نظر عبد الرحمان عاشق، أحد المطلعين على خبايا الملف منذ كانت «مدينة بادس» مجرد مشروع عقاري أطلقه جلالة الملك محمد السادس، بتاريخ 23 يوليوز 2007، أي بعد ثلاث سنوات من انطلاق المشروع الكبير الخاص بإعمار الحسيمة، ويتعلق الأمر بإحداث قطب حضري جديد بشرق المدينة، مطل عل الواجهة المتوسطية بكلفة إجمالية تقدر بـ 2.1 مليار درهم، ويقع على مساحة 49 هكتارا. وتتضمن الأشغال بها بناء أزيد من أربعة آلاف وحدة سكنية موزعة ما بين الفيلات الاقتصادية والعمارات السكنية ومختلف المرافق الاجتماعية والاقتصادية والرياضية ومرافق القرب. وكان مقررا، حينها، أن تستقطب المدينة الجديدة المنجزة بشراكة مع القطاع الخاص نحو 20 ألف نسمة، ما يشكل نحو 36 في المائة من السكان الحاليين بالحسيمة.يقول عاشق إن المشروع الذي تكلفت به مؤسسة العمران واقتضى من أجل المصلحة العامة (تغطية الخصاص في مجال السكن الاجتماعي) نزع عدد من الأراضي من ملاكها الأصليين، وأغلبهم مواطنون بسطاء وفلاحون، مع تقدير سعر المتر المربع بين 200 و150 درهما.وأكد عاشق أن الأشغال بدأت مباشرة بعد تسوية مشاكل العقار وإرضاء أصحاب الأرض في تجهيز عدد من الهكتارات بالطرق وقنوات الماء الصالح للشرب والتطهير السائل والكهرباء وباقي المرافق الأخرى، لكن في لحظة ما، يقول عاشق، تدخلت على الخط الشركة العامة العقارية التابعة لصندوق الإيداع والتدبير التي اشترت جزءا كبيرا من الأراضي المجهزة بسعر قيل إنه حدد آنذاك في 1800 درهم للمتر مربع.ولتحقيق الموازنة المالية لمشروع «مدينة بادس» ذات الطابع الاجتماعي، قررت الشركة العقارية، بعد سنتين من إعطاء انطلاقة المشروع، تنويع العرض السكني عبر بناء سلسلة من الشقق الفاخرة المطلة مباشرة على كورنيش وشاطئ «صاباديا» موجهة أساسا إلى بعض الفئات الميسورة بالمدينة، وأساسا أبناء المنطقة من المهاجرين الذين اعتبروا صيدا ثمينا لمهندسي الشركة، قبل أن تنقلب الأمور رأسا عن عقب. سخاء المهاجرين يشجع المضاربات العقارية يشكك أعضاء بجمعية «مدينة بادس» في عدد من المضاربات العقارية التي تخللت واحدا من أهم المشاريع المتعلقة بإعادة إعمار الحسيمة التي يتابعها جلالة الملك عن قرب، مؤكدين في تصريحات لـ «الصباح» أن الشركة العامة تكون قد أعادت بيع جزء من عقاراتها إلى شركات أخرى خاصة بالسكن الاجتماعي بسعر تجاوز هذه المرة 4500 درهم للمتر المربع، على أساس أن تتفرغ لمشروع السكن الفاخر بأشطره الثلاثة والفندق الضخم الذي سيشرع في بنائه غير بعيد عن الشاطئ.وما شجع «سي جي إي»، حسب مصادر «الصباح»، للمضي في هذا المشروع سخاء المهاجرين المغاربة وبعض الموظفين والميسورين بالمدينة وخارجها، من جهة، الذين «طاروا» على الشقق وهي مازالت مجرد تصاميم و»ماكيت» على الأوراق وبعضهم دفع مقابل شقته «كاش»، ومن جهة أخرى الأزمة العقارية الخانقة والخصاص الكبير في الوعاء العقاري بالمدينة التي تخنقها سلسلة جبال الريف، إذ يعتبر أي مشروع سكني كيفما كان ثمنه وموقعه بمثابة الفرصة الذهبية التي يعض عليها بالنواجذ.وقال عاشق إن أكثر من 80 في المائة من الشطر الأول من المساكن الفاخرة بيعت فوق «الماكيت» بدول المهجر عبر فريق تجاري تابع للشركة العقارية كان يتجول بهولندا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا دون دعاية كبيرة، بسبب العدد المحدود من الشقق وكثرة المستفيدين المترشحين. ولا يقتصر الأمر على الشطر الأول بل الشطر الثاني الذي مازال قيد البناء بالمنطقة نفسها الذي سوق منه وبيع منه أكثر من 79 في المائة، ومن المقرر أن تسلم بعض سنتين لكن بعد الاستفادة من الأخطاء والاختلالات التي ميزت الشطر الأول.وفي هذا الصدد، تساءل عضو بالجمعية عن حقيقة هامش الربح الذي استفادت منه شركة عقارية تابعة للدولة، وما هي الاعتمادات المالية الحقيقية المرصودة لهذا المشروع الذي جاء لتلبية حلم السكن لعدد من أبناء المدينة، وما علاقة هذا الهامش وهذه الاعتمادات بجودة البناء التي تخللتها مجموعة من التجاوزات، وهل كانت هذه التجاوزات بسبب قلة الموارد فعلا، أم بسبب حكم مسبق الى أبناء المدينة الذين يبحثون عن أي جحر يختبئون فيه، بسبب غلاء العقار والكراء، ولا تهمهم كثيرا نوعية البناء وجودته.وألقى الجانب المالي وحجم الأخطاء المالية التي تكون الشركة ارتكبتها خلال إنجازها للمشروع على جل النقاشات ويبرر إلى حد كبير تكليف وزارة المالية إلى جانب وزارة الداخلية بالتحقيقات الخاصة بجميع المشاريع العقارية التابعة للشركة بالحسيمة والناظور. صهريج ماء وانقطاعات السكان الذين وثقوا في الشركة ووضعوا «تحويشة العمر» في حساباتها البنكية، اكتشفوا أنهم إزاء مخاطب بآذان صماء، وبدأت أولى المشاكل حين وجد الملتحقون الأوائل شققا دون ماء، رغم الربط بقنوات الماء الصالح للشرب. وبعد أيام من الاستفسار جاء من يخبرهم أن الشركة تواجه مشكلا كبيرا في التزود بالماء، وأن مؤسسة العمران، الشركة المجهزة، لم تضع صهاريج إسمنتية للماء أثناء أشغال التجهيز. والحل؟اقترحت الشركة، في إطار مفاوضات عسيرة مع السكان، ربط الشقق بقناة طويلة من الماء الصالح للشرب قادمة من إحدى التجزئات القريبة للسكن الاجتماعي، وحتى في هذه الحالة لم ينته مشكل الانقطاعات المستمرة للماء، إذ وصلت خلال رمضان والصيف الماضي إلى 12 يوما متواصلة ما أجج غضب السكان وخصوصا المهاجرين الذين قضوا عطلتهم السنوية وسط الإدارات والمصالح وشد الرحال إلى الرباط لطرح المشكل مباشرة مع المدير العام للشركة.في نهاية المطاف أقنعت الشركة، صيف السنة الماضية، بالجلوس إلى مائدة الحوار مع السكان المتضررين بحضور عدد من المسؤولين الذين وقعوا محضرا رسميا يلتزمون فيه بإيجاد حل لجميع المشاكل والاختلالات في أقرب وقت ممكن، وفي أقصى تقدير في الصيف الموالي (الحالي).تمر الأيام ويعود المهاجرون من جديد الى شققهم وكلهم يقين أن مضامين الاجتماع الرسمي عرفت طريقها الى التنفيذ، ليفاجؤوا أن الأمور ازدادت سوءا أكثر من الأول وتعرضت شققهم إلى مزيد من التدهور، ما عجل بعقد اجتماع صاخب تمخض عنه قرار سري ببعث شكاية إلى جلالة الملك في مكان وجوده بمصطافه بالحسيمة، وتكليف أحدهم بهذه المهمة في عرض البحر، وهي الفكرة التي قلبت الموضوع رأسا عن عقب، وتحول المجمع السكني مباشرة بعد توصل الملك بالشكاية إلى فضاء لزيارات متعددة للجان ومسؤولين للتحقيق في الاختلالات وفتح مسطرة قانونية بشأنها. يوسف الساكت

سكان “مدينة بادس” ضحايا صراع العمران و”سي جي إي”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"البام" يحذر بنكيران من خطاب الحملة الانتخابية

شواطئ الرباط وسلا... نفايات تزاحم المصطافين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات