مافيا تتحكم في مسارات المهاجرين بين السودان والمغرب وتحقق مداخيل بالملايير شكل هجوم مهاجرين سريين على معبر مليلية المحتلة ومحاولة اقتحامه بالقوة تحولا خطيرا، بعدما دخل بعض المهاجرين في اشتباكات مع رجال الأمن الموكول لهم مراقبة المعبر وحاولوا اقتحام الحاجز بالقوة، ما نتج عنه سقوط ضحايا، خلال العملية، أغلبهم من المهاجمين على المكلفين بحراسة منفذ المدينة المحتلة، الذين اضطروا إلى استعمال القوة لوقف الزحف على المدينة المحتلة. ولم يسبق أن عرف منفذا الثغرين المحتلين سبتة ومليلية أحداثا مشابهة، إذ كانت هناك محاولات لتجاوز الحاجز، لكن لم يسبق أن واجه المهاجرون السريون رجال الأمن والقوات المساعدة المكلفين بالحراسة. فكيف تحولت الهجرة غير الشرعية من السرية إلى العلن؟ وكيف تم التخطيط للعملية؟ وماهي المسارات التي سلكها هؤلاء المهاجرون قبل الوصول إلى الناظور؟ أسئلة حاولت "الصباح" إيجاد إجابات عنها، خلال زيارتها إلى المنطقة ولقاء عدد من المهتمين والمعنيين بالهجرة السرية. إنجاز: عبد الواحد كنفاوي وتصوير: عبد اللطيف مفيق شجعت المقاربة المعتمدة، من قبل السلطات المغربية في ما يتعلق بقضايا الهجرة، عددا من المهاجرين السريين إلى التوجه نحو المغرب وتحين الفرصة للعبور إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط لمعانقة الحلم الأوربي والفرار من جحيم بلدانهم الأصلية. ولم يعد الأمر يقتصر على مواطني البلدان الإفريقية جنوب الصحراء، بل أصبح المغرب يستهوي أيضا السودانيين الراغبين في الهجرة السرية نحو أوربا عبر مليلية. السودانيون... الوافدون الجدد أفاد ناشط بجمعية تهتم بشؤون الهجرة أن السودانيين كانوا يقصدون ليبيا للهجرة إلى الضفة الجنوبية لإيطاليا، لكن تدهور الأوضاع بليبيا وتشديد المراقبة من قبل السلطات الإيطالية دفعا عددا منهم إلى التوجه للمغرب عبر التراب الجزائري. وعرفت أعداد المهاجرين السريين السودانيين الذين يقصدون المغرب ارتفاعا ملحوظا، خلال الأشهر الأخيرة التي سبقت محاولة الهجوم على معبر مليلية والدخول إلى المدينة المحتلة بالقوة. وأكد مصدر مطلع أن السودانيين يتسللون إلى المغرب من الحدود الجزائرية نواحي بوعرفة وبعض الثغور الأخرى التي لا تخضع إلى حراسة مشددة، ويقصدون المناطق الشرقية، قبل أن يستقر بهم المقام في غابة "كوروكو"، في انتظار الفرصة المناسبة للتسلل إلى مليلية والحصول على صفة لاجئ والاستقرار بإسبانيا. وتحولت هذه الغابة إلى محطة استقبال يتجمع بها كل الراغبين في الهجرة السرية من مواطني بلدان جنوب الصحراء والسودان. المتاجرة بالمآسي تحولت مآسي الهجرة السرية إلى فرصة للاغتناء، بالنسبة إلى عسكر الحدود بالجزائر، ووسيلة بالنسبة إلى المسؤولين الجزائريين للإضرار بالمغرب، إذ يغضون الطرف عن ولوج المهاجرين من ليبيا إلى الجزائر ويواكبونهم إلى حين التأكد من عبورهم الحدود المغربية، ما من شأنه أن يتسبب في مشاكل للمغرب، خاصة على المستوى الأمني والدبلوماسي، إذ يراهن كابرانات الجزائر على أن يتعامل المغرب بشدة مع هؤلاء المهاجرين ويتسبب ذلك في ردود أفعال سلبية من قبل سلطات بلدانهم، كما أن السماح لأعداد كبيرة من المهاجرين بالولوج إلى المغرب يمكن أن يتسبب في الإخلال بالوضع الأمني بالمدن، التي تستقبل هؤلاء المهاجرين. بالموازاة مع ذلك، فإن الهجرة السرية تحولت إلى تجارة تديرها شبكة داخل الجزائر يشرف عليها ضباط بالجيش الجزائري. وأكدت مصادر، بناء على المعلومات التي استقتها من مهاجرين، أن المهاجرين السريين الراغبين في العبور إلى المغرب عبر التراب الجزائري يكونون مضطرين إلى أداء مبالغ تتراوح بين 500 دولار وألف، للسماح لهم بالعبور، مع إلزامهم بمغادرة الجزائر في أقرب الآجال. ولا تسمح السلطات الجزائرية للمهاجرين السريين بالمكوث بالجزائر، إذ لا تتردد، إذا قرر بعضهم الاستقرار مؤقتا، في تجميعهم ونقلهم عبر حافلات إلى الحدود الجنوبية وإرغامهم على عبور الحدود، ما يهدد سلامتهم الجسدية، ويضطرهم إلى التوجه نحو المغرب، الذي يتعامل بإنسانية مع موجة المهاجرين، بشهادة المنظمات الدولية المعنية بالهجرة. وتمثل السمعة التي يحظى بها المغرب في الأوساط الدولية مصدر إزعاج للسلطات الجزائرية، التي تسعى، من خلال السماح بمرور آلاف من المهاجرين وتسهيل ولوجهم إلى المغرب، إلى زعزعة الاستقرار بالمغرب والتسبب في مشاكل دبلوماسية بين المغرب وسلطات البلدان التي ينتمي إليها هؤلاء المهاجرون، إضافة إلى التكسب من الهجرة. وهكذا تحاول السلطات الجزائرية ضرب عصافير بحجر واحد، لكن السلطات المغربية واعية بهذه المناورات وتحاول جهد الإمكان تدبير قضايا الهجرة، بما يفرضه القانون الدولي وتقتضيه الأعراف الإنسانية، ما جعل المغرب يحظى باحترام كبير، من قبل البلدان التي تعاني الهجرة السرية، مثل الاتحاد الأوربي. غابة "كوروكو"... مخبأ المهاجرين تحولت الناظور إلى قبلة للحالمين بالهجرة إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، أو على الأقل التسلل إلى مليلية المحتلة، في انتظار العبور إلى أوربا. ويتخذ الوافدون على المدينة من غابة "كوروكو" مخبأ للتواري عن الأنظار وتحين الفرصة للتسلل إلى الثغر المحتل، أملا في أن يتم تهجيرهم، بعد ذلك، إلى إسبانيا. وهناك بعض المهاجرين الذين يقضون أشهرا داخل الغابة إلى أن تأتي الفرصة الملائمة. ولم تسجل أحداث لمدة طويلة، إذ كان المهاجرون يظلون متوارين عن الأنظار إلى حين انتظار الفرصة المواتية للعبور. وأكدت فعاليات جمعوية أن الأمور تغيرت بعد توافد المهاجرين السودانيين إلى الغابة، إذ لم يكونوا يتحلون بالصبر، على غرار المهاجرين الآخرين المتحدرين من البلدان جنوب الصحراء، كما أنهم أدوا مبالغ مهمة للوصول إلى المغرب بهدف العبور للضفة الشمالية. لذا حاولوا العبور في أقرب الآجال وبأي وسيلة، وأعدوا العدة من هراوات وسواطير وقطع حديدية حادة، كما أكدت ذلك مصادر محلية، قبل أن يقرروا الهجوم في اليوم الموعود، ومحاولة العبور بالقوة، ما تسبب في الأحداث التي عرفها معبر مليلية، والتي سقط، خلالها، عشرات الضحايا. تدخل الجيش...الوضع تحت السيطرة أصبح معبر بني نصار المؤدي إلى مليلية المحتلة تحت قبضة الجيش، بعد الأحداث التي عرفتها المنطقة وسقط إثرها عدد من الضحايا، ما ساهم في استتباب الأمن وتقليص وفود المهاجرين على المنطقة، إذ يتم تنظيم حملات تمشيط دورية داخل غابة "كوروكو"، لضمان عدم تشكيل خلايا داخلها. وأكدت مصادر محلية أن حملات المراقبة مكنت من إخلاء الغابة من المهاجرين، الذين لم يعد لهم وجود بالمنطقة، كما عاينت ذلك "الصباح" خلال زيارتها لمعبر بني نصار، إذ اختفت مجموعات المهاجرين السريين القادمين من بلدان إفريقية. وتم تشديد المراقبة على أهم المحاور الحدودية وتعزيز الحواجز، كما تم حفر خنادق بين الأسلاك الفاصلة، لجعل عملية الاختراق عبرها عملية شبه مستحيلة، الأمر الذي أكدته السلطات الإسبانية، إذ أشارت معطيات وزارة الداخلية، المتعلقة بالهجرة السرية، إلى أن عدد المهاجرين السريين الوافدين برا على مليلية لم يتجاوز، إلى غاية ماي الجاري، 35 مهاجرا، مقابل 948، خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية، ما يمثل ناقص 96.3 في المائة. وتقوم دوريات الجيش بحملات منتظمة لمراقبة الغابة، التي يتخذها الوافدون على المنطقة ملجأ للاختفاء عن أنظار السلطات إلى حين تحين الفرصة المواتية للعبور السري إلى مليلية المحتلة، ومنها إلى الضفة الشمالية. النزاع السوداني... مخاطر تستدعي اليقظة تشير تقارير إعلامية إلى أن النزاع، بين قوات التدخل السريع والجيش السوداني سيدفع الآلاف من السودانيين إلى مغادرة بلادهم في اتجاه مكان آمن. وأفادت وكالة الأنباء الإسبانية، أخيرا، أن عدد السودانيين، الذين عبروا الحدود المصرية وصل، خلال الأيام الأخيرة، 40 ألف مهاجر، وتظل هذه الأعداد مؤقتة، في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع والصراع بين الأطراف المتنازعة. ورجحت الأمم المتحدة أن يصل العدد إلى 800 ألف مهاجر سوداني مدني، الذين سيفرون من جحيم الاقتتال، ما يفرض تشديد المراقبة على الحدود، خاصة النقط التي يستغلها "كبرانات" الجزائر للسماح لجحافل المهاجرين السريين بالعبور إلى المغرب. وسبق أن أكد مهاجرون سودانيون تم القبض عليهم، خلال عمليات العبور بالقوة، أنهم وصلوا إلى المغرب بواسطة مجموعات تنتشر على المعابر، الممتدة ما بين السودان والمغرب، علما أن السودانيين كانوا يقصدون، في السابق، ليبيا، للعبور نحو إيطاليا، لكن الأوضاع بهذا البلد، دفغتهم إلى تغيير الوجهة نحو المغرب، والاستعانة بشبكات يتزعمها ضباط جزائريون، يسهلون عليهم عملية العبور نحو المغرب. لذا، يتعين المزيد من الحيطة والحذر لتفادي تكرار المأساة، التي عرفها المعبر، خلال عمليات العبور بالقوة.