“مصيدة” الجماعات

رفع عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، السقف عاليا، حين تحدى جميع رؤساء الجماعات الترابية، وعددهم يفوق 1500 رئيس، بعدم ارتكابهم خروقات قانونية ومسطرية وإدارية خلال تحملهم المسؤولية الانتدابية، سواء بحسن نية، أو بسوئها. لقد قال الرجل كل شيء، وأنهى السطر الأخير من الحكاية برمتها، ووضع الجميع أمام مرآة الحقيقة التي يحاول البعض إخفاءها بـ"رتوشات" من "ماكياج" رخيص، وبكلام مهذب، وباحترام شديد للأشخاص، يحفظ المقامات. فمن يحب هذا البلد، يجب أن يبدأ أولا، بقول الحقيقة مهما كانت صادمة ومزعجة، لكن لا ينبغي لوزير في حكومة، مستندة إلى أغلبية برلمانية مريحة، أن يكتفي بمجرد تشخيص الداء، بل عليه أن يكون مستعدا، أيضا، لتقديم الدواء الناجع، مهما كان مرا. فلم يبالغ وهبي حين قال "جيب لي أي رئيس بلدية في المغرب، اعطيني أسبوع، ندخلو للحبس"، وهو كلام قد يحمل على عدة أوجه، إذ هناك من فسره بأن الوزير يوجه سهام الفساد وتبديد المال العام والريع واستغلال النفوذ، إلى جميع رؤساء الجماعات الترابية (دون استثناء)، وأن مكانهم الطبيعي، هو السجون، بسبب التجاوزات المالية والإدارية المرتكبة من قبلهم، والتي يمكن كشفها بسهولة، حسب هذا التفسير. لكن، التفسير الأقرب إلى الصواب لتصريح الوزير، هو أن منظومة القوانين والمساطر الحالية، وآليات الرقابة والحكامة التي تؤطر عمل الجماعات الترابية بأنواعها الثلاثة (مجالس جهات، ومجالس عمالات وأقاليم، ومجالس محلية وقروية)، قد تكون مصيدة تنزلق فيها أرجل منتخبين في لحظات سهو وعمل يومي، لكن ذلك لا يسقط عنهم "تهم" ارتكاب خروقات وتجاوزات. بمعنى أصح، إن جميع رؤساء الجماعات متهمون بتهمة "ما"، صغيرة كانت أم كبيرة، وتسهل متابعتهم أمام القضاء وإعداد مرافعات مدمرة ضدهم، ليس لخطأ فيهم، بل لخطأ في منظومتين: الأولى، منظومة الانتخابات التي تسمح لمن هب ودب بالترشح لمناصب المسؤولية الجماعية (وتحديدا الرؤساء)، إذ سيكون من الصعب أن نطلب من رئيس لم يتجاوز المستوى الابتدائي، أن يكون ملما بالقوانين المؤطرة لعمل الجماعات، ومرسوم الصفقات العمومية، وقوانين التعمير ومراسيم إعداد الميزانيات وقوانين الأملاك الجماعية، والرسوم والضرائب وتبويبات المداخيل والنفقات وتدبير الموارد البشرية والعلاقة مع السلطات العمومية الأخرى. والثانية، منظومة القوانين التنظيمية وباقي القوانين والمساطر والدوريات والقرارات والمذكرات التي تؤطر عمل الجماعات الترابية، ويتخللها عدد من مواقع الضعف والغموض والتداخل، التي تجعل الخطأ واردا في جميع الأحوال، سواء انتبه المنتخب إلى ذلك، أو لم ينتبه. ورغم هذا التعقيد والصعوبة في التعامل مع كم هائل من القوانين، يطلب من الرئيس أن يكون ملما بها، تحت طائلة "الجر" إلى السجن، وقد يحدث ذلك، في وجود موظفين ومديري مصالح، مهمتهم ترجمة التوجيه السياسي إلى فعل قانوني وإداري وإجرائي. وحين ننتبه إلى مساوئ هاتين المنظومتين.. ونعمد إلى إصلاحها من قبل الجهات الموكول لها ذلك (ضمنها وزير العدل نفسه)، سنكون قد قطعنا أشواطا في سبيل إنقاذ رؤساء الجماعات من فخ التدبير اليومي المحفوف بالمخاطر. نستغني عن منتخبين لا أهلية لهم، ونوفر الحماية القانونية للأكفاء منهم، ونرفع عن أعناقهم حبال الخوف من السجن.

“مصيدة” الجماعات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

620 مليارا لتشكيل القطيع الوطني

موسم الاحتيال على الحجاج

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات