تمنح الأمل للمواطنين وتشجعهم على المساهمة في التنمية البشرية وتهتم بقضايا مثل الصحة والتعليم تعتبر خطابات الملك محمد السادس دائما شاملة وكاملة. وقد تعود المغاربة عند كل مناسبة، وطنية أو دينية، أو طارئة، أن يلقي جلالته خطابا ملكيا موجها إلى الشعب تارة وإلى الحكومة ومؤسساتها تارة أخرى. وحسب الظروف السياسية، قد يكون الخطاب عبارة عن تصحيح المفاهيم، أو طرح تصورات جيو سياسية تهم الوحدة الوطنية والمكتسبات الديموقراطية التي حققها المغرب في ظل قيادته السامية . هذه الخطابات تكون دائما مختصرة هدفها تصحيح المسارات، أو على شكل دعامات سياسية لمشاكل آنية يتم الانكباب عليها بشكل فعال حسب الظروف والمرحلة التي يمر منها المواطنون انطلاقا من إكراهات مفروضة، إما دولية، أو بيئية أو قانونية أو اجتماعية أو ثقافية أو سوسيو اجتماعية ، واللائحة طويلة .... خطابات الملك محمد السادس تكون عادة مختصرة و تحمل أبعادا عميقة، وتلاقي اٍقبالا كبيرا من قبل الإعلام المحلي والدولي في بعض الأحيان. وبعد الخطاب يدلي المثقفون والسياسيون والمحللون بآرائهم لشرح الظاهر والباطن، وتتصدر صفحات الصحف والمجلات كل ما له علاقة بالخطاب الملكي، وبعدها تجتمع الحكومة لدراسة محتوى الخطاب لإيجاد القانون الإطار لتفعيل ما جاء فيه على الصعيد الوطني، وتصل غالبا إلى المبتغى، وتهرع الى اٍخراج مشاريع بميزانيات محترمة، يتم تنفيذها على المدى القريب تارة، وأخرى على المدى البعيد. هنا، لا بد أن نقف لكي نترجم بعض النقاط التي لها علاقة بالموضوع. خطابات الملك تمنح دائما الأمل للمواطنين وتحفزهم على العمل والمثابرة، وتشجعهم على المساهمة في تحصيل الناتج الوطني، وبالتالي المساهمة في التنمية البشرية والوصول إلى الرقي والازدهار والعيش الكريم تناغما مع متطلبات العصر والحقب الزمنية . اٍذن من هنا نفهم أن الخطابات الملكية لها وقع على واقع الحياة الاجتماعية للمواطنين المغاربة، لأنها تهتم بمواضيع لها علاقة بالمواطن مباشرة مثل التعليم والتكوين المهني والجامعات وتوفير الماء الصالح للشرب وتهييء المجالات الحضرية وخلق مناصب الشغل، وتلح على توسيع مساحات الأراضي الزراعية واستغلال الموارد الغابوية والبحرية، وتزكي الاعتناء بالفئات الفقيرة من خلال مجانية العلاج والتمريض، وتنص على مساعدة الطبقة المتوسطة للحصول على سكن اقتصادي، والاعتناء بمغاربة العالم وإشراكهم في المشاريع التنموية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، واللائحة طويلة طبعا. بعد الخطابات الملكية تنكب الحكومة على إخراج المشاريع، وبعدها تتم المصادقة عليها، ويبدأ البحث عن الوزارات والمؤسسات والوكالات والجهات التي يمكن لها أن تساهم في التمويل. وبعد جلسات ومداولات متكررة، يتم التوقيع النهائي من طرف المانحين، ومباشرة تنتقل الميزانية المتفق عليها إلى صناديق الجماعة، أو الوزارة المعنية بالمشروع . أول خطوة قبل تنفيذ المشروع هي دراسته من قبل شركات مختصة حسب مجال التخصصات، وبعدها مباشرة يبدأ الشروع في فتح باب العروض للشركات المختصة في الميدان، وهنا تبدأ المشاكل العويصة والتي يمكن تصنيفها حسب القائم المباشر عن الأعمال. قد تكون جماعة قروية، أو جماعة حضرية، أو وزارة معينة . مشاريع عديدة ترى النور وتدخل البهجة الى قلوب المواطنين، يشرف عليها وزراء ورؤساء جماعات ومديرو وكالات، يستحقون التنويه والإشادة والشكر، لما قدموه لخدمة الوطن والمواطنين والجري وراء المصلحة العامة. وهناك مشاريع نابعة من تعليمات ملكية، لكنها لا ترى النور بتاتا، رغم أن الحكومة تخصص لها ميزانيات ضخمة. هذه الظاهرة تمكن معاينتها بالعين المجردة في بعض المدن وبعض القرى، والغريب في الأمر أن هذه الأموال، والتي هي عبارة عن ميزانيات ضخمة من المال العام، تتبخر ولا يبقى لها أثر في صناديق الجماعة أو الوزارة. ورغم أن المجلس الأعلى للحسابات يتولى افتحاص المشاريع ويخرج بتقارير دقيقة عن نوع الاختلالات المالية، اٍلا أن التطبيق لا يتم كما ينبغي، فكم من مسؤول سياسي ثبت في حقه الفساد المالي ومازال يباشر عمله بدون غضاضة، وكم من رئيس جماعة متورط في ملفات فساد مالي ومازال يباشر عمله بدون حياء. هذه العينة من المسؤولين الذين يخونون الأمانة، يؤمنون أن كل ما هو فوق القانون فهو قانون، ويزكون أنفسهم أنهم لم يأتوا من فراغ، بل جاؤوا من حصيلة تحقيقات انتخابية . في الحقيقة ليس لهم ضمير مهني، يعاهدون الله وهم لا يخافون حدوده. يبايعون الملك جهرا، ويحطمون المشاريع سرا. وهم خائنون للمال العام، يدعون الوطنية وهم للوطن أعداء. يقتلون الأمل في نفسية المواطن بدون ملل، ويتبجحون بشرف المهنة، وينقضون على المال العام بدون شفقة ولا رحمة، ويعتبرونه من غنائم الانتخابات. في المغرب، هناك هيأة تسمى الفرقة الوطنية لمحاربة الإرهاب والتطرف، ولها عمل إيجابي في استتباب الأمن والاستقرار بالبلد، وأظن أنه ربما حان الوقت لكي تتوسع هذه الفرقة لمتابعة النخبة التي تنهب المال العام وتقوض المشاريع، بل وتشطبها، وتفرغ الصناديق من المال العام بطرق ملتوية. في نظري هذا تطرف كبير، يلحق أضرارا كبيرة بالوطن والمواطنين ويناهض جميع المشاريع التي تمت المصادقة عليها. أعداء الوطن وأعداء التنمية وأعداء الأمانة... هم كل من ثبت في حقهم نهب المال العام . محمد بونوار (كاتب مغربي مقيم بألمانيا)