عودة “لاراف” غير المأسوف على رحيلها

حملات التحقق من الهوية وإخلاء الدواوير من سكانها واعتقال الأقارب ممارسات ترفض الرحيل لم تمنع التزامات الدولة ومجموع تدابيرها الرامية إلى تطويق عمل موظفيها المكلفين بتنفيذ القانون بسياج احترام حقوق الإنسان، من العودة إلى ممارسات الماضي، وذلك عبر بوابة الحملات الأمنية، التي تصر من خلالها السلطات الأمنية إلى استعادة ممارسات الماضي ، حيث كان رجالها يفعلون ما يشاؤون دون حساب أو مساءلة.ورغم أن لائحة الممارسات الحالية لم تعد تتضمن التعذيب بالشكل الذي كان سائدا في مرحلة ما أصبح يعرف بسنوات الرصاص، إلى أن رجال الشرطة لم يتخلصوا بشكل تام من الثقافة السائدة في كواليس المؤسسات الأمنية في سبعينات وثمانيات القرن الماضي، خاصة منطق الحملة أو ما يعرف عن الجيل السابق من المغاربة ب"لا راف"، عندما كانت سيارات الأمن الوطني والقوات المساعدة تقوم بعمليات تمشيط تتحول في الواقع إلى حظر للتجول بدعوى التحقق من الهوية، علما أن بطاقة التعريف الوطنية كانت في بداية اعتمادها، ولم يكن بإمكان الجميع الحصول عليها، بالنظر إلى طول طوابير الراغبين في ذلك، بالإضافة إلى تخوف الشباب العاطل من الدفع به إلى التجنيد الإجباري.كما لم تتردد الأجهزة الأمنية في استعمال آلية الاعتقال بالجملة، ويتذكر سكان البادية كيف كان الدرك يخلي دوارا بأكمله، ولا يتركون فيه إلا الدواب، لا لشيء سوى لأن هناك مجرما هاربا بالجوار، بالإضافة إلى عملية الاعتقال بالنيابة، إذ كانت الأجهزة الأمنية عادة ما تقوم باعتقال أفراد عائلات المبحوث عنهم لأسابيع عديدة من أجل الضغط على الأقارب الفارين من العدالة. وارتبطت أجهزة الأمن والدرك في ذهن المغاربة بتنغيص الحياة وليس بتوفير الأمن والأمان للناس، بإرهابهم وابتزازهم وبث الرعب في قلوبهم والتنكيل بهم وتلفيق التهم وفبركة المحاضر وسوقهم إلى المعتقلات السرية أحيانا كثيرة، بناء على معلومات كاذبة أو وشاية مغرضة أو انتقام لأغراض شخصية لا علاقة لها بالتهم التي عوقبوا أو أدينوا بسببها.والأكيد أن الأجهزة الأمنية تضخمت إلى حد أصبحت معه تلعب دور المدعي والشرطي والقاضي والسجان في آن واحد، ذلك أن رجال الأمن هم من يكتب صكوك الاتهام، وهم الذين يداهمون مساكن الأظناء، وهم الذين يقودونهم مكبلين إلى مراكز الاعتقال أو مراكز التحقيق، وهم الذين يقومون بتعذيبهم والاقتصاص منهم بطرقهم التي أبدعوا وتألقوا فيها في الأقبية المظلمة، حيث يقضون فيها سنوات دون أن يتمكن ذووهم من معرفة مصيرهم ومكان احتجازهم وسبب اختطافهم.ووصلت العلاقة بين المواطن والسلطات الأمنية إلى حد انعدام الثقة، ذلك أن بداية حكم الملك الراحل الحسن الثاني شهدت مواجهات قوية بين الاختيارات السياسية للقصر والأحزاب اليسارية التي بلورت شعارات أكثر راديكالية استهدفت المؤسسة الملكية، فكانت النتيجة اعتقالات بالجملة طالت قادة مختلف التنظيمات السياسية ومناضليها، واتسعت العملية بعد ذلك لتتخذ شكل مواجهة شاملة بين الدولة والمجتمع. وأمام مطلب حماية الوطن والسهر على مصلحة المواطن، أصبحت الأجهزة الأمنية هي الضامنة للأمن والاستقرار وتكريس سيادة القانون، ومن المفترض أن يقوم رجالها بتأمين السير على درب تكريس الاختيارات الكبرى، وفي مقدمتها الانتقال الديمقراطي، ولن يتأتى ذلك، حسب المواثيق الدولية، إلا عبر الالتزام بتنفيذ الأوامر والتعليمات كل في موقعه ومسؤوليته وصلاحياته وواجباته حسب ما يقره القانون دون سواه، إذ " لا يجوز لأي موظف من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يقوم بأي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو أن يحرض عليه أو أن يتغاضى عنه، كما لا يجوز لأي من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يتذرع بأوامر عليا أو بظروف استثنائية تهدد الاستقرار الداخلي لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". كما يعتبر إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، المعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة أن مرتكبي الأفعال المهينة للكرامة الإنسانية يجب أن يدان بوصفه إنكارا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة وانتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره من الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.ياسين قُطيب

عودة “لاراف” غير المأسوف على رحيلها

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النقابات تواصل التصعيد ضد الحكومة

تخوف من تعسفات ترتكب خلال الحملات الأمنية وانتهاك حقوق منحها الدستور والمواثيق الدولية للمواطن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات