أسوأ ما يمكن أن تمر به دولة أن يعم السكون، الذي قد ينتهي بأحد الاحتمالين: إما هبوب شديد لعاصفة لا تبقي ولا تذر، أو انفراج في الأجواء يؤدي إلى "نجاة" مؤقتة إلى حين. ومؤكد ألا أحد يرغب في الاحتمالين معا، لأن العاصفة لن تخلف وراءها سوى الخسائر والدمار والضحايا والمعطوبين، كما أن النجاة المؤقتة تقلل مساحات الأمل وفرص الحلم، وتزرع الخوف في المستقبل. في الوقت نفسه، لا يمكن أن يستمر الوضع على هذا النحو إلى ما لا نهاية، في وجود إحساس عام، لدى أغلب المغاربة، أن كل شيء دخل غرفة الانتظار من جديد، بعد أن اعتقدنا أن العمل انطلق قبل سنة ونصف سنة، ومعه أمل كبير في معالجة أخطاء السنوات الماضية. إن حالة الجمود التي يمر منها المغرب، على كافة المستويات، لا يمكن إلا أن تكون نذير خطر، كما أن دخول أغلب المؤسسات في شبه فراغ، ستكون عواقبه وخيمة، أقلها هدر وقت ثمين من عمر التنمية، وتدارك الأوراش والمشاريع المؤجلة، بفعل توالي الأزمات. ففي الحكومة، يشتغل بعض الوزراء بأقل مجهود ممكن، حتى يخيل للمغاربة أن الأمر يتعلق بأطر إدارية مكلفة بمهام تقنية محددة في الزمان، والحال أن وظيفة الوزير سياسية بامتياز، تقتضي منه، في كل الأوقات، استحضار المصلحة العليا للوطن، وليس مصلحة قطاعه فحسب. ووفق هذه المقاربة، تضيع قطاعات حكومية حيوية لا تكاد ترى بالعين المجردة في صيرورة العمل اليومي، ولم تراكم أي نتائج لحد الآن، ولم يظهر أي أثر على المواطنين والمهنيين، رغم الموارد والبرامج والتسهيلات والملايير المخصصة لوزارات، مثل التعليم والسياحة والنقل والصحة والاستثمار والعدل والطاقة والرياضة. في المؤسسات التمثيلية الأخرى، وعلى رأسها الجماعات الترابية، يزداد الوضع تعقيدا في ظل وجود سوء فهم كبير بين وظيفة المنتخب المحددة في القوانين التنظيمية، وبين وظائف وأجندات أخرى، تجعل الحصول على مقعد في جماعة، "فرصة" للبحث عن الغنائم والامتيازات. في إطار هذه الصورة، لا ننسى أن ندخل، أيضا، "بعض" الولاة والعمال ورجال السلطة، الذين يقضون سواد يومهم في اختراع أشكال العرقلة والاجتهاد في إنتاج التعليمات الشفوية، ووضع العصا في العجلة لغرض في نفس يعقوب بكل تأكيد. ولأن الأمر بكل هذا السوء، يحق للمغاربة أن يطرحوا السؤال عن مكمن الخلل؟ ولماذا نتقهقر إلى الوراء عوض أن نتقدم إلى الأمام؟ ولماذا لا تبرح البرامج والمشاريع مرحلة الانطلاق والدعاية، في غياب نتائج ملموسة على المواطنين الذين يواجهون، وحدهم، موجات الغلاء وارتفاع الأسعار وتدهور المعيشة ومخلفات سنوات عجاف؟ لكن يظل السؤال الأهم الذي تردد صداه غرف الانتظار، هل توجد جهة ما أو جهات تعرقل مسارا انطلق منذ الانتخابات السابقة، أو أطراف لا تريد الخير للبلد والمواطنين؟ نطرح السؤال من منطلق الحرص على نجاح المغرب، مركزيا وجهويا ومحليا، لأنه السبيل إلى تقوية جبهته الداخلية في مواجهة الخارج الحقود. لا دفاعات لنا أمام التحرشات والضغائن والأحقاد والمؤامرات، إلا بتعزيز الثقة في التنمية والتطور وتوزيع منصف للعدالة الاجتماعية. بالداخل المتماسك، سنواجه الخارج المرتعد برأس مرفوع. وأول خطوة في سبيل ذلك، غلق غرفة الانتظار. دون تردد وإلى الأبد.