مكاتب “البوانتاج”… مغارة علي بابا

مراقبة شكلية تقتصر على التحقق من أوراق السيارة مقابل "أتاوات" من أصحاب الطاكسيات لأي شيء تنفع نقط المراقبة الخاصة بسيارة الأجرة (مكاتب البوانتاج)؟ سؤال يطرحه العديد من الذين يستعملون هذه الوسيلة من وسائل النقل الحضري في تنقلاتهم. من المفترض أن هذه المصالح التي يشرف عليها رجال الأمن تتولى مراقبة سيارات الأجرة والتحقق من مدى احترامها للمقتضيات القانونية والصحية، سواء في ما يتعلق بوثائق السيارة أو نظافتها، إذ يلزم كل سائق سيارة أجرة المرور عبر نقط المراقبة، قبل بداية مشواره في استقبال الزبائن. أفاد العديد من أصحاب "الطاكسيات"الذين التقتهم "الصباح"أن دور هذه المكاتب يقتصر على التحقق من وثائق السيارات، فقط، ولا تعير جانب النظافة وهندام السائق أي اهتمام، وغالبا ما يتم التغاضي عن هذه الجوانب التي تعتبر، في نظر رجال الأمن المسؤولين عن المراقبة، ثانوية وشكلية، إذ الأهم بالنسبة إليهم هو توفر وثائق السيارات ومعرفة أسماء السائقين الذين هم في الخدمة. ويمكن أن تتكرر العملية ثلاث مرات في اليوم، إذ هناك بعض سيارات الأجرة التي يتناوب على قيادتها ثلاثة سائقين، الذين يتعين عليهم الإدلاء برخص الثقة لسياقة سيارات الأجرة وبوليصة التأمين والبطاقة الرمادية وكل الوثائق المتعلقة بالسيارة. تنطلق عملية المراقبة ابتداء من الثامنة والنصف صباحا وتستمر إلى غاية الحادية عشرة والنصف، وتتواصل العملية كلما تغير السائق. "ما كاين لا مراقبة ولاهم يحزنون المسألة شكلية المهم هو يكون عاندك وريقاتك وتلوح شي باركة فالصندوقة ومريضنا ما عندو باس"هكذا يلخص إبراهيم العملية، الذي قضى أزيد من 25 سنة سائقا لسيارة الأجرة دون أن يتمكن من الحصول على مأذونية (كريمة)، إذ ما يزال يشتغل لحساب الغير، كما يقول بمرارة شديدة.ويضيف قبل المراقبة يجب إصلاح الوضع الحالي ومحاربة كل أشكال الريع التي يعانيها هذا القطاع، الذي ينطبق عليه بشكل كبير، يقول "إبراهيم"، المثل القائل "خدم أتاعس على الناعس"، متسائلا كيف يمكن لسائق يظل همه الوحيد توفير 300 درهم في اليوم لصاحب "الكريمة"، قبل التفكير في ما سيدخل به على أطفاله وأسرته، والاهتمام بحالة السيارة؟في السياق ذاته يذهب سعيد، سائق سيارة أجرة صغيرة، الذي تظهر علامة عدم الرضا واضحة على محياه، إذ يتساءل بدوره كيف يمكن الحفاظ على نظافة الطاكسي، الذي يتناوب عليه ثلاثة سائقين في اليوم؟ لذا نكون مضطرين إلى تقديم دريهمات للمكلفين بالمراقبة، من أجل التغاضي عن نظافة الطاكسي، وأكد أن المبلغ غير محدد ويتوقف على كل سائق وسخائه، وعموما يتراوح بين درهمين وخمسة دراهم.في الواقع، فإن عملية المراقبة لا ينتج عنها أداء أي مبلغ، إذ تتم مجانيا، ولا يفرض رجال الأمن على أصحاب الطاكسيات أداء هذه المبالغ، لكن مهنيي النقل يصرون أن "يتضامنوا"مع رجال الأمن الذين يسهرون على العملية. وأكد عدد من أصحاب الطاكسيات أنهم يؤدون هذه المبالغ عن طواعية، لكن البعض الآخر يعتبر أن هذه "التدويرة"تمثل عربون المودة بين سائقي الطاكسيات ورجال الأمن، كما أنها يمكن أن تحجب العديد من المشاكل التي قد يواجهها السائق خلال عملية المراقبة. وإذا كان المبلغ يظهر للوهلة الأولى زهيدا، فإن إيرادات هذه "المساهمة"تصل إلى مبالغ هامة، بالنظر إلى عدد الطاكسيات التي تمر عبر نقط المراقبة، إذ أن هناك ما لا يقل عن 15 ألف طاكسي، 8 آلاف سيارة أجرة صغيرة و7 آلاف كبيرة تجوب شوارع البيضاء، وذلك حسب إحصائيات ولاية جهة الدار البيضاء الكبرى. وفي هذا الإطار، وإذا اعتبرنا أن متوسط المبلغ المؤدى في حدود 3 دراهم لكل سيارة أجرة في اليوم، فإن المبلغ الإجمالي المحصل عليه في اليوم سيناهز 45 ألف درهم، علما أن بعض سيارات الأجرة يتناوب عليها سائقان، ما يعني أنه يتعين أن تمر عبر مصالح المراقبة مرتين في اليوم. وهكذا، فإن المبلغ المتوقع يمكن أن يصل إلى 70 ألف درهم في اليوم، أي 210 ملايين سنتيم في الشهر. ولم نتمكن من معرفة مآل هذه المبالغ وكيف يتم توزيعها أو توظيفها والجهات المستفيدة منها، إذ لا توجد أي وسيلة لتتبع مسارها.وأصبحت هذه العادة مرسخة لدى جميع أصحاب الطاكسيات، الذين يسارعون إلى وضع ما يجودون به في إناء مخصص لهذا الغرض، قبل تقديم الوثائق والمرور إلى عملية المراقبة، ويتوقف المبلغ على سخاء السائق، لكن أيضا على حالة السيارة، إذ كلما كانت السيارة مهترئة، إلا وقدم مبلغا يليق بالمقام.وهذا ما يجعل أصحاب الطاكسيات لا يولون لحالة سياراتهم أو لهندامهم أدنى اهتمام، ما دامت الدريهمات البيضاء تنفع في الأيام السوداء. مكاتب للتسجيل فقط إن أزمة النقل بالبيضاء لا تترك للمواطن أي خيار، إذ أن الاكتظاظ الذي تعرفه مواقف السيارات في ساعات الذروة لا يترك مجالا للتفكير في حالة السيارة، إذ الأهم بالنسبة إلى الراغبين في العودة إلى منازلهم هو إيجاد وسيلة نقل تفي بالغرض.وفي غياب مراقبة حقيقية، تلزم السائقين باحترام شروط النظافة ومعايير الهندام التي يجب أن يراعيها السائق، فإن نقط المراقبة كما تعمل، حاليا، تعتبر مجرد مكاتب للتسجيل فقط، ووجودها شكلي في ما يتعلق بهذا الجانب، إذ يقتصر دورها على ضبط أصحاب الطاكسيات الذين يجوبون الشوارع في كل يوم، في حين أن النظافة ما تزال من الكماليات ولا تخضع لأي مقتضيات إلزامية، تجبر أصحاب الطاكسيات على الاعتناء بسياراتهم قبل توظيفها في نقل المواطنين. إنجاز: عبد الواحد كنفاوي

مكاتب “البوانتاج”… مغارة علي بابا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إسبانيا تواجه خطر التقسيم بسبب بوليساريو

اعتقال وسيط شقق مفروشة للدعارة بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات